مثّلت مدن العراق التاريخية إحدى أكثر الفضاءات التي تبلورت فيها مناهج وتيارات الخط العربي، ضمن توظيفات دينية ومعمارية بالأساس. في العقود الأخيرة، استعيد الخط للفنون التشكيلية ضمن رؤى حداثية تحاول أن تتجاوز التوظيف إلى تقديم مقولات جمالية خالصة.
لعل تجربة الفنان العراقي جاسم محمد المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، تقف بين الرؤيتين، حيث تهضم ذلك التاريخ الممتد على قرون طويلة من تراكم الصنعة، وفي الوقت نفسه تصبّ ذلك في منظور تستسيغه العين المعاصرة.
منذ الثاني من حزيران/ يونيو الجاري، وحتى 24 منه، تستضيف غاليري "فيلا الرباط" في العاصمة المغربية، معرضاً يجمع أعمالاً للفنان العراقي تمتد على سنوات متفرقة من مسيرته، وقد شارك بمعظمها في معارض في مدن مختلفة حول العالم مثل غرناطة وواشنطن ودمشق والشارقة.
في الأعمال التي يقدّمها المعرض، يمكن فصل مقاربتين، حيث يبدو محمد وأنه قادر على إخفاء البعد الخطي للوحته، لتظل لوحة فحسب من خلال المقاييس المعتمدة والتقنيات اللونية والأشكال المرسومة، وهو ما يظهر محاولته للتحرّر من قالب الحروفية.
أما الزاوية الثانية، وهي معاكسة للأولى، فنرى منها محاولة نسيان اللوحة كحامل والذهاب مباشرة نحو تقديم رؤية فنية من خلال الخط ضمن تطوّر استعمالاته في السنوات الأخيرة في عموم المشهد التشكيلي العربي، دون أن ينسى قربه من التراكم التاريخي لهذا الفن في بلاده والممتد على قرون طويلة.