24 ديسمبر 2016
تونس لن تقع في فخ الإرهاب
قال مركز تونس لحرية الصحافة، في بيان أصدره الأربعاء الموافق 25 من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وبعد أقل من 24 ساعة على التفجير الذي هز وسط العاصمة التونسية، مودياً بحياة 13 من أفراد الأمن الرئاسي في حافلة كانت تقلهم؛ أن قوات الأمن عمدت إلى الاعتداء الجسدي واللفظي على الصحافيين الذين سارعوا إلى تغطية الحدث الجلل، وما تبعه. وأفاد المركز، في بيانه، بأن ما لا يقل عن 32 صحافياً وصحافية تعرّضوا إلى اعتداءات بدنية في أعقاب وقوع التفجير في أماكن متفرقة من وسط العاصمة تونس، وحدد هوية المعتدين بعناصر أمن يرتدون الزي المدني ورجال أمن بالزي العسكري.
وسارعت الحكومة التونسية إلى إعادة العمل بإجراءات ذات طابع أمني، مثل فرض حالة الطوارئ وحظر التجول ثلاثين يوماً، بدءاً من الأربعاء الماضي. وخرج رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، ليؤكد لأبناء الشعب التونسي أن "الحرب على الاٍرهاب ليست مهمة الحكومة، أو الأمن والجيش فقط، بل هي حرب الجميع"، مؤكداً على ضرورة "وحدة وطنية حقيقية لكل القوى الحية، للدفاع عن حرياتنا، وطريقة عيشنا التي يحاولون تغييرها". ولعل في الشق الأخير من هذا التصريح ما ينبغي التركيز عليه.
وفي وقتٍ لا يريد فيه أحدٌ استباق مجرى أي تحقيق في مجريات التفجير في وسط العاصمة، فإن من أضعف الإيمان القول إنه يأتي في سياق مرعب، ومخيف، من الانفلات الإجرامي في ثلاث قارات، يتصدر فيه العالم العربي وأوروبا وإفريقيا مسارح لعمليات استهداف مباشر للمدنيين على نحو غير مسبوق، لكن أداء الدول، في رد فعلها على حوادث الإرهاب المتتالية، لا يحمل أي ضمانة على أنها (أي الدول) تسير في سياق الحفاظ على الحريات المكتسبة لجماهير الأفراد التي تسكنها، وقد تُسفر بعض ردود فعلها عن انتقاص جسيم من هذه الحريات.
وفي واقع الحال، إن اتساع رقعة هجمات التنظيمات والجماعات، لتتجاوز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتصل إلى أوروبا وإفريقيا (كما في مالي ونيجيريا)، أدى، بشكل
تلقائي، إلى تنامي ميول الحكومات، لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة وتشدداً في سياق جهودها لمكافحة الإرهاب. وباتت المنطقة العربية، على سبيل المثال، تشهد سن قوانين وتشريعاتٍ تُعرف، في غالبيتها، باسم قوانين مكافحة الإرهاب، أو قوانين الإرهاب، وهي، في مجملها، تتشارك في أنها تفرض إجراءات من شأنها تقييد بعض أوجه الحريات، كالحرية في التجمع والتنقل والتنظيم، كما أن من شأن بعض الإجراءات التي تشتمل عليها فرض قيود على حرية التعبير، كالتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الصحف ووسائل الاعلام المرئي والمسموع، وقد يشمل بعضها إجراءات لفرض رقابة (غير قضائية) على وسائل الاتصالات الشخصية، مثل الهواتف المتنقلة والاتصال عبر الانترنت. وتتيح بعض هذه القوانين الشروع في عمليات تعقب واعتقال وتفتيش، من دون الحصول على إذن قضائي.
وتلخص إجراءات الطوارئ كل ما سبق، في أنها تتيح ذلك كله، ولربما المزيد، وفي أنها تخضع، في تنفيذها، لسلطة تقديرية مناطة بالحكومة أو الأجهزة الأمنية، أو كلاهما حيثما استوجب الأمر ذلك. وتشير حوادث الاعتداء على الصحافيين التي وثقها مركز تونس لحرية الصحافة، يوم وقوع التفجير وسط العاصمة تونس، إلى مؤشر على إخفاق مبكر للحكومة التونسية في مسعاها إلى التصدي للأعمال الإرهابية، بما من شأنه الحفاظ على الحريات وطريقة الحياة التي ينتهجها التونسيون، بحسب ما أكد عليه رئيس الحكومة.
ومن الضروري التذكير بأن واجب كل الحكومات، في أي بقعة من العالم، تأمين ضمان سلامة مواطنيها، والقاطنين على أراضيها. لكن، من المفيد التذكير بأن أي إجراءات تتخذها الحكومات، ومنها الحكومة التونسية، في هذا المقام، أن تتحلى بعدد من المواصفات. وأول هذا المواصفات، أن أي إجراءات وتدابير لمكافحة أي أعمال إجرامية تهدد أمن البلاد وسلامتها، يجب أن تكون استثنائية، وذات طابع مُحدد ومحدود، على أن ترتبط مفاعيلها بمدة زمنية قصيرة. والأهم أن هذه الإجراءات تزول بزوال ما يُبرّرها، ولا يجوز لها التحول إلى إجراءات دائمة وراسخة، سواء على شكل قوانين أو ممارسات.
وثاني هذه المواصفات فعالية هذه الإجراءات في إنجاز ما صُممت من أجله، وهو الحفاظ على الأمن والسلامة العامة والأرواح، ولعل أبرز الانتقادات على مجمل التجربة الدولية المعاصرة في "مكافحة الإرهاب" هو عدم نجاعة الإجراءات المصممة لتحقيق أهدافها بالقضاء على الإرهاب، كونها لا توفر أي ضمانات فعلية وفاعلة (لنجاح تنفيذها). والأهم، هنا، ألا تتحول هذه الإجراءات، بسبب إمكانية قصورها، عن تحقيق أهدافها، إلى أدوات تخدم أغراضاً أخرى غير متصلة، بسوء أم حسن نية. وثالث هذه المواصفات، أن توفر ضمانات لجمهور المواطنين والقاطنين، بعدم المس بحقوقهم الأساسية، تحت أي ظرف، وبموجب أي مبرر. ومن، على سبيل المثال، الحق في المحاكمة العادلة، والحق في المعلومات، والحق في عدم التعرض للتعذيب، أو أي شكل من أشكال المعاملة القاسية.
لا ينبغي لتونس الوقوع في الفخ الذي نصبه لها الإرهابيون، والتفريط بمنظومة الحريات التي دفع التونسيون ثمناً باهظاً لتأسيسها. تونس قادرة ألا تعطي الإرهابيين ما يريدونه، وأن تقدم مزيداً من الضمانات لحماية الحريات وحقوق الإنسان، لا إهدارها.
وفي وقتٍ لا يريد فيه أحدٌ استباق مجرى أي تحقيق في مجريات التفجير في وسط العاصمة، فإن من أضعف الإيمان القول إنه يأتي في سياق مرعب، ومخيف، من الانفلات الإجرامي في ثلاث قارات، يتصدر فيه العالم العربي وأوروبا وإفريقيا مسارح لعمليات استهداف مباشر للمدنيين على نحو غير مسبوق، لكن أداء الدول، في رد فعلها على حوادث الإرهاب المتتالية، لا يحمل أي ضمانة على أنها (أي الدول) تسير في سياق الحفاظ على الحريات المكتسبة لجماهير الأفراد التي تسكنها، وقد تُسفر بعض ردود فعلها عن انتقاص جسيم من هذه الحريات.
وفي واقع الحال، إن اتساع رقعة هجمات التنظيمات والجماعات، لتتجاوز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتصل إلى أوروبا وإفريقيا (كما في مالي ونيجيريا)، أدى، بشكل
وتلخص إجراءات الطوارئ كل ما سبق، في أنها تتيح ذلك كله، ولربما المزيد، وفي أنها تخضع، في تنفيذها، لسلطة تقديرية مناطة بالحكومة أو الأجهزة الأمنية، أو كلاهما حيثما استوجب الأمر ذلك. وتشير حوادث الاعتداء على الصحافيين التي وثقها مركز تونس لحرية الصحافة، يوم وقوع التفجير وسط العاصمة تونس، إلى مؤشر على إخفاق مبكر للحكومة التونسية في مسعاها إلى التصدي للأعمال الإرهابية، بما من شأنه الحفاظ على الحريات وطريقة الحياة التي ينتهجها التونسيون، بحسب ما أكد عليه رئيس الحكومة.
ومن الضروري التذكير بأن واجب كل الحكومات، في أي بقعة من العالم، تأمين ضمان سلامة مواطنيها، والقاطنين على أراضيها. لكن، من المفيد التذكير بأن أي إجراءات تتخذها الحكومات، ومنها الحكومة التونسية، في هذا المقام، أن تتحلى بعدد من المواصفات. وأول هذا المواصفات، أن أي إجراءات وتدابير لمكافحة أي أعمال إجرامية تهدد أمن البلاد وسلامتها، يجب أن تكون استثنائية، وذات طابع مُحدد ومحدود، على أن ترتبط مفاعيلها بمدة زمنية قصيرة. والأهم أن هذه الإجراءات تزول بزوال ما يُبرّرها، ولا يجوز لها التحول إلى إجراءات دائمة وراسخة، سواء على شكل قوانين أو ممارسات.
وثاني هذه المواصفات فعالية هذه الإجراءات في إنجاز ما صُممت من أجله، وهو الحفاظ على الأمن والسلامة العامة والأرواح، ولعل أبرز الانتقادات على مجمل التجربة الدولية المعاصرة في "مكافحة الإرهاب" هو عدم نجاعة الإجراءات المصممة لتحقيق أهدافها بالقضاء على الإرهاب، كونها لا توفر أي ضمانات فعلية وفاعلة (لنجاح تنفيذها). والأهم، هنا، ألا تتحول هذه الإجراءات، بسبب إمكانية قصورها، عن تحقيق أهدافها، إلى أدوات تخدم أغراضاً أخرى غير متصلة، بسوء أم حسن نية. وثالث هذه المواصفات، أن توفر ضمانات لجمهور المواطنين والقاطنين، بعدم المس بحقوقهم الأساسية، تحت أي ظرف، وبموجب أي مبرر. ومن، على سبيل المثال، الحق في المحاكمة العادلة، والحق في المعلومات، والحق في عدم التعرض للتعذيب، أو أي شكل من أشكال المعاملة القاسية.
لا ينبغي لتونس الوقوع في الفخ الذي نصبه لها الإرهابيون، والتفريط بمنظومة الحريات التي دفع التونسيون ثمناً باهظاً لتأسيسها. تونس قادرة ألا تعطي الإرهابيين ما يريدونه، وأن تقدم مزيداً من الضمانات لحماية الحريات وحقوق الإنسان، لا إهدارها.