من باب التبسيط والتقريب يمكننا تشبيه فرقة الجاز بالتخت الشرقي، فهي مجموعة موسيقية تتكون عادة من آلات نحاسية وإيقاع وبيانو وباص، تعزف قالباً يعرف بالجاز، ويقوم على الارتجال المحدّد زمنياً وفق عدد من الـ "مازورات" المحددة نغمياً ووفق دائرة من الـ "كوردات".
منذ ظهور موسيقى الجاز أواسط القرن التاسع عشر في أميركا إبان الحرب الأهلية (1861–1865) وتحديداً في مدينة نيو أورلينز كمركز، وحتى انتقالها إلى شيكاغو فترة الحرب العالمية الثانية؛ لم يُعرف أصل كلمة جاز تحديداً، وأغلب الروايات تذهب إلى القول بأن الكلمة محكية ذات أصول أوروبية، تدل على الطاقة والنشاط.
أما التخت الذي يعود ككلمة لأصل فارسي يعني صدر المجلس، فإلى جانب الاختلافات الجوهرية بينه وبين فرقة الجاز من حيث ظروف النشأة والتكوين، نضيف جزئية الارتجال، والتي تبدو للوهلة الأولى نقطة مشتركة. في التخت الشرقي يكون الارتجال أو التقسيم غير محدد بعدد مازورات، ويعتمد على قدرات وذوق العازف، والهدف منه إما استعراض المقام لتمهيد الأرضية للمطرب، أو استعراض تقنيات عزف عالية المستوى على الآلة، وعادة ما تكون هناك قفلات تقليدية متعارف عليها؛ يُعرف من خلالها أن الارتجال (التقسيمة) قد انتهى.
ولعل نكهة مقام الكرد والنهاوند والحجاز والسلم الخماسي الظاهرة في بعض مقطوعات الجاز، استطاعت جذب الأذن الشرقية بسهولة في مراحل مبكرة، كمستمع ومشارك. في عام 1958 أصدر الموسيقي السوداني الأميركي أحمد عبد الملك (1927–1993) أسطوانة بعنوان "جاز صحارى"، في دلالة على أصوله العربية، وعزف على آلة العود والكونتراباص، مقدماً الجاز كمصاحب لما يمكن وصفه تختاً شرقياً استناداً إلى فكرة لحن شعبي تارة، وتارة أخرى واضعاً لمسات شرقية لمقطوعات جاز معروفة، باستخدام آلة المزمار والإيقاع العربي. إضافة إلى إسهامات مؤلف الجاز الأميركي يوسف لطيف (1920-2013) في مزج اللون الشرقي في مؤلفاته من حيث التصرف.
مثل هذه الإنتاجات أعطت مسوغاً لبعض النقاد والموسيقيين لابتكار مصطلح "الجاز الشرقي"، لاعتبارات الآلة وقالب الإيقاع والتصرّف في المقام، ولربما للغة الغناء أيضاً. ولمَ لا، فقد ظهر مصطلح الجاز اللاتيني، والأفريقي، وحتى الياباني. ورغم ظهور هذه التصنيفات؛ إلا أنه لا يوجد اتفاق حول ماهية المعايير، سواء للآلة أو للسلّم الموسيقي، أو الإيقاع كآلة أو قالب. في ذات الوقت، نجد مجموعة من الموسيقيين والنقاد ينكرون وجود ما يسمى بالجاز الشرقي، ومنهم زياد رحباني، وهو الذي نشر الجاز عن طريق السيدة فيروز لأوسع شريحة، مستخدماً جميع ما ذكر من معطيات واحتمالات.
بعيداً عن المقارنة بين وجهتي النظر، إن كان هناك جاز شرقي أم لا، استطاع الجاز أن يكون قالباً يحوي معظم الثقافات والقوالب المختلفة، بطريقة تجريبية مستمرة، تمكّن كل من استخدمها وأتقنها من أن ينسبها لثقافته.