يحمل العمل، الذي صدر، مؤخّراً، عن "منشورات لارماتان" الفرنسية، عنوان "مصطفى بن بولعيد: محرّك الثورة الجزائرية"، وفيه يستعرض المؤرّخ، المولود في تيارت غربي الجزائر عام 1933، سيرة بن بولعيد، متوقّفاً عند دوره المحوري في الثورة التحريرية (1954 – 1962)، التي استُشهد قبل قرابة خمس سنواتٍ من انتهائها واستقلال بلاده.
يضيء الكاتب، الذي عُرف بمناصرته استقلال الجزائر منذ كان طالباً في باريس، على الجانب الاجتماعي والمحيط الذي عاش فيه بن بولعيد، في مسقط رأسه في إحدى قرى محافظة باتنة شرقي البلاد، ويذكر أن شخصيته "تبلورت كرجل ريفي يتمتّع بدراية متميزة لتضاريس الأوراس"، مضيفاً أن "الرجل كان يحظى بالتقدير لجدّيته ونزاهته وتحفّظه".
ويصف المؤرّخ بن بولعيد بأنه "رجل قوي مفتول العضلات وصاحب إرادة قوية"، و"كان مهتمّاً بالوضع السياسي". من هنا، يعود إلى بدايات انخراطه في العمل السياسي، فيذكر أن المناضل محمد بلوزداد (1924 – 1952)، الذي كلّفه "حزب الشعب الجزائري" بتنظيم "فدرالية قسنطينة" عام 1946، هو من كان وراء انخراطه في الحزب.
مع تأسيس "المنظّمة الخاصّة" عام 1946 (جناح عسكري ترأّسه بلوزداد وظهر نتيجة خلافاتٍ بين رئيس الحزب مصالي الحاج الذي فضّل اعتماد فكرة النضال السلمي وبين من فضّلوا التوجّه إلى خيار الثورة المسلّحة)، كُلّف بن بولعيد، بوصفه مسؤولاً عن منطقة الأوراس، بتخزين الأسلحة والبذلات العسكرية في مزرعته، بحسب المؤلّف.
يسرد سيمون، الذي يدير "مركز الأبحاث والدراسات حول الجزائر المعاصرة" في باريس، بعض الأمثلة للاستدلال على كون بن بولعيد "سياسياً محنّكاً ومسؤولاً نبيهاً وصارماً"، من بينها تسويته الخلافات بين قرى منطقته، وبين قبيلته وقبائل أخرى، مضيفاً أن ذلك سمح له، لاحقاً، بجمع عددٍ من قدماء جنود الجيش الاستعماري الفرنسي ومواطنين أبدوا اهتماماً بالسياسة منذ الخمسينيات. أمّا الالتزام الأكبر بالثورة لصالح تحرير الجزائر، كما يضيف، فتجلّى عندما رهن كل ممتلكاته لتمويل الثورة حين افتقر "حزب الشعب الجزائري" للمال.
يقف المؤلّف عند إلقاء القبض على بن بولعيد ومحاكمته أمام "المحكمة العسكرية" في قسنطينة، ثم فراره من السجن في وقت انتشرت الثورة في كلّ التراب الجزائري: "فرار بن بولعيد وإعادة تشكيل ولاية الأوراس ومشروع تشكيل قيادة عامّة لجيش التحرير الوطني عزّزا موقفه كمحرّك رئيسي للثورة الجزائرية".
يشير سيمون هنا إلى رسالة تركها بن بولعيد لسجّانيه قال فيها إن "السلم والرفاه بالنسبة إلى الشعب الجزائري يتمثّلان في جمهورية جزائرية منتخبة بالتصويت العام من دون أي تمييز عرقي أو ديني".