24 أكتوبر 2024
تونس والوضع الليبي
مع بداية هجوم العقيد الليبي، خليفة حفتر، على عاصمة بلاده طرابلس، مستهدفا إطاحة حكومة الوفاق، لازمت الأوساط الرسمية التونسية الصمت، ولم تبادر إلى اتخاذ موقف محدد، ربما لتبيّن موازين القوى، ولأنها وجدت نفسها في حرج حقيقي إزاء المشهد الليبي، خصوصا في ظل الفوائد الاقتصادية التي تجنيها في تعاملها مع الغرب الليبي الذي تسيطر عليه حكومة الوفاق وبين تردّدها في اتخاذ موقف واضح، يدين التصرفات العدوانية التي يبديها حفتر. والكل يذكر ردود الأفعال الغاضبة التي أبداها الليبيون إزاء الموقف الرسمي التونسي سنة 2015، عندما أعلن وزير الخارجية التونسي حينها، الطيب البكوش، تفهّمه للتدخل المصري في الشأن الليبي، قبل أن يعمد الرئيس الباجي السبسي إلى إقالته، ومحاولة رأب الصدع مع حكومة طرابلس.
في الوقت نفسه، تحاول الجهات الرسمية التونسية الحفاظ على نوعٍ من التوازن في موقفها، خصوصا في ظل الصراع المعلن بين إيطاليا وفرنسا، وكلاهما لا يخفي دعمه أحد جانبي الصراع، حيث تنحاز فرنسا إلى خليفة حفتر، فيما تدعم إيطاليا حكومة فايز السراج، وهو ما جعل الجانب التونسي حريصا على عدم الظهور بصورة المنحاز إلى أحد الطرفين الأوروبيين، إذ تربطه بكليهما علاقات مصلحية وطيدة.
مع التطورات المتسارعة للنزاع، والذي كشف عن عجز واضح في قدرات خليفة حفتر العسكرية، أصدرت الخارجية التونسية بيانا دعت فيه إلى "الوقف الفوري للاقتتال وحقن الدماء الليبية، وجدّدت تأكيدها على أهمية التزام جميع الأطراف بالتهدئة، وضبط النفس، وتغليب الحوار، لتجنيب الشعب الليبي الشقيق مزيدا من المعاناة والاقتتال"، مؤكدة أن "لا حل عسكريا للأزمة الليبية"، وهو التوجه نفسه الذي ذهبت إليه مؤسسة الرئاسة في تونس، حيث أجرى الرئيس السبسي اتصالا هاتفيا مع رئيس حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، فايز السراج، أكد فيه أهمية الحفاظ على المسار السياسي لحل الأزمة الليبية. كما عبّرت وزارة الدفاع الوطني التونسية عن قلقها من تدهور الأوضاع في الجانب الليبي، معلنة أنها "اتخذت كل الاحتياطات الميدانية لتأمين الحدود الجنوبية الشرقية، ومواجهة التداعيات المحتملة".
في المقابل، ظل الجدل متصاعدا بين القوى الحزبية التونسية، حيث جاءت أبرز المواقف الرافضة تحركات حفتر العسكرية من الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، الذي لم يتأخر في وصفه بالأجير لدى محور الشر العربي الذي تقوده الإمارات والسعودية، معتبراً أن هجمة حفتر على طرابلس لا تستهدف النظام الشرعي الليبي وثورة 17 فبراير فحسب، وإنما تستهدف أيضاً أساساً الحراك الثوري في الجزائر، والأمن القومي لتونس، بل "وروح الربيع العربي الذي عاد عبر الحراك في الجزائر وفي السودان، ليقض مضجع الطغاة العرب، وهم الذين تصوّروا أنهم تخلصوا من الكابوس". وفي السياق نفسه، اعتبرت حركة النهضة أن "النزوع إلى التصعيد العسكري مدخل لاستباحة دماء الليبيين وتهجيرهم، ومقوض للمسار السياسي السلمي، ومهدّد للسلم الاجتماعي والأهلي"، داعية الفرقاء الليبيين إلى الحوار لحل الأزمة.
وعلى النقيض من هذا الموقف، عبّر حزب مشروع تونس، المشارك في الحكومة، عن دعمه
هجوم حفتر على طرابلس، واعتبر رئيس الحزب، محسن مرزوق، "أن مصلحتنا في تونس وشمال أفريقيا تتقاطع مع جهود الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في مكافحة الإرهاب والتطرف وفوضى السلاح، وهي الآفات التي نحاربها في تونس". وقد اعتادت قوى سياسية تونسية قريبة من الإمارات، ومنها المشارك في السلطة اليوم، التهجم على ثوار ليبيا وتوصيفهم بالإرهاب، على الرغم من أن حقائق الأرض في ليبيا تقول إن قوات حكومة الوفاق الوطني هي التي تتحمل عناء مواجهة امتدادات تنظيم داعش في ليبيا، وهو أمر يقتضي التنسيق مع هذا الطرف، إذا أرادت تونس إبعاد شبح المجموعات المتشدّدة عن حدودها.
الأكيد أن الأزمة الليبية زادت تعقيدا بعد محاولة حفتر الفاشلة للسيطرة عسكريا على العاصمة، وهو أمر فتح الباب أمام مزيد من العنف والفوضى. وتقتضي الحصافة السياسية أن تتخذ دوائر صنع القرار في تونس خطواتٍ لحماية الأمن الوطني للبلاد، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين، فالعلاقات التونسية الليبية تتجاوز مجرد الجوار الجغرافي، بالنظر إلى امتداداتها على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ويظل الميراث المشترك بين ثورتي 14 يناير التونسية و17 فبراير الليبية المقياس الحقيقي للحفاظ على مصالح البلدين في المراحل المقبلة.
في المقابل، ظل الجدل متصاعدا بين القوى الحزبية التونسية، حيث جاءت أبرز المواقف الرافضة تحركات حفتر العسكرية من الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، الذي لم يتأخر في وصفه بالأجير لدى محور الشر العربي الذي تقوده الإمارات والسعودية، معتبراً أن هجمة حفتر على طرابلس لا تستهدف النظام الشرعي الليبي وثورة 17 فبراير فحسب، وإنما تستهدف أيضاً أساساً الحراك الثوري في الجزائر، والأمن القومي لتونس، بل "وروح الربيع العربي الذي عاد عبر الحراك في الجزائر وفي السودان، ليقض مضجع الطغاة العرب، وهم الذين تصوّروا أنهم تخلصوا من الكابوس". وفي السياق نفسه، اعتبرت حركة النهضة أن "النزوع إلى التصعيد العسكري مدخل لاستباحة دماء الليبيين وتهجيرهم، ومقوض للمسار السياسي السلمي، ومهدّد للسلم الاجتماعي والأهلي"، داعية الفرقاء الليبيين إلى الحوار لحل الأزمة.
وعلى النقيض من هذا الموقف، عبّر حزب مشروع تونس، المشارك في الحكومة، عن دعمه
الأكيد أن الأزمة الليبية زادت تعقيدا بعد محاولة حفتر الفاشلة للسيطرة عسكريا على العاصمة، وهو أمر فتح الباب أمام مزيد من العنف والفوضى. وتقتضي الحصافة السياسية أن تتخذ دوائر صنع القرار في تونس خطواتٍ لحماية الأمن الوطني للبلاد، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين، فالعلاقات التونسية الليبية تتجاوز مجرد الجوار الجغرافي، بالنظر إلى امتداداتها على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ويظل الميراث المشترك بين ثورتي 14 يناير التونسية و17 فبراير الليبية المقياس الحقيقي للحفاظ على مصالح البلدين في المراحل المقبلة.