ويرى مراقبون أنّ استقالة مدير الديوان الرئاسي نتيجة طبيعية لحرب باردة دامت عدة أشهر، منذ دخل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، صديق العزابي ورفيق دربه، في صدام مع المدير التنفيذي لحزب "نداء تونس" حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية، انتهت بإقصاء العزابي وحجب ملفات عنه.
وازداد الخناق على العزابي المحسوب على الشاهد، من قبل أنصار السبسي الابن في قصر قرطاج، لتندلع الخلافات في أكثر من مناسبة، وتتصاعد مع تصاعد النزاع بين رئيس الحكومة ومدير حزب "نداء تونس".
ويبدو أنّ البيان الصادر الإثنين، عن حزب "نداء تونس"، بتوقيع المتحدثة الرسمية باسم الحزب أُنس الحطاب، بخصوص لقاء الرئيس السبسي مع رئيس حزب "حركة النهضة" راشد الغنوشي، كان القطرة التي أفاضت الكأس، لما يمثله من اعتداء على دور الديوان الرئاسي.
ولم تكن استقالة العزابي مفاجئة، بالرغم من توقيتها، وسط تصعيد حاد بين مختلف الفرقاء السياسيين، وانهيار في كتلة "نداء تونس" التي فقدت أكثر من نصف نوابها في البرلمان.
والعزابي (40 عاماً)، الذي عيّنه رئيس الجمهورية مديراً لديوانه، إثر استقالة أو إقالة رضا بلحاج، معروف بقربه من الشاهد (43 عاماً)، وهما ينتميان إلى الجيل نفسه، وبدأ الاثنان مسارهما السياسي في الحزب "الجمهوري"، قبل أن يلتحقا بحزب "نداء تونس" عام 2013.
وقد قرّبهما رئيس الجمهورية إليه وكان وراء بروزهما، إذ ألحق السبسي، العزابي، بديوانه وعيّن الشاهد كاتب دولة في حكومة الحبيب الصيد الأولى، ومن ثمّ كان صعوده كوزير ثم كرئيس حكومة.
وحرص العزابي على التواصل مع صديقه الشاهد، بالرغم من فتور العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وصولاً إلى حد القطيعة، حيث كان لمدير الديوان الرئاسي موقف مغاير لموقف رئيسه في ما يتعلّق بتغيير الحكومة، وكذلك في العلاقة مع "نداء تونس" ودعم الرئيس لنجله.
وشهدت العلاقة بين رئيس الجمهورية ومدير ديوانه فتوراً، إثر عودة الود بين الرئيس السبسي ومدير الديوان السابق رضا بلحاج، والذي عاد إلى كنف "نداء تونس"، وتعيين الحبيب الصيد مستشاراً خاصاً لدى رئيس الجمهورية، مع تسرّب أنباء حول إمكانية تعيينه مديراً للديوان الرئاسي.
وتُعدّ الاستقالة المدوية للعزابي، عضو الهيئة السياسية في "نداء تونس"، في هذا الوقت بالذات، ضربة موجعة للرئيس السبسي وللحزب، إذ إنّ نزيف الاستقالات ضرب قصر قرطاج الرئاسي بعدما هز مجلس النواب في باردو.
ويبدو أنّ الأزمة قد امتدت بشكل معلن إلى معقل الرئيس التونسي، وانتقل الصراع إلى عقر بيته السياسي، بينما يرجّح مراقبون ألا تنتهي الأزمة عند استقالة العزابي، وتتوسع لتشمل أيضاً مسؤولين آخرين، ومستشارين من الحجم الثقيل من معاوني الرئيس، وسط خلاف قيادة "نداء تونس" الحالية مع مديرها التنفيذي.
ولعلّ القرب الفكري والإيديولوجي لسلالة "الحزب الجمهوري"، يجعل من فرضيات التحاق العزابي والوزير إياد الدهماني والوزير السابق مهدي بن غربية، ومجموعة من المحيطين بالشاهد، في مشروع سياسي مشترك، أمراً ممكناً حال تبلور فكرة الشاهد بشكل واضح، وهو ما لن يتأخر حسمه، بحسب متابعين.
وفي الوقت عينه، يُشكّل إبعاد العزابي بداية لترتيب البيت الداخلي للسبسي، استعداداً لمرحلة سياسية حاسمة، يتعيّن فيها الاستعداد لاسحقاقات مقبلة، أبرزها الانتخابات العامة المقررة أواخر 2019.