05 نوفمبر 2024
ثنائية صراع عربي إسرائيلي - شيعي!
من بين كل التحولات التي تحيط بالقضية الفلسطينية، من المرجح أن يكون أقساها والأكثر فظاعة التقارب العربي –الإسرائيلي، مع التنقيب عن عدو آخر، فارسي، غير العدو الذي يحتل الأرض، ويشترط انهيار كل الأنظمة والدول في المنطقة شرط وجود، واستبدال المعادلة الصراع العربي الإسرائيلي بمعادلة تجعله صراعا إسرائيليا عربيا ضد الشيعة! فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في 6 سبتمبر/ أيلول الماضي، أن "هناك تعاونا على مختلف المستويات مع دول عربية ،لا توجد بينها وبين إسرائيل اتفاقات سلام"، موضحا أن هذه الاتصالات تجري بصورة غير معلنة، و"أنها أوسع نطاقا من التي جرت في أي حقبة سابقة من تاريخ إسرائيل"، حسب ما نقلت عنه وكالة فرانس برس.
وتوقف نتنياهو قبل أيام عند هذا الموضوع، قائلا "عندما تكون لإسرائيل والدول العربية الرئيسية رؤية واحدة، لا بد من التنبه، هذا يعني ان هناك شيئا مهما يحصل". ونشر المصدر نفسه حديث محللين ومسؤولين إسرائيليين عن "تنسيق وتقدم في العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، ويتوقعون أن يظهر بعضها، لا سيما مع دول الخليج، بشكل مضطرد إلى العلن، على قاعدة أن ما يجمع الطرفين هو العداء المشترك لإيران".
لن يتحدّث رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بدون وجود تقدم حاصل في الموضوع، لا سيما مع تواتر الحديث عن ترتيب الخصومات الإستراتيجية في المنطقة، مع مجيء دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وإعادة النظر في الرقعة الجغرافية للشرق الأوسط، بعد انهيار الأنظمة، ومعها دولة "داعش" واستيقاظ السؤال الكردي المقلق، كما أن تل أبيب تتحدث بدون أن يسارع أي طرف عربي، خليجي بالأساس، إلى نفي ما يصدر عن قادتها.
ونحن نميل عادة إلى اختيارات حسن النية، كلما تعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، وقد نصادق، بدون عناء على ما قاله المحللون، أنه "في المرحلة الحالية، يقتصر الحديث عن هذه العلاقات والاتصالات على الجانب الإسرائيلي الذي لطالما وجد مصلحة له في ترويج تقارب مع العرب لأسباب عديدة، لعل أبرزها إضعاف موقف الفلسطينيين في التفاوض مع الدولة العبرية.."، غير أن تواتر الأخبار والتصريحات تنم عن وجود خيار قار، تُنظِّر له إسرائيل ذاتها.. فهذا وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، يقول علنا: "يوجد معسكر سني يجد نفسه بسفينة واحدة معنا"، مؤكدا أن "المجتمعين"، ويقصد المجتمعين في قمة سرية مع دول عربية معتدلة في العقبة في الأردن قبل عام ونصف العام "لم يبدوا اهتماما بالقضية الفلسطينية..". وفي هذه الحالة، سنكون أمام اختيار استراتيجي، نعرف بعضه، في حين نخمن فظاعة الباقي.
ولا تكمن فظاعة الاختيار في أنها تضع القضية في المراتب المتأخرة للأجندة الشرق أوسطية، إن لم توفر شروط إسقاطها كليا من هذه الأجندة، بل إنها تكمن في تحويلها إلى طبيعة العدو، لتجعله ضمن المنظومة الجديدة لبناء العداوات الاستراتيجية، لا من زاوية العواصم العربية، بل من زاوية تل أبيب وواشنطن.
والتحول الآخر الذي سيغير من طبيعة الصراع ليس هو ضمان حق إسرائيل في الجوار العربي السليم، بل التعاون ونفض اليد من قضية أطول احتلال في تاريخ البشرية الحاضرة، بل هو إعطاء الطابع السني - الشيعي للصراع، وإسباغ التناقضات الداخلية للمسلمين على تحالف استراتيجي رهيب، يتعلق بشرعنة ضم الأراضي الفلسطينية، وإنهاء قضية شعبٍ ما زال يتجول في زورق الأوديسة المفقودة بين خمس قارات، شعب المشردين واللاجئين.
التحول الثالث أن تركن الدول العربية المعنية إلى هذا التقسيم الجديد، وتستسلم للتخطي الشامل للمنطقة، بدون أن تضمن أن التفكّك والتمزق لن يطاولها، بعد أن تنتهي مهمة ضرب إيران.
سبق أن انتدبت الدول العربية عراق صدام حسين لقيادة الصراع مع إيران، وانتهى بحرب ضروس، ثم بحروب متزايدة في المنطقة، ولم يمنع ذلك من تفكيك العراق ودخول الحرب إلى بلاده، بشكل علني، وتحت يافطات عديدة: الحرية، الديموقراطية والتعاون العالمي ومحاربة الإرهاب.
هل ستقف التحالفات الجديدة، كما تعد بها إدارة ترامب وتل أبيب بتجاوز الاستعصاء الإيراني بدون تمزّق الدول المعنية؟
يقول وزير الاتصالات في حكومة نتنياهو، أيوب قرا، وهو عربي درزي وعضو في الكنيست عن حزب الليكود، لوكالة فرانس برس، إن هناك دولا عربية كثيرة تربطها علاقات بإسرائيل، بشكل أو بآخر، تبدأ من مصر والأردن، المرتبطتين بمعاهدتي سلام مع الدولة العبرية) وتشمل السعودية ودول الخليج وشمال إفريقيا وقسما من العراق، وتشترك هذه الدول مع إسرائيل في الخشية من إيران).
تعطي هذه الخشية من إيران، في حقيقة الأمر، بعدا آخر لا حديث عنه، هو البعد الروسي في المنطقة. وروسيا التي تشكل أحسن رد على المقاربة الأميركية للمنطقة هي القوة التي يجب أن يتقرّب منها العرب اليوم في إطار تنويع الشراكات الإستراتيجية، وإيجاد التوازن بين القوى الدولية، وليس الميل الكلي إلي عاصمةٍ لم تنظر أبدا بأي عطفٍ إلى العواصم العربية، أو إلى ضرورة السلام مقابل الأرض، كما دعت كل القوى المعتدلة في المنطقة، منذ مؤتمر فاس في 1982.
استقبلت روسيا أيضا العاهل السعودي، كما استقبلت رئيس حكومة إسرائيل، في لعبة موهوبة دبلوماسيا، لأنها تدرك أن الرياض وتل أبيب أيضا، هما العمودان الرئيسيان للولايات المتحدة
في المنطقة. وفي وقتٍ تلعب سورية مع إيران، تلعب واشنطن ضد الأخيرة، بموازين القوى نفسها، مع احتياطي إضافي لدى الرئيس بوتين: حزب الله ونظام الأسد من جهة وتركيا أردوغان من جهة ثانية.
قضت إيران وروسيا والولايات المتحدة أربع سنوات جنبا إلى جنب ضد التطرّف المحسوب على السنة في العراق وفي سورية، وهو معطىً لن يغيب، كلما تعلق الأمر بتقدير دور الدول العربية السنية، طال الزمن أو قصر، لا بد من أن يطلب منها دفع الثمن لما سبق، من حروب ضد "دولة داعش".
كتب المحلل السياسي الفرنسي، آلان فرانشو، "هناك ثابت بنيوي في الشرق الأوسط، مفاده أن بعد كل حرب هناك أخرى تعقبها"، فأي موقع ستختار الدول المعنية بالتحالف الجديد في أية حرب مقبلة؟
وتوقف نتنياهو قبل أيام عند هذا الموضوع، قائلا "عندما تكون لإسرائيل والدول العربية الرئيسية رؤية واحدة، لا بد من التنبه، هذا يعني ان هناك شيئا مهما يحصل". ونشر المصدر نفسه حديث محللين ومسؤولين إسرائيليين عن "تنسيق وتقدم في العلاقات بين دول عربية وإسرائيل، ويتوقعون أن يظهر بعضها، لا سيما مع دول الخليج، بشكل مضطرد إلى العلن، على قاعدة أن ما يجمع الطرفين هو العداء المشترك لإيران".
لن يتحدّث رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بدون وجود تقدم حاصل في الموضوع، لا سيما مع تواتر الحديث عن ترتيب الخصومات الإستراتيجية في المنطقة، مع مجيء دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وإعادة النظر في الرقعة الجغرافية للشرق الأوسط، بعد انهيار الأنظمة، ومعها دولة "داعش" واستيقاظ السؤال الكردي المقلق، كما أن تل أبيب تتحدث بدون أن يسارع أي طرف عربي، خليجي بالأساس، إلى نفي ما يصدر عن قادتها.
ونحن نميل عادة إلى اختيارات حسن النية، كلما تعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، وقد نصادق، بدون عناء على ما قاله المحللون، أنه "في المرحلة الحالية، يقتصر الحديث عن هذه العلاقات والاتصالات على الجانب الإسرائيلي الذي لطالما وجد مصلحة له في ترويج تقارب مع العرب لأسباب عديدة، لعل أبرزها إضعاف موقف الفلسطينيين في التفاوض مع الدولة العبرية.."، غير أن تواتر الأخبار والتصريحات تنم عن وجود خيار قار، تُنظِّر له إسرائيل ذاتها.. فهذا وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، يقول علنا: "يوجد معسكر سني يجد نفسه بسفينة واحدة معنا"، مؤكدا أن "المجتمعين"، ويقصد المجتمعين في قمة سرية مع دول عربية معتدلة في العقبة في الأردن قبل عام ونصف العام "لم يبدوا اهتماما بالقضية الفلسطينية..". وفي هذه الحالة، سنكون أمام اختيار استراتيجي، نعرف بعضه، في حين نخمن فظاعة الباقي.
ولا تكمن فظاعة الاختيار في أنها تضع القضية في المراتب المتأخرة للأجندة الشرق أوسطية، إن لم توفر شروط إسقاطها كليا من هذه الأجندة، بل إنها تكمن في تحويلها إلى طبيعة العدو، لتجعله ضمن المنظومة الجديدة لبناء العداوات الاستراتيجية، لا من زاوية العواصم العربية، بل من زاوية تل أبيب وواشنطن.
والتحول الآخر الذي سيغير من طبيعة الصراع ليس هو ضمان حق إسرائيل في الجوار العربي السليم، بل التعاون ونفض اليد من قضية أطول احتلال في تاريخ البشرية الحاضرة، بل هو إعطاء الطابع السني - الشيعي للصراع، وإسباغ التناقضات الداخلية للمسلمين على تحالف استراتيجي رهيب، يتعلق بشرعنة ضم الأراضي الفلسطينية، وإنهاء قضية شعبٍ ما زال يتجول في زورق الأوديسة المفقودة بين خمس قارات، شعب المشردين واللاجئين.
التحول الثالث أن تركن الدول العربية المعنية إلى هذا التقسيم الجديد، وتستسلم للتخطي الشامل للمنطقة، بدون أن تضمن أن التفكّك والتمزق لن يطاولها، بعد أن تنتهي مهمة ضرب إيران.
سبق أن انتدبت الدول العربية عراق صدام حسين لقيادة الصراع مع إيران، وانتهى بحرب ضروس، ثم بحروب متزايدة في المنطقة، ولم يمنع ذلك من تفكيك العراق ودخول الحرب إلى بلاده، بشكل علني، وتحت يافطات عديدة: الحرية، الديموقراطية والتعاون العالمي ومحاربة الإرهاب.
هل ستقف التحالفات الجديدة، كما تعد بها إدارة ترامب وتل أبيب بتجاوز الاستعصاء الإيراني بدون تمزّق الدول المعنية؟
يقول وزير الاتصالات في حكومة نتنياهو، أيوب قرا، وهو عربي درزي وعضو في الكنيست عن حزب الليكود، لوكالة فرانس برس، إن هناك دولا عربية كثيرة تربطها علاقات بإسرائيل، بشكل أو بآخر، تبدأ من مصر والأردن، المرتبطتين بمعاهدتي سلام مع الدولة العبرية) وتشمل السعودية ودول الخليج وشمال إفريقيا وقسما من العراق، وتشترك هذه الدول مع إسرائيل في الخشية من إيران).
تعطي هذه الخشية من إيران، في حقيقة الأمر، بعدا آخر لا حديث عنه، هو البعد الروسي في المنطقة. وروسيا التي تشكل أحسن رد على المقاربة الأميركية للمنطقة هي القوة التي يجب أن يتقرّب منها العرب اليوم في إطار تنويع الشراكات الإستراتيجية، وإيجاد التوازن بين القوى الدولية، وليس الميل الكلي إلي عاصمةٍ لم تنظر أبدا بأي عطفٍ إلى العواصم العربية، أو إلى ضرورة السلام مقابل الأرض، كما دعت كل القوى المعتدلة في المنطقة، منذ مؤتمر فاس في 1982.
استقبلت روسيا أيضا العاهل السعودي، كما استقبلت رئيس حكومة إسرائيل، في لعبة موهوبة دبلوماسيا، لأنها تدرك أن الرياض وتل أبيب أيضا، هما العمودان الرئيسيان للولايات المتحدة
قضت إيران وروسيا والولايات المتحدة أربع سنوات جنبا إلى جنب ضد التطرّف المحسوب على السنة في العراق وفي سورية، وهو معطىً لن يغيب، كلما تعلق الأمر بتقدير دور الدول العربية السنية، طال الزمن أو قصر، لا بد من أن يطلب منها دفع الثمن لما سبق، من حروب ضد "دولة داعش".
كتب المحلل السياسي الفرنسي، آلان فرانشو، "هناك ثابت بنيوي في الشرق الأوسط، مفاده أن بعد كل حرب هناك أخرى تعقبها"، فأي موقع ستختار الدول المعنية بالتحالف الجديد في أية حرب مقبلة؟