عادت المحكمة الدستورية من جديد إلى طاولة النقاش والاهتمام في البرلمان التونسي، وذلك بعد أغلبية مريحة حصدها قانون تفويض الحكومة بإصدار مراسيم لمواجهة وباء كورونا أخيراً، ما عزز الآمال لدى البرلمانيين بتجاوز الخلافات وإمكانية تحقيق توافقات وحشد الأصوات من أجل استكمال المحكمة الدستورية، معولين على التضامن السياسي في ظلّ الحرب على كورونا.
وأكد رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، أول من أمس الثلاثاء، في اجتماع مكتب مجلس النواب، "ضرورة استثمار الأجواء الإيجابية التي رافقت المصادقة على التفويض للحكومة في إصدار مراسيم، لاستكمال تركيز الهيئات الدستورية وفي صدارتها المحكمة الدستورية". وشدد الغنوشي، بحسب بيان صادر عن مجلس النواب، على "أهمية تضافر جهود الأطراف كلها، من مؤسّسات حكم وأحزاب ومنظمات وكتل نيابية، في الحرب ضدّ وباء كورونا، بما يضمن الوحدة الوطنية والتوافق الواسع والتهدئة، وتفادي التجاذبات والنقاط الخلافية". ودعا مكتب البرلمان، بحسب البيان نفسه، "إلى المحافظة على أجواء التوافق وتقديم شخصيات توافقية لعضوية المحكمة الدستورية".
وتفترض الرزنامة الانتخابية التي كان الغنوشي قد أعلنها خلال الشهر الماضي، أن يعقد البرلمان هذا الأسبوع أولى جلسات التصويت لانتخاب الأعضاء الثلاثة المتبقين من مجلس المحكمة الدستورية المكون من 12 عضواً. وكشف الغنوشي وقتها عن المسار الانتخابي، والذي يقضي بتخصيص شهر مارس/ آذار الماضي، لتقريب وجهات النظر والاتفاق على ثلاثة مرشحين بين الكتل البرلمانية، اثنين من اختصاصات قانونية، ومرشح ثالث من غير الاختصاص القانوني، شرط أن يكون حاملاً لشهادة الدكتوراه، وأن تكون لهم جميعاً من التجربة والخبرة عشرون سنة على الأقل، بحسب القانون المحدث للمحكمة الدستورية.
ويبدو أنّ جائحة كورونا وعدم التزام رؤساء الكتل بتقديم مرشحيهم، حالا دون حصول تقدم مسار انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية حسب روزنامة البرلمان الأخيرة، إضافة إلى صعوبة التوافق بين الكتل التسع على اختيار 3 مرشحين متبقين من أصل أربعة يختارهم البرلمان.
ولكنّ رئيس البرلمان راشد الغنوشي، يعوّل على روح التوافق الذي شهدته عملية التصويت الأخيرة على قانون التفويض لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لإصدار مراسيم بهدف مجابهة وباء كورونا، والذي حصل على شبه إجماع من قبل المعارضة والمساندين، بموافقة 178 نائباً من أصل 217.
في السياق، اعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مؤشر التصويت على التفويض الحكومي بأكثر من ثلثي أعضاء البرلمان بل بنسبة إجماع فاقت الثمانين في المائة، وهي أعلى نسبة تصويت عرفها البرلمان الحالي، يفسّر عودة ملف المحكمة الدستورية بقوة إلى سطح أولويات مجلس نواب الشعب، ما يجعل سعي الغنوشي لاقتناص هذا التوافق والالتفاف الحزبي لمجابهة الوباء مفهوماً، بل ومشروعاً لتمرير ملف المحكمة الدستورية الذي استحال التوافق حوله منذ المصادقة على دستور الثورة". وأضاف المؤدب أنّ وباء كورونا "أدى لحصول ارتباك في نشاط البرلمان وأجندته التشريعية الانتخابية، غير أنه يحسب لهذا البرلمان سعيه لملء الفراغات، ودفعه نحو تحريك العجلة التشريعية، وتحقيق نتائج تقطع مع الاتهامات بالجمود، وتعطيل بقية السلطات عن أداء مهامها".
ويعدّ ملف استكمال المحكمة الدستورية من أكبر التحديات المطروحة أمام البرلمان التونسي، إلى حدّ تشبيهه من قبل البعض بالمهمة المستحيلة التي تقف أمام المجلس التشريعي بتركيبته الحالية التي تجمع شتاتاً وفسيفساء حزبية متناقضة.
من جهتها، لفتت استاذة القانون الدستوري منى كريم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "تمرير أعضاء المحكمة الدستورية يحتاج أغلبية لا تقل عن 145 صوتاً على الأقل، وتوافقاً بين الكتل المسؤولة عن اقتراح وترشيح الأعضاء الثلاثة المتبقين، بما يفرض توافقاً على ترشيح مشترك بين ثلاث كتل على الأقل لاعتبار أنّ البرلمان يجمع تسع كتل حالياً".
ورأت كريم أنّ المسار الانتخابي للمحكمة الدستورية "يحتاج تقارباً في وجهات النظر، وتعبيد الطريق من قبل رؤساء الكتل، قبل الدخول للجلسة العامة الانتخابية، لتفادي المجازفات، على اعتبار أنّه يسمح بثلاث دورات للتصويت، قبل التوجه لإعادة فتح باب الترشيح من جديد". وأضافت أنّ "على البرلمان انتخاب ثلاثة أعضاء ليتمم واجبه باختيار أربعة أعضاء، فيما المجلس الأعلى للقضاء ينتخب أربعة أعضاء آخرين، ورئيس الجمهورية قيس سعيّد يعيّن الأعضاء الأربعة المتبقين".