تونس مقبلة على صراع طبقيّ جديد؟

01 مايو 2015
العباسي اتهم رجال الأعمال بالتهرّب من دفع الضرائب (الأناضول)
+ الخط -

أثار حوار الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، مع "العربي الجديد"، موجة من ردود الأفعال الواسعة في مختلف وسائل الإعلام التونسية، على خلفية اتهاماته رجال الأعمال التونسيين بالتهرب من دفع الضرائب والبحث عن خدمة مصالحهم المالية، مما أثار جدلاً على الساحة الوطنية، وتسبّب في غضب منظمة "الأعراف" (أرباب العمل)، التي أصدرت بياناً عبّرت من خلاله عن "بالغ استيائها من تصريحات العباسي"، والتي قالت إنها "جاءت متحاملة على المنظمة وقيادييها ومسؤوليها، ومسيئة للأسرة الموسّعة لصاحبات ولأصحاب المؤسسات بشكل عام".

وكان العباسي قد قال في حواره إن "أغلبية رجال الأعمال التونسيين يركضون وراء الامتيازات ويتهربون من دفع الضرائب، وأغلبهم يدعم المركزية الاقتصادية ويرفض الاستثمار في المناطق الداخلية". وأضاف أنّ "عدداً كبيراً من رجال الأعمال في تونس يسكنون برجهم العاجي، في منظمة الأعراف، ويسعون إلى خصخصة كل مؤسسات الدولة ليدعموا أكثر منطق استغلال العمال. أغلبهم يرى في تونس فقط مكان سكن ويشغل أمواله خارجها، وقد ساعدهم الكم الهائل من الامتيازات وخصوصاً فساد القوانين".

وجاء الردّ مماثلاً من رئيسة منظمة الأعراف، وداد بوشماوي، في تصريح صحافي بقولها إنه "لا يحق لأي شخص أن يقدّم لنا دروساً، ومن غير المسموح لأي شخص أن يزايد على وطنيتنا"، مؤكدة أنه "من جهة الأعراف وكأصحاب وصاحبات مؤسسات، فإن الفيصل الوحيد هو القضاء وذلك فيما يتعلق بالمسائل التي تفتقر إلى تطبيق القانون".

من جهته، قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، في تصريح صحافي، "إن الاتحاد استغرب ردّة فعل والبيان الصادر عن منظمة الأعراف، لأن تصريحات العباسي لم تتضمن أية إساءة لاتحاد الصناعة والتجارة". وأضاف الطاهري أن "العباسي أشار إلى رجال الأعمال الذين يعيشون في برجهم العاجي وليسوا بالضرورة من ينتمون لمنظمة الأعراف"، مشيراً إلى أن "الحقيقة دامغة وموجعة، وقد سبق أن طالب اتحاد الصناعة والتجارة بإيقاف إلغاء الديون على رجال الأعمال المتهربين من الضرائب، متعللين بأنه لا يمكن المساواة بين من يدفع ومن لا يدفع".

ولفت الطاهري إلى أن "العباسي قد أقرّ بالحقيقة المرّة التي يعرفها الجميع، من دون مساحيق، ولم يحاول أن يعطي دروساً في الوطنية"، مضيفاً أن "الجميع يتهمون الاتحاد بكثرة المطالب والحقيقة أنهم يتهربون من واجبهم تجاه الوطن".

اقرأ أيضاً: حسين العباسي:تونس تعيش بوادر ثورة ثانية

واعتُبر تصريح العباسي لـ"العربي الجديد" الأشرس منذ أن التقت المنظمتان في الحوار الوطني، الذي أشرف عليه الرباعي الراعي للحوار، مما جعل أغلب المحللين السياسيين والمراقبين للمرحلة الانتقالية يتوقعون بداية فتح صفحة جديدة بين منظمتين، لم تكونا قد التقتا سابقاً على طاولة حوار جدي ومثمر واختلط فيه السياسي بالاجتماعي والنقابي والاقتصادي.

وقد أثنى وقتها أغلب الفاعلين السياسيين على الدور الذي أدّاه كلّ من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية على مدى أكثر من سنة ونصف السنة للوصول بتونس إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، شهدت لها منظمات وطنية ودولية بشفافيتها ونزاهتها.

وتوقّع متابعون للشأن التونسي وللمشهد السياسي إبان فترة الحوار الوطني، التي أنقذت البلاد من أزمة سياسية خانقة كادت تعصف بالأخضر واليابس، أنّ منظمتي الشغيلة والأعراف ستسيران على خطى متوازنة نحو تحقيق أهداف الثورة من استقرار سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي، وأنّ المنظمتين اللتين لم تلتقيا يوماً بذلك الشكل، ستتوصلان إلى وضع استراتيجيات هادفة تلبي مصلحة الطرفين.

لكن يبدو أنّ هذا الانسجام لن يدوم طويلاً، فبوادر الاختلاف بين المنظمتين، بدأت تعود وتكشف من جديد عن خباياها منذ سلسلة المشاورات حول تشكيل حكومة الحبيب الصيد، وبدأت تبرز أكثر بعد الأزمة الاجتماعية، التي تعيشها تونس منذ أشهر، وفي إثر موجة الاحتجاجات والإضرابات، التي يشهدها كل من القطاع العام والخاص، لتتفجر علناً إثر الحوار الذي أجرته "العربي الجديد" مع العباسي.

وبحسب بعض المتابعين، فإن هذا الجدل مسألة متوقعة باعتبار أنّ الدور الذي أدته المنظمتان، خلال فترة الحوار الوطني، مختلف عن الدور الأساسي الموكول لهما تجاه المنتسبين إليهما في هذه المرحلة، والذي يقوم أساساً على حماية مصالحهم، وبالتالي فإن لقاء منظمة الأعراف ومنظمة الشغيلة في ذلك الحوار لم يكن على أساس استراتيجي، بل على قواعد فرضها الظرف السياسي في ذلك الوقت، وكان همّ الرباعي الراعي للحوار هو إنقاذ تونس من أزمة سياسية عاصفة، وفقاً لما أكّده رئيس المنتدى الاقتصادي والاجتماعي، عبد الرحمان الهذيلي، لـ"العربي الجديد".

واعتبر عدد من المتابعين أنّ المنظمتين حادتا عن دورهما الوطني، للعبور من الأزمة نحو البناء الفعال والمثمر.

يُذكر أن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة استطاع أن يلعب، من خلال رئيسته، وداد بوشماوي، دوراً محورياً في تمثيل أصحاب المصالح ورجال الأعمال، من خلال فرض نفسه كقوة موازية للاتحاد العام التونسي للشغل، وكطرف أساسي في الحوار الوطني، الذي أسقط حكومة الترويكا عقب اعتصام الرحيل عام 2013.

ومثّل الحوار الوطني وسيلة أدخلت منظمة الأعراف إلى معترك الحراك السياسي، كطرف مباشر، في المفاوضات بين أحزاب "الترويكا" وحركة "النهضة" من جهة، وبين المعارضة المدعومة ضمنياً من الاتحاد العام التونسي للشغل من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة ضمنت دخول 21 رجلَ أعمال إلى البرلمان كنواب ممثلين لها، مما زاد في حجم تأثيرها السياسي في الساحة الوطنية. ويبقى السؤال المركزي المطروح، حالياً، وهو: هل انتهى شهر العسل بين المنظمتين، وهل نحن مقبلون على مرحلة صراع طبقيّ جديدة؟

اقرأ أيضاً: تونس: الصيد يهادن النقابات العمالية

دلالات