03 أكتوبر 2024
تونس... هل هناك سياسات جديدة؟
ربما تأخرت إقالة رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، والذي بقي يصارع جملة من الإكراهات، تتراوح بين ضغوط الأحزاب المشاركة في السلطة وتحركات الشارع وانتقادات المعارضة. ولم يكن غريباً أن يعلن الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، عن انطلاق مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، واضعاً لها أسساً أهمها أن تكون حكومة وحدة وطنية، تشمل أحزاباً وممثلين عن القوى الاجتماعية، وتحديدا الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف. وقد جاء القرار الرئاسي تتويجاً لما يعتبره بعضهم تعثراً حكومياً وعجزاً عن إدارة الأزمات المتعاقبة في البلاد، وفشلا واضحا للحزب الحاكم (نداء تونس) الذي يستأثر بغالبية الوزارات، من دون أن يقدر على تنفيذ وعوده الانتخابية، أو ينجح في إدارة الشأن العام.
يلاحظ المتأمل في خطوة السبسي أن مركز السلطة الحقيقي بيد الرئيس، خلافا لما يقتضيه الدستور، وهو أمر معلوم للكافة، منذ وقع الاختيار على الحبيب الصيد. وربما كانت هذه المسألة إحدى نقاط عجز رئيس الحكومة السابق الذي لم يمارس صلاحياته الفعلية، بقدر ما بقي مجرد موظف كبير يدير الأمور وفق اشتراطات الحلفاء السياسيين وقرارات رئيس الدولة، ما يعني أن أي رئيس حكومة مقبل إذا ظل خاضعا للاشتراطات نفسها، فلن يكون قادراً على إحداث أي تغيير فعلي، أو تحقيق تقدم في برامج التنمية الاقتصادية، وحل الملفات الاجتماعية العالقة.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن ننكر أن الرئيس السبسي، بقراره، قام بمناورة سياسية ذكية، لخلط الأوراق في المشهد السياسي التونسي، فهو رمى الكرة في ملعب القوى الاجتماعية الفاعلة في تونس، وحملها مسؤولية إدارة المرحلة المقبلة، وما ستتضمنه من إجراءات قاسية اقتصادياً، تقتضيها الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد التونسي، وما سينجر عنها من ردود أفعال اجتماعية. وهو بفعله هذا وضع المنظمتين الأكبر اجتماعياً واقتصادياً (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) على المحك، لأن قبولهما المشاركة، مباشرة أو بترشيح وزراء مقربين منهما، يعني تخليهما عن أي مطالبات مستقبلية، قد تثقل كاهل الحكومة، بالإضافة إلى تحولهما شريكين في أي خياراتٍ مقبلة، قد تفرضها المرحلة. وفي الوقت نفسه، يعني رفضهما المشاركة التخلي عن الإسهام في إنقاذ البلاد في مرحلة حساسة وحرجة اقتصادياً واجتماعياً، مع ما يعنيه هذا الموقف من انعدام روح المسؤولية، كما يظهر لدى عموم التونسيين.
وإذا كان كل من الاتحادين قد نال سمعة عالمية حسنة، لإسهامهما في إنجاح المسار الديمقراطي، ما خولهما الحصول على جائزة نوبل للسلام، فإن أي سلوك غير مسؤول الآن قد يودي بهذه الصورة الوردية، ويكشف عن عجزهما عن التحول من قوة احتجاج إلى قوة اقتراح وتنفيذ. وكان الرئيس التونسي واضحاً في عدم توجهه إلى الأحزاب التي اعتبرها غير راغبة في المشاركة، ولا تملك تصوراً للحكم، أو لمعنى إدارة الدولة، وهو أمر مؤداه بقاء الأحزاب الكبرى شريكة في الحكومة المقبلة، مع إضافة وجوه من التكنوقراط والمستقلين، ممن يمكنهم إضافة نوع من الفاعلية والحيوية على الأداء الحكومي.
السؤال: هل ستتمكّن أي حكومة مقبلة من إحداث نقلةٍ نوعية في حياة الناس، والخروج بالوضع الاقتصادي للبلد من عنق الزجاجة؟ تكشف الوقائع أن أي تشكيلٍ حكوميٍّ قادم سيظل محكوماً بهاجس التوازنات التي سيقوم عليها، بالإضافة إلى عامل الحسابات السياسية المعقدة التي تحكم المشهد في أفق الانتخابات المقبلة، فليس سهلاً اتخاذ إجراءات تقشفية، أو القيام بخطوات إصلاح اقتصادي، من دون أن يكون لها أثر اجتماعي، أو أن تتحوّل إلى مجال للتجاذب والصراع السياسي وتحميل المسؤوليات. وعلى هذا، تبدو خطوة رئيس الدولة وكأنها محاولة لتدوير الأزمة، أكثر مما هي محاولة فعلية لمجاوزتها. والمشكل الحقيقي ليس في عجز أحزاب الحكم فحسب، بل وما تبدو عليه قوى المعارضة المشتتة من غياب للقدرة على المنافسة، أو تقديم بدائل فعلية للحكم، فهي قوى احتجاجية، في غالبها، وتفتقر إلى شخصياتٍ فاعلة، أو قادرة على إدارة الشأن العام، وهي، في هذا، تمنح، مرّة أخرى، المبرر لأحزاب السلطة الحالية لتبرير عجزها، خصوصاً في ظل العرض الرئاسي لغالب الأحزاب البرلمانية للمشاركة، وهي التي تتمنع. فالمبادرة الرئاسية، ومهما كانت طبيعة مخرجاتها، مناورة سياسية بامتياز، سيكون لها أثرها في إعادة تشكيل المشهد الحزبي التونسي، وربما تحجيم دور القوى الاجتماعية الكبرى. ولكن، من دون أن يعني كل هذا القدرة على إرضاء الشارع، ولجم تحركاته التي ستتواصل، وهو ما يعبر عن حيوية المشهد السياسي التونسي بعد الثورة، واستمرار المخاض الديمقراطي الذي سيفرز مستقبلاً قوى وشخصيات قادرة فعلاً على النهوض بهذا البلد، وتحريره من بقايا الماضي، والولوج به نحو مستقبل أفضل.
يلاحظ المتأمل في خطوة السبسي أن مركز السلطة الحقيقي بيد الرئيس، خلافا لما يقتضيه الدستور، وهو أمر معلوم للكافة، منذ وقع الاختيار على الحبيب الصيد. وربما كانت هذه المسألة إحدى نقاط عجز رئيس الحكومة السابق الذي لم يمارس صلاحياته الفعلية، بقدر ما بقي مجرد موظف كبير يدير الأمور وفق اشتراطات الحلفاء السياسيين وقرارات رئيس الدولة، ما يعني أن أي رئيس حكومة مقبل إذا ظل خاضعا للاشتراطات نفسها، فلن يكون قادراً على إحداث أي تغيير فعلي، أو تحقيق تقدم في برامج التنمية الاقتصادية، وحل الملفات الاجتماعية العالقة.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن أن ننكر أن الرئيس السبسي، بقراره، قام بمناورة سياسية ذكية، لخلط الأوراق في المشهد السياسي التونسي، فهو رمى الكرة في ملعب القوى الاجتماعية الفاعلة في تونس، وحملها مسؤولية إدارة المرحلة المقبلة، وما ستتضمنه من إجراءات قاسية اقتصادياً، تقتضيها الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد التونسي، وما سينجر عنها من ردود أفعال اجتماعية. وهو بفعله هذا وضع المنظمتين الأكبر اجتماعياً واقتصادياً (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) على المحك، لأن قبولهما المشاركة، مباشرة أو بترشيح وزراء مقربين منهما، يعني تخليهما عن أي مطالبات مستقبلية، قد تثقل كاهل الحكومة، بالإضافة إلى تحولهما شريكين في أي خياراتٍ مقبلة، قد تفرضها المرحلة. وفي الوقت نفسه، يعني رفضهما المشاركة التخلي عن الإسهام في إنقاذ البلاد في مرحلة حساسة وحرجة اقتصادياً واجتماعياً، مع ما يعنيه هذا الموقف من انعدام روح المسؤولية، كما يظهر لدى عموم التونسيين.
وإذا كان كل من الاتحادين قد نال سمعة عالمية حسنة، لإسهامهما في إنجاح المسار الديمقراطي، ما خولهما الحصول على جائزة نوبل للسلام، فإن أي سلوك غير مسؤول الآن قد يودي بهذه الصورة الوردية، ويكشف عن عجزهما عن التحول من قوة احتجاج إلى قوة اقتراح وتنفيذ. وكان الرئيس التونسي واضحاً في عدم توجهه إلى الأحزاب التي اعتبرها غير راغبة في المشاركة، ولا تملك تصوراً للحكم، أو لمعنى إدارة الدولة، وهو أمر مؤداه بقاء الأحزاب الكبرى شريكة في الحكومة المقبلة، مع إضافة وجوه من التكنوقراط والمستقلين، ممن يمكنهم إضافة نوع من الفاعلية والحيوية على الأداء الحكومي.
السؤال: هل ستتمكّن أي حكومة مقبلة من إحداث نقلةٍ نوعية في حياة الناس، والخروج بالوضع الاقتصادي للبلد من عنق الزجاجة؟ تكشف الوقائع أن أي تشكيلٍ حكوميٍّ قادم سيظل محكوماً بهاجس التوازنات التي سيقوم عليها، بالإضافة إلى عامل الحسابات السياسية المعقدة التي تحكم المشهد في أفق الانتخابات المقبلة، فليس سهلاً اتخاذ إجراءات تقشفية، أو القيام بخطوات إصلاح اقتصادي، من دون أن يكون لها أثر اجتماعي، أو أن تتحوّل إلى مجال للتجاذب والصراع السياسي وتحميل المسؤوليات. وعلى هذا، تبدو خطوة رئيس الدولة وكأنها محاولة لتدوير الأزمة، أكثر مما هي محاولة فعلية لمجاوزتها. والمشكل الحقيقي ليس في عجز أحزاب الحكم فحسب، بل وما تبدو عليه قوى المعارضة المشتتة من غياب للقدرة على المنافسة، أو تقديم بدائل فعلية للحكم، فهي قوى احتجاجية، في غالبها، وتفتقر إلى شخصياتٍ فاعلة، أو قادرة على إدارة الشأن العام، وهي، في هذا، تمنح، مرّة أخرى، المبرر لأحزاب السلطة الحالية لتبرير عجزها، خصوصاً في ظل العرض الرئاسي لغالب الأحزاب البرلمانية للمشاركة، وهي التي تتمنع. فالمبادرة الرئاسية، ومهما كانت طبيعة مخرجاتها، مناورة سياسية بامتياز، سيكون لها أثرها في إعادة تشكيل المشهد الحزبي التونسي، وربما تحجيم دور القوى الاجتماعية الكبرى. ولكن، من دون أن يعني كل هذا القدرة على إرضاء الشارع، ولجم تحركاته التي ستتواصل، وهو ما يعبر عن حيوية المشهد السياسي التونسي بعد الثورة، واستمرار المخاض الديمقراطي الذي سيفرز مستقبلاً قوى وشخصيات قادرة فعلاً على النهوض بهذا البلد، وتحريره من بقايا الماضي، والولوج به نحو مستقبل أفضل.