مع صعود ظاهرة النجم الأوحد كانت الدراما المصرية والسورية على التتالي تنعى موت الثنائيات الفنية، واحدة تلو الأخرى، فيما ظلت الدراما الخليجية متفردة بثنائياتها حتى توقف مسلسل "طاش ما طاش" بعد عرض الجزء الثامن عشر منه على قناة "إم بي سي" في رمضان 2011، لينعى بتوقفه موت ثنائية الفنانين عبد الله السدحان وناصر القصبي، آخر الثنائيات الفنية الشهيرة في مسيرة الدراما الخليجية والدراما العربية أيضاً.
منذ ذلك التاريخ، كانت ثمة محاولات لإعادة لمّ شمل ثنائية المسلسل الشهير السدحان والقصبي، وكان الأمل بعودتهما للعمل معاً في آخر الموسم الرمضاني 2014 كبيراً، إلا أنّ إعلان استعداد الفنان ناصر القصبي، لتجسيد دور البطولة في مسلسل "بيوت من تراب" الذي سيصور على مدى خمسة أجزاء، بمعدل 30 حلقة لكل جزء منها، وإعلان مشاركة الفنان عبد الله السدحان في كتابة وبطولة مسلسل "منا وفينا" الذي ينتجه التلفزيون السعودي، بدا أي أمل بعودة السدحان والقصبي في عمل مشترك، يعيد معه النجمان إحياء ثنائيتهما الشهيرة.
في الحقيقة، لم تكف الدراما الخليجية عن تقديم الثنائيات الفنية حتى الآن، إلا أنّها افتقدت تقديم الثنائية التي تترك أثراً فنياً، ويتعدى عمرها حدود النص الدرامي الأول الذي جمع طرفيها، ليخوضا معاً -كثنائي- بطولة نصوص أخرى، وبالتالي بقيت هذه الثنائيات الفنية أسيرة النص الواحد، وحتى من امتلك منها مقومات الثنائية طويلة الأجل، جاءت آليات الإنتاج الدرامية والحسابات الشخصية لطرفيها لتجهضها.
آخر تلك الثنائيات التي وُئدت في مهدها كانت ثنائية عبد الحسين عبد الرضا وناصر القصبي اللذين اجتمعا في الموسم الرمضاني 2013 من خلال مسلسل "أبو الملايين"، وبشّر حضورهما بولادة ثنائية فنية جديدة، أكّد ولادتها النجمان بالإعلان عن نيتهما الاشتراك في تجسيد بطولة عمل ثان.
إلا أنّ هذا العمل الأخير تم تأجيله لعدم اكتمال النص بشكل نهائي، فانفرد عبد الرضا ببطولة مسلسل جديد هو "العافور"، وغاب ناصر القصبي عن الموسم الرمضاني 2014، وها هو القصبي يلتحق بعمل جديد للموسم الرمضاني 2015 بعيداً عن الفنان عبد الرضا؛ ما يؤكد موت الثنائية بأسرع مما كان متوقعاً لها.
الموسم الرمضاني 2013 أيضاً كان بشّر بعودة ثنائية (حياة الفهد وسعاد عبد الله) هي واحدة من أهم ثنائيات الدراما الخليجية، وربما أشهرها بالمطلق في ثمانينيات القرن الفائت، وذلك من خلال المسلسل الكوميدي "البيت بيت أبونا"، إلا أنّ عودة هذه الثنائية بعد غياب ما يقارب العشرين عاماً عن آخر عمل جمعهما، لم يكن بمثابة انطلاقة جديدة للثنائية القديمة التي عرفناها في مسلسلات شهيرة أبرزها "خالتي قماشة"، إذ سرعان ما انفرط عقد الثنائية هذه بعد المسلسل لينشغل كل من الفهد وعبد الله بأعمالهما الخاصة بعيداً عن الأخرى.
الانشغال بالمشاريع الشخصية ليس المتهم الوحيد بغياب الثنائيات الفنية، ففي كل مرة كانت الدراما الخليجية تقدم لنا بذرة ثنائية فنية متميزة، لكننا لا نجد من يستثمرها، ومن الثنائيات التي ظهرت خلال العامين الأخيرين لم تستثمر بعد، كانت ثنائية الفنانتين "سعاد علي" و"ملاك الخالدي" في المسلسل الكوميدي "وديمة وحليمة" بجزأيه (2013- 2014)، ففي العمل الذي يروي حكاية خصام غير متكافئ لا نهاية لها بين الجارتين ديمة (سعاد علي) وحليمة (ملاك الخالدي)، أبدت الفنانتان فهماً لطبيعة الشراكة بينهما وضرورة التناغم الأدائي بينهما، فجسد كل منهما شخصيتها بسلالة وعفوية وفق ما تقضيه الحكاية، وعلى نحو يخدم أداء الواحدة منهما شريكتها في العمل.
هذا الشكل من الأداء الثنائي كان من المأمول أن يستثمر، ولا سيما أن اختلاف شخصيتي الجارتين في الطباع والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية من شأنه أن يقدم مقترحات درامية للشخصيتين خارج النص الواحد، لكن أي كاتب قادر على تكريس ثنائية كركتري "وديمة" و"حليمة" وحملهما إلى مسارب درامية أخرى في نص جديد؟ وأين النص الدرامي الذي يستطيع أن يستثمر تفاهم الفنانتين علي والخالدي في حكاية جديدة وشخصيتين جديدتين بعيداً عن أسر "الكركتر"، كما ينظر إليه البعض؟
ثنائية جديدة أيضاً، بدت مثيرة للاهتمام قدمت الموسم الرمضاني الأخير في المسلسل الكوميدي "حبة رمل"، ونأمل استثمارها لاحقاً، تكوّنت من الفنانين بلال عبد الله وعبد الله زيد؛ إذ جسد الأول شخصية رجل مسن يتوفى ابنه البكر فيطلب من ابنه الأصغر (عبد الله زيد) الاقتران بزوجة الفقيد، ليدور بينهما صراع إرادتين متناقضتين، يرسم بمجمله ملامح ثنائية درامية من نوع خاص تجمع أباً وأبناً، تستطيع أن تعيش طويلاً ضمن مقترحات درامية متعددة بعيداً عن الكركتر الذي قدم في "حبة رمل"، ومأخوذة فقط بالانسجام في الأداء بين الفنانين.
كوميديا "حبة رمل" كشفت أيضاً عن ثنائي فني جديد من الممكن استثماره وإحياؤه في الدراما الخليجية، هو ثنائي الفنانين "عبد الله راشد" و"جمعة علي". وهو ثنائي يحيلنا بشكله التمثيلي إلى ثنائية إماراتية شبيهة بثنائي السعودي "طاش ما طاش".
"الكركتر" كان الأساس في تشكيل الثنائية الفنية في بواكير الأعمال الفنية المصرية والسورية، سواء في المسرح أو السينما أو الإذاعة أو التلفزيون، حيث كان يتم تطويع النص بما يتناسب وطبيعة هذا الكركتر وصفاته النفسية والجسدية. وفي مرحلة ثانية، غدا النص الدرامي هو الأساس في تشكيل الثنائيات، ولا سيما حين يكون تعبيراً عن هواجس فنية جماعية لأصحابه، والنص ذاته كان الأساس في الدراما الخليجية الذي تشكلت بموجبه معظم ثنائياتها لا الكركتر.
وبغياب النص المحكم القادر على تطويع الحكايات المختلفة لصالح استمرار هذه الثنائية أو تلك، وبتعاظم ظاهرة النجم الأوحد على حساب الشراكات الفنية الثنائية أو الجماعية التي تميزت بها الدراما الخليجية، تشهد هذه الأخيرة اليوم أفول نجم الثنائيات الفنية على يد نجوم اشتهروا من خلالها.