توجَّه أحد السكان في المنطقة الشرقية بالسعودية إلى سيارته أسفل منزله ليجد ورقة يطلب فيها أحدهم بخطِّ يده أن يسمح له باصطياد "بوكيمون" موجود بداخل منزله. بدا الأمر غريبًا، فهو لا يذكر أن شيئًا كهذا في منزله، إلا أن الانتشار الكبير في السعودية للعبة Pokemon go الجديدة جاء ليحل اللغز. إنها لعبة أنتجتها شركة "نينتيندو" اليابانية للألعاب قبل شهر لأجهزة أنظمة iOS وAndroid المحمولة. وتعود اللعبة إلى ما قبل 20 عامًا، حيث تفرَّع عنها فيلم كارتون شهير كان له صداه وردود أفعاله في الداخل المحلي في السعودية منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة.
حسب موقع Appinstitute فإن قرابة 4700 عملية تحميل تتم خلال دقيقة واحدة للعبة، حيث تتحدث مصادر عن أن القيمة السوقية لشركة "نينتيندو" تجاوزت شركة "سوني" العملاقة، فيما تقدَّر الأرباح حتى الآن بحوالي 19 مليار دولار بقيمة سوقية تقدَّر بحوالي 39 مليار دولار، وهو رقم صعب واستثنائي في سوق الرقميات والألعاب.
في الخليج، تبدو الأجيال الجديدة مستعدةً لتجربة أي شيء في مقابل الفضول، لم تنتظر اللعبة وقتًا طويلاً قبل وصولها إلى المستخدم المحلي في السعودية على الرغم من عدم توفُّرها في المتجر السعودي حتى الآن، بالنسبة لأجهزة نظام iOS، لكنَّ ذلك لم يمنعهم من الوصول إلى اللعبة.
وبالنسبة للمجتمع، سيتطيع الملاحظ أن يقرِّر سرعة انتشار اللعبة والتبشير بها، رغم المخاوف والإشاعات المصاحبة التي يتم الترويج لها أمام صعود تقنيات جديدة كل مرة، إلا أنه لم يمض على إطلاق اللعبة أكثر من ثلاثة أسابيع في أميركا وبريطانيا وألمانيا حتى انضمَّ إليها كثيرون، كما شرع آخرون في السعودية والبحرين والإمارات بسرعة تأسيس مجموعات (Groups) لتشكيل فرق و"رحلات صيد" لملاحقة البوكيمونز واصطيادها، تنتشر في العواصم والمدن الرئيسية.
تقوم فكرة اللعبة على تكنولوجيا "الواقع المُعزَّز"، وهي تقنية تعتمد على فكرة خلق تواصل فوري بين اللعبة والشخصيات الخيالية فيه والمحيط الموجود، المدينة بشوارعها ومعالمها البارزة والحدائق العامة والمتاحف. يراهن مصممو اللعبة على قدرتهم على خلق نوع من تواصلٍ كهذا، إذًا ستسير على قدميك في الأماكن العامة لاصطياد البوكيمونز الذين يظهرون أمامك على الخريطة بشكل مفاجئ، والذين يتواجدون عادةً على قارعة الطريق أو في المتنزهات وغيرها من الأماكن، وعندما تقترب من مَعْلم معيَّن في مدينتك فإن اللعبة ستغريك بالذهاب إلى هذا المكان لربح مزيد من المزايا؛ مثل الكرات التي ستقوم بجمعها لاصطياد هذه الشخصيات الخيالية، وأدوات أخرى.
سارعت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسليط الضوء على هذه اللعبة، تدريجيًا يبدو أنها أصبحت موضة، فظاهرة في مرحلة تالية. ستجد أناسًا في الشوارع يمشون بهدوء وحذر متسمِّرين أمام شاشات الهواتف مترقبين ظهور هدفٍ مفاجئ، آخرين ستجدهم في سياراتهم يجوبون المدينة، يسيرون ثم يتوقفون فجأة، هذا ما نقلته لنا الكاميرات، حسب يوتيوب.
في الرياض، صاحب قناة ألعاب شهيرة على اليوتيوب قرَّر الخروج السادسة والنصف صباحًا لاصطياد البوكيمونات أيضًا، وحسب المقترحات التي وصلته من المتابعين توجّه إلى مستشفى مهجور في غرب مدينة الرياض، وهو مستشفى "عرقه" الذي دارت حوله كثير من القصص والأساطير في فترة قريبة سابقة، حيث وجد المبنى مسوَّرًا، في هذه اللحظات لم يجد طريقة للاقتراب من المستشفى والتقاط إشارة أقرب للشخصية الظاهرة في الخريطة إلا بالقفز من أعلى السور، وهو ما حدث.
هيئة الاتصالات: بوكيمون غو.. الحيطة والحذر
أصدرت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية بيانًا حذَّرت فيه من اللعبة، واصفةً إياها بأنها "تستخدم تحديد المواقع الجغرافية أو تقوم باستخدام الكاميرا الموجودة في الجهاز"، كما جاء في البيان. وعلى الرغم من أن اللعبة لا تتفرَّد وحدها في طلب السماح باستخدام هذه التقنيات حيث تشترك معها كثير من تطبيقات الهواتف اليوم، إلا أن الهيئة أنهت بيانها عند هذا الحد.
أما الهيئة الرسمية للإفتاء في البلاد، هيئة كبار العلماء، فقد اكتفت بإعادة نشر فتوى قديمة لها على موقعها الرسمي كانت قد نشرتها قبل 15 عامًا، أكَّدت فيها "حُرمة" هذه اللعبة معتبرةً أنها تحتوي على القمار والميسر والنجمة السداسيَّة والصليب، كما أنها تدعو لنظرية التطوّر والارتقاء، بحسب ما جاء في البيان الصادر.
وفيما يشبه الجواب، نشر الداعية الإسلامي سلمان العودة مقطع فيديو على صفحته على فيسبوك قال فيه إنه لا يرى الحاجة لاستصدار فتوى في كل شيء كل مرة، وقال: "لا أرى التسرُّع؛ وأحب أن أتحدَّث عن المنع أثناء القيادة، المبالغة أو انتهاك الخصوصية، بعيدًا عن الانفعال بسبب سطوة لعبة ستذهب مع الوقت".
ردات فعل مشابهة في الإمارات، حيث صرَّحت شرطة دبي بأن اللعبة (قد) تكون "لها أهداف مخططة من قبل جهات مجهولة أو منظمات تهدف إلى نشر أفكارها"، كما قال تحقيق نشرته "الإمارات اليوم" إن انتهاك الخصوصية عبر استخدام اللعبة قد يعرِّض صاحبه إلى غرامة لا تقل عن 150 ألف درهم. وفي سياق متصل قالت وزارة المواصلات الكويتية إنها تبحث "سبل الحماية من مثل هذه الألعاب"؛ معتبرًا أنها تشكّل خطرًا على المجتمع والمنشآت والأماكن الحساسة، بحسب تعبيره.
وفي حادثة طريفة، قام مراهقون في العقد الثاني من العمر بتجاوز أسوار مطار الملك عبد الله بمدينة جازان في رحلة مشوارهم الطويلة لاصطياد البكيمون، وبعد التحقيق معهم قالوا إنهم قطعوا ثمانين كيلو مترًا من محافظة قريبة، وصولاً إلى جازان، بحثًا عن الكائنات الشقية!
في المقابل، قامت شخصيات شهيرة على شبكات التواصل الاجتماعي باعتبار أن هذه المخاوف "مبالغ فيها"، مبررة أنها لا تصدر عن رأي مهني تقني مستقل أكثر من كونها إشاعات واجتهادات شخصية تستغل دافع القلق وإشباع الفضول لدى الناس وتنتشر عبر تطبيقات المراسلات، مضيفين أن المجتمع والمؤسسات الرسمية اشتغلوا على مواجهة كل جديد، في إشارة لردات الفعل الشهيرة منذ عقود والتي صاحبت دخول التلفاز وأطباق البث والهواتف المدمجة بالكاميرا وتقنية البلوتوث في السعودية.
وبشأن خبر تتحدث حوله مصادر عن تحرّكات سعودية لمنع (Pokemon go)، علَّق مدير قناة العرب جمال خاشقجي على صفحته بتويتر: "أرجو أن يكون الخبر غير صحيح، فهذا تكرار لمنع الدّش وجوال الباندا وغيره". ردات الفعل لم تتوقف هنا، حيث سجّل صادق قاسم من الكويت، رئيس قسم تطوير الاختراع بمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، فيديو يعترض فيه على تهم تتعلَّق بالخصوصية والتجسّس، واصفًا ما يحدث بهوس حول نظريات المؤامرة، وانطلق من فكرتين، الأولى أن هذه اللعبة غير موجودة على المتاجر الخاصة بالدول العربية، والثانية أن مساحة المعلومات المتاحة لكل شخص في اللعبة لا تتجاوز 20 ميغا بايت، حيث يؤكد صادق أنه في حالة التجسس فإن اللعبة ستحتاج إلى سعة تخزينية أكبر؛ مضيفًا: وبالتالي، فإن كثيرا من التطبيقات التي نتعامل معها بشكل يومي معرَّضة لمثل هذه الفكرة وليست اللعبة وحدها.
وفي فيديو آخر شاهده قرابة المليون مشاهد، قال "مشهور الدبيان"، مؤسس منصة شهيرة لمناقشة الألعاب في السعودية، إن كل ما يشاع حول اللعبة هو محض مبالغات تعوَّد عليها المجتمع، وبلغة ساخرة أعرب عن اعتراضه أمام التساهل مع لقب الخبير التقني، مشيرًا إلى أن هذا اللقب أصبح يتم التعامل معه كـ "موضة" أكثر منه كتخصص مهني. وأضاف الدبيان أنه بإمكان المستخدم للعبة حجب الكاميرا أثناء اللعب، بحيث يبدو أمام عالم افتراضي.
(السعودية)