يتسلق التونسيون منذ سنوات جبل الحرية العالي، نحو القمة التي ترسّخ بلدهم نهائياً في قائمة الدول الديمقراطية. غير أن الطريق وعر، والمطبات لا تنتهي والأقدام لا تقوى على مزيد من الجهد المنهك للقوى. ولو تعلق الأمر بالجبل وحده لهان الأمر، لكن الصعوبة تزيد مع هؤلاء القابعين في القاع، يبذلون كل جهد لإسقاط التجربة وبث ما استطاعوا من إحباط للعزائم التي تظل منتبهة برغم كل شيء، ومصرة على طريقها برغم كل الصعوبات. ولن يبقى من المسافة إلا أمتار قليلة ويبصر التونسيون المشهد من الأعلى، نهائياً وإلى الأبد.
ويدرك الجميع أن موعد انتخابات 2019 سيكون حاسماً في هذا الأمر. فانتخابات ديمقراطية وشفافة أخرى، وتداول سلمي آخر على السلطة، وتثبيت لحكومة ديمقراطية جديدة، ستؤسس لبلد بتاريخ جديد يجمع فيه التونسيون، مواطنين وأحزاباً، على نهج خيار الشعب في تقرير مصيره واختيار من يحكمه، ولذلك تُشحذ كل الأسلحة بما أتيح لها من ذخيرة، وتتزايد مخاوف التونسيين من تعطيل الوصول إلى هذا الموعد بكل الطرق والمؤامرات الممكنة.
ورغم الخطى الثقيلة جداً التي يتقدم بها التونسيون، فإن هناك دائماً تقدماً حاصلاً وحسماً في ملفات حساسة للغاية وتأسيساً متواصلاً لما تحتاجه التجربة من ضمانات. وأخيراً أقر البرلمان صندوق الكرامة الذي يتعهد بمساعدة ضحايا الانتهاكات، بعد جدل طويل بين الرافضين والمؤيدين. ومن الغريب أن البعض عارض وجود وتمويل هذا الصندوق، وكأنه يريد أن يبقى هذا الجرح مفتوحاً إلى الأبد. فهؤلاء الضحايا ظلموا وشردوا وسجنوا وتشتتت عائلاتهم وتحطم مستقبلهم ودمّرت أحلامهم ودفع أولادهم ثمناً كبيراً، لذلك لن تكفي كل أموال الدنيا لتعويضهم. لكن يبدو أن منطق النكاية أعمى، ولا يرى أن التونسيين لن يبلغوا قمة الحرية المنتظرة إلا إذا تمت تصفية تركة الماضي، وطُويت أحقادها وأحس المظلومون وعائلاتهم بأنهم أنصفوا ولو جزئياً. فالمظلوم قد يغفر لكنه لا ينسى، والصراع السياسي لا يبرر كل هذا الحقد واللعب المتهور على أوتار العذابات. لذلك كان جبل الحرية عالياً دائماً ولا يبلغه إلا الصابرون.