ارتبطت تجربة الفنّانة المسرحية المغربية، ثريا جبران (1952 - 2020)، التي رحلت أمس الإثنين في أحد مستشفيات مدينة الدار البيضاء متأثّرةً بمرض السرطان، بالأدوار البسيطة القريبة من هموم المهمّشين والمحرومين، ولم يكُن ذلك بعيداً عن حياتها الشخصية.
وُلدت السعدية قريطيف، وهو اسمُها الحقيقي، في درب بوشنتوف بدرب السلطان في الدار البيضاء. فقدت والدها باكراً، والتحقت والدتُها للعمل مربّيةً في إحدى المؤسّسات الخيرية بالمدينة، وهناك ستفتحُ الطفلةُ عينيها على أمرَين سيُرافقانها طيلة حياتها: معاناة نزلاء المؤسّسة وهمومهم، والمسرحُ الذي ستكتشفه من خلال زوج شقيقتها محمد جبران؛ أحد المسرحيّين البارزين في المغرب، والذي كان نزيلاً في المؤسّسة نفسها، قبل أن يُصبح مسؤولاً عن مصحّتها الطبية.
كان جبران - الذي سيُعير السعدية قريطيف لقبه لتتّخذ منه اسماً فنّياً - مِن أوائل نزلاء المؤسّسة الذين اشتغلوا في الفنّ الرابع إلى جانب عبد العظيم الشنّاوي. وإضافةً إلى عمله الطبّي، أسهم في استقطاب العديد من الوجوه المسرحية إلى دار الأطفال، في وقتٍ كان المسرحُ غائباً وغريباً عنها؛ بينما تُعدُّ الرياضة والموسيقى النشاط المعتاد لنزلائها.
في العاشرة من عمرها، ستقف السعدية على خشبة المسرح البلدي في الدار البيضاء، مشارِكةً بدورٍ صغير في عملٍ مسرحي نالت به إعجاب الحضور. وفي العام 1969، ستلتحق بـ "معهد المسرح الوطني" في الرباط، بتشجيعٍ من جبران والشنّاوي والمخرج المسرحي فريد بن مبارك.
سيسطع اسم ثريا جبران بدايةً من أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، وهي الفترة التي شاركت فيها في تأسيس عددٍ من الفرق المسرحية البارزة؛ مثل: "مسرح الشعب"، و"مسرح الفرجة"، و"مسرح الفنّانين المتّحدين"، كما جمعتها شراكةٌ فنّية مع المسرحي الراحل الطيّب الصديقي في عددٍ من مسرحياته ضمن "فرقة الناس"؛ مثل: "سيدي عبد الرحمن المجدوب"، و"أبو حيان التوحيدي".
إضافةً إلى أعمالها في المسرح مثل: "حكايات بلاحدود"، و"نركبو الهبال"، و"بوغابة"، و"النمرود في هوليود"، و"امرأة غاضبة"، و"جنان الكرمة"، و"خط الرجعة"، و"العين والمطفية"، و"عود الورد". شاركت ثريا جبران أيضاً في عدّة أفلام سينمائية؛ من بينها: "جنّة الفقراء"، و"أركانة"، وعود الورد"، وبامو"، إلى جانب مسلسلات تلفزيونية منها "صقر قريش" و"ربيع قرطبة" للمخرج السوري حاتم علي.
وحازت جبران العديد من الأوسمة والتكريمات والجوائز؛ من بينها "وسام الاستحقاق الوطني"، و"وسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب".
في 2007، عُيّنت الفنّانة الراحلة وزيرةً للثقافة، لتُصبح أول وزيرة فنانة في تاريخ المغرب. وخلال عامَين، كان الجانب الاجتماعي غالباً على نشاطاتها في الوزارة؛ حيث أعطت الأولوية لإطلاق جملةٍ من التدابير؛ مثل قانون الفنّان، وبطاقة الفنّان، والتغطية الاجتماعية للفنّانين.