مازال يحلم بالوظيفة الحكومية، رغم مرور خمسة عشر عاماً على حصوله على الإجازة في العلوم السياسية. يعتبر أن العمل مع الدولة يضفي على الشخص نوعاً من الأمان، راتباً مضموناً في نهاية الشهر، ومعاشاً مؤمّناً بعد سن الستين. يكفي أن يتقن الموظف التحايل على الروتين الوظيفي.
في انتظار تحقق أمنيته تلك، لم يجد بدّاً من العمل حارس أمن خاص. رغم مرور أكثر من عشر سنوات، مازال يعتبر ذلك العمل مؤقتاً. عندما يتحدث مصطفى فرح عن عمله ذاك يبدي الكثير من التذمر، يجيبك بشكل مقتضب، كأنه يتفادى الخوض في الحديث عن عمل لم يهيأ له بفعل الشهادة الجامعية التي اجتهد كثيرا من أجل الحصول عليها. وعندما تلح عليه في السؤال، يجيب بشكل حاسم "هذا عمل أؤمن به قوت يومي لا أقل ولا أكثر، لا أحس بأي انتماء إلى عالم الحراس الخاصين".
حال مصطفى من حال العديد من الشباب المغربي، الذين حصلوا على شواهد جامعية، فكان مصيرهم البطالة. ظنوا أن اجتياز مقابلة للتوظيف يكفيهم كي يحصلوا على وظيفة، لكن بعد أشهر، تبدّى لهم أن الطريق إلى حلمهم ذاك ليس مفروشا بالورود. التحق مصطفى بالمتخرجين العاطلين من العمل، واعتصم أمام البرلمان وشارك في المسيرات، لكنه لم يفز بالوظيفة، فاضطر إلى العمل في شركة من خاصة تتولى توفير الحراس الخاصين للشركات.
إذا كان مصطفى مازال يراوده حلم الحصول على منصب في الوظيفة العمومية، فإن صديقه ياسر رأيت لحسن، سلم بالأمر الواقع، آمن بأن الإجازة التي حصل عليها في الدراسات الإسلامية، لا تسمن ولا تغني من جوع في سوق الشغل، فهو يحتاج إلى الكثير من الحظ كي يحصل على وظيفة في القطاع العام، لذلك تراه قانعا، لا يتخرط في المقارنات التي يقوم بها مصطفى بين ما انتهيا إليه، وما بلغه رفاق لهم ارتقوا السلم الإداري في الوظيفة العمومية، فأضحوا في وضع وظيفي مريح.
ما يشغل ياسر هو الراتب الذي لا يرقى إلى مستوى تطلعاته، فبعد عشرة أعوام من العمل، لا يتلقى سوى ثلاثمائة دولار في الشهر. يقول "هذا أجر لا يلبي حتى نصف حاجياتي في الشهر، خاصة أننى أتحمل مسؤولية أسرتي الفقيرة، وأتحاشى مطالبة الشركة بالزيادة في الأجر مخافة أن يستغنى عني".
الأجر سبب وجيه يدفع بمصطفى إلى التشبث بحلم الحصول على وظيفة في القطاع العام في يوم من الأيام، لكن ما يؤجج الحسرة في نفس مصطفى، هي ظروف العمل، إذ يتوجب عليه أن يكون رهن إشارة مشغله في أي وقت "أنت تعمل 12 ساعة في اليوم، بينما قانون العمل يحدد ساعات العمل في 8 ساعات في اليوم، ثم إنك لا حق لك في العطلة الأسبوعية التي يحددها القانون في يومي السبت والأحد، حيث لا تنعم سوى بيوم واحد".
في العقدين الأخيرة، انتشر لجوء الشركات والمصارف والمحلات التجارية، إلى طلب خدمات حراس الأمن الخاص، ما أفضى إلى بروز العديد من الشركات التي تتخصص في الوساطة في توفير الحراس. إذ في غياب بيانات رسمية، تشير بعض التقديرات إلى أن عدد حراس الأمن الخاص يصل إلى 45 ألف حارس، موزعين على ما بين 500 و700 شركة مغربية وإسبانية وفرنسية وأميركية، تتولى توفير أولئك الحراس لفائدة الغير.
عندما سألت "العربي الجديد"، أحد مفتشي الشغل، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، اعتبر أن وضعية الحراس هشة، وباستثناء بعض شركات الوساطة الكبيرة التي تحترم شروط توظيف الحراس، فإن أغلب الشركات تسعى إلى جني أرباح كبيرة على حساب الحراس، حيث لا تمنحهم سوى ربع الأجر المتفق عليه مع الشركة المستعملة لخدماته، بل "إن من الشركات ما لا تتوفر على مقر تعرَف به، حيث تعمل تحت عنوان مكتب المحاسبة الذي يعمل لفائدتها".
خالد عوفير، الذي اشتغل حارساً خاصاً على مدى عشرين عاما، بعد ما حصل على ديبلوم فني في التعليم المهني، خبر جيداً الأساليب التي تلجأ إليها هذه الشركات من أجل تفادي "التورط" في عقود غير محددة المدة مع العاملين لديها. فهذا الأربعيني، الذي عمل في أربع شركات في الأعوام الأخيرة، يؤكد أن أغلب الشركات تبرم عقدا لمدة ثلاثة أشهر مع الحارس الخاص، وتلجأ إلى فسخه بعد تلك المدة، كي ينصرف إلى حال سبيله، ثم تعاود إبرام عقد جديد معه كأنه يعمل لديها لأول مرة. يوضح خالد "أنت تعتبر في عرف تلك الشركات عاملا مؤقتا يمكن الاستغناء عنه في أي وقت".
تلك حقيقة تثير غضب مصطفى الذي يؤكد أن الحارس الخاص لا يمكن في ظل هذه الظروف أن يفكر في المستقبل، فهو يعيش على إيقاع المؤقت، يستحيل عليه أن يحلم بحياة عادية كما يعيش الآخرون.
اقرأ أيضا:
بقال الحي..ملاذ الأسر المغربية الفقيرة
نساء مغربيات يقاومن الفقر والتهميش بالصبار والأعشاب
مزارعو المغرب ينتظرون "أمطار الخلاص" لزيادة محاصيلهم
في انتظار تحقق أمنيته تلك، لم يجد بدّاً من العمل حارس أمن خاص. رغم مرور أكثر من عشر سنوات، مازال يعتبر ذلك العمل مؤقتاً. عندما يتحدث مصطفى فرح عن عمله ذاك يبدي الكثير من التذمر، يجيبك بشكل مقتضب، كأنه يتفادى الخوض في الحديث عن عمل لم يهيأ له بفعل الشهادة الجامعية التي اجتهد كثيرا من أجل الحصول عليها. وعندما تلح عليه في السؤال، يجيب بشكل حاسم "هذا عمل أؤمن به قوت يومي لا أقل ولا أكثر، لا أحس بأي انتماء إلى عالم الحراس الخاصين".
حال مصطفى من حال العديد من الشباب المغربي، الذين حصلوا على شواهد جامعية، فكان مصيرهم البطالة. ظنوا أن اجتياز مقابلة للتوظيف يكفيهم كي يحصلوا على وظيفة، لكن بعد أشهر، تبدّى لهم أن الطريق إلى حلمهم ذاك ليس مفروشا بالورود. التحق مصطفى بالمتخرجين العاطلين من العمل، واعتصم أمام البرلمان وشارك في المسيرات، لكنه لم يفز بالوظيفة، فاضطر إلى العمل في شركة من خاصة تتولى توفير الحراس الخاصين للشركات.
إذا كان مصطفى مازال يراوده حلم الحصول على منصب في الوظيفة العمومية، فإن صديقه ياسر رأيت لحسن، سلم بالأمر الواقع، آمن بأن الإجازة التي حصل عليها في الدراسات الإسلامية، لا تسمن ولا تغني من جوع في سوق الشغل، فهو يحتاج إلى الكثير من الحظ كي يحصل على وظيفة في القطاع العام، لذلك تراه قانعا، لا يتخرط في المقارنات التي يقوم بها مصطفى بين ما انتهيا إليه، وما بلغه رفاق لهم ارتقوا السلم الإداري في الوظيفة العمومية، فأضحوا في وضع وظيفي مريح.
ما يشغل ياسر هو الراتب الذي لا يرقى إلى مستوى تطلعاته، فبعد عشرة أعوام من العمل، لا يتلقى سوى ثلاثمائة دولار في الشهر. يقول "هذا أجر لا يلبي حتى نصف حاجياتي في الشهر، خاصة أننى أتحمل مسؤولية أسرتي الفقيرة، وأتحاشى مطالبة الشركة بالزيادة في الأجر مخافة أن يستغنى عني".
الأجر سبب وجيه يدفع بمصطفى إلى التشبث بحلم الحصول على وظيفة في القطاع العام في يوم من الأيام، لكن ما يؤجج الحسرة في نفس مصطفى، هي ظروف العمل، إذ يتوجب عليه أن يكون رهن إشارة مشغله في أي وقت "أنت تعمل 12 ساعة في اليوم، بينما قانون العمل يحدد ساعات العمل في 8 ساعات في اليوم، ثم إنك لا حق لك في العطلة الأسبوعية التي يحددها القانون في يومي السبت والأحد، حيث لا تنعم سوى بيوم واحد".
في العقدين الأخيرة، انتشر لجوء الشركات والمصارف والمحلات التجارية، إلى طلب خدمات حراس الأمن الخاص، ما أفضى إلى بروز العديد من الشركات التي تتخصص في الوساطة في توفير الحراس. إذ في غياب بيانات رسمية، تشير بعض التقديرات إلى أن عدد حراس الأمن الخاص يصل إلى 45 ألف حارس، موزعين على ما بين 500 و700 شركة مغربية وإسبانية وفرنسية وأميركية، تتولى توفير أولئك الحراس لفائدة الغير.
عندما سألت "العربي الجديد"، أحد مفتشي الشغل، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، اعتبر أن وضعية الحراس هشة، وباستثناء بعض شركات الوساطة الكبيرة التي تحترم شروط توظيف الحراس، فإن أغلب الشركات تسعى إلى جني أرباح كبيرة على حساب الحراس، حيث لا تمنحهم سوى ربع الأجر المتفق عليه مع الشركة المستعملة لخدماته، بل "إن من الشركات ما لا تتوفر على مقر تعرَف به، حيث تعمل تحت عنوان مكتب المحاسبة الذي يعمل لفائدتها".
خالد عوفير، الذي اشتغل حارساً خاصاً على مدى عشرين عاما، بعد ما حصل على ديبلوم فني في التعليم المهني، خبر جيداً الأساليب التي تلجأ إليها هذه الشركات من أجل تفادي "التورط" في عقود غير محددة المدة مع العاملين لديها. فهذا الأربعيني، الذي عمل في أربع شركات في الأعوام الأخيرة، يؤكد أن أغلب الشركات تبرم عقدا لمدة ثلاثة أشهر مع الحارس الخاص، وتلجأ إلى فسخه بعد تلك المدة، كي ينصرف إلى حال سبيله، ثم تعاود إبرام عقد جديد معه كأنه يعمل لديها لأول مرة. يوضح خالد "أنت تعتبر في عرف تلك الشركات عاملا مؤقتا يمكن الاستغناء عنه في أي وقت".
تلك حقيقة تثير غضب مصطفى الذي يؤكد أن الحارس الخاص لا يمكن في ظل هذه الظروف أن يفكر في المستقبل، فهو يعيش على إيقاع المؤقت، يستحيل عليه أن يحلم بحياة عادية كما يعيش الآخرون.
اقرأ أيضا:
بقال الحي..ملاذ الأسر المغربية الفقيرة
نساء مغربيات يقاومن الفقر والتهميش بالصبار والأعشاب
مزارعو المغرب ينتظرون "أمطار الخلاص" لزيادة محاصيلهم