جبل الهيليكون
رائد الكور (سورية)
في قمة جبل الهيليكون، قرب زيوس، بين الواقع والخرافة، أشعلت النار في أساطيري وملاحمي. على طاولة دائرية الشكل، تعلوها ثُريَّا تكون أقرب إلى شمسٍ في عقر ليل، عالمي الخاص كان حاضراً، ومن كان غائباً قد مات.
لم يكن، في بادئ الأمر، شيء من جسدي الصريع حاضراً سوى السكوت، ونظرات ترمق ما حولها ذهولاً. مضيفتي ترتب المكان، وتعد للمجهول، نعم ما زال كل شيء مجهولاً لي. فلم أرَ أفروديت سابقاً كما رأيتها اليوم، مصلوبة. لا أعلم أهو جرمٌ قديم قد اقترفته، أم خوف مضيفتي علي من فتنةِ الحب التي طالما أتقنتها الصَلِيبة. في خضم التخبط والإستغراب، شرعت في شرب كأس، كتب على زجاجه: "يعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، حيث حمورابي، حيث الشريعة فيما أحَلّ الملك وحرّمَ". لم أدرك قط أن خمر بابل بات يباع في بلاد الإغريق، وأن حمورابي بات لأجئاً في أوروبا، يبيع ما تيسر على أبواب الحانات. أما عشتار، آخ يا عشتار، أصبحت أشهر الراقصات الشرقيات في ملاهي بلاد رومانيا.
حسناً، يبدو أني نسيت ما حل من وباء بتلك البلاد، حيث أهلي وأهلهم. لم أرغب ببعض الحزن في حضرة المضيفة الحسناء، أغفلتُ التفكير في بلادنا وأكملت تأملي بحركات المضيفة، التي استعبدت كل آلهة الأرض لخدمتها، من دون الاكتراث بذنوب تقترفها، وكأن والدها من اشترى صكوك الغفران.
هيرا واندروميدا يصنعن لنا العقود من بتلات الورود وينشدن الترانيم منذ قدومي؛ فرحتين أم مجبرتين؟ لا أعلم حقاً، ما أعلمه فقط هو أن الخمر قد بدأ يتلاعب بي، وهو مؤشر جيد لتلاشي التفكير التعيس الذي يوقظ الميت من سكراته، ويجعل الحسناء خنساء بعيوني، فنحن هنا فقط لنمارس الحياة على أرضٍ لا حرب فيها. سعت مضيفتي إلى إيقاف الحرب بين شمال هناك وجنوبه، بين القطبين، بين الجميع، فلا ضجيج يعكر صفو هذا المساء، طالبةً من الإلهة أثينا أن توقف الحرب بين جميع وحوش الأرض وحيتانها. نعم فكل حروبهم باءت بالفشل وبات أسياد الشام والرافدين وآلهتهم مشردين في أصقاع أوروبا الباردة يتوسلون السلام خارج أرضهم، وكأن الدمار كتب على بلاد العرب لا غيرها.
لم أدرك أهمية هذا المساء لمضيفتي أو أهميتي لها أو أهمية السلام الذي يولد الحب لنا، وهو ما كانت تسعى إليه وتنشده جاهدةً، وربما. قد يشعر الوحوش خلال استراحة الحرب بقليل من الاشتياق لحبٍ كانوا قد سجنوه وعذبوه وذبحوه ونسوا طعمه، وأيّ ذنب اقترفوه بحق أرضٍ شبعت دماً بدل الماء.
ها أنا أسترسل في أمنيات الحب والسلام غير العادل ربما، على أية حال هو مطلب الحسناء الليلة: عشاء لا لحم فيه. ساعات لا حرب فيها، ولا ثكالى. ساعات يَخدم فيها المعبودون العابدين. لا قرابين للآلهة، ولا مباركات في حروب أحد. هنا في قمة الهيليكون، حيث الفضاء واسع، وقارب قريب، وهدوء لا يشوبه شيء، باستثناء تراتيل تكون أقرب إلى كلامٍ قادمٍ من الجنة، أو حكاية تقصها لي أمي قبل النوم. هنا تعيش الحسناء، تشرف على بحار أوروبا وآلهتها، تتوق للحب، للسلام، وتتوق للإنسان. هنا بات نوح يؤجر قاربه، والطوفان أصبح لعبة بيد البشر لا بيد الآلهة. كل ذلك ولم أشرب سوى كأس واحدة.
جلست مضيفتي الحسناء، العشاء جاهزا وكؤوسنا امتلأت بخمر بابل والخلود بات قريباً في مكانٍ ما.
نظرت إلي بعيون لامعة تشبه عيون طفل يبتعد عن حِجْر أمه مودعاً خائفاً، أمسكت بيدي، وأطبقت عليهما بحزن، ونظرت بعيداً.
رفع نوح المرساة وبدأ العشاء. لكنه لم يكن العشاء الأخير، بل العشاء قبل الرحلة إلى إيثاكا.
لم يكن، في بادئ الأمر، شيء من جسدي الصريع حاضراً سوى السكوت، ونظرات ترمق ما حولها ذهولاً. مضيفتي ترتب المكان، وتعد للمجهول، نعم ما زال كل شيء مجهولاً لي. فلم أرَ أفروديت سابقاً كما رأيتها اليوم، مصلوبة. لا أعلم أهو جرمٌ قديم قد اقترفته، أم خوف مضيفتي علي من فتنةِ الحب التي طالما أتقنتها الصَلِيبة. في خضم التخبط والإستغراب، شرعت في شرب كأس، كتب على زجاجه: "يعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، حيث حمورابي، حيث الشريعة فيما أحَلّ الملك وحرّمَ". لم أدرك قط أن خمر بابل بات يباع في بلاد الإغريق، وأن حمورابي بات لأجئاً في أوروبا، يبيع ما تيسر على أبواب الحانات. أما عشتار، آخ يا عشتار، أصبحت أشهر الراقصات الشرقيات في ملاهي بلاد رومانيا.
حسناً، يبدو أني نسيت ما حل من وباء بتلك البلاد، حيث أهلي وأهلهم. لم أرغب ببعض الحزن في حضرة المضيفة الحسناء، أغفلتُ التفكير في بلادنا وأكملت تأملي بحركات المضيفة، التي استعبدت كل آلهة الأرض لخدمتها، من دون الاكتراث بذنوب تقترفها، وكأن والدها من اشترى صكوك الغفران.
هيرا واندروميدا يصنعن لنا العقود من بتلات الورود وينشدن الترانيم منذ قدومي؛ فرحتين أم مجبرتين؟ لا أعلم حقاً، ما أعلمه فقط هو أن الخمر قد بدأ يتلاعب بي، وهو مؤشر جيد لتلاشي التفكير التعيس الذي يوقظ الميت من سكراته، ويجعل الحسناء خنساء بعيوني، فنحن هنا فقط لنمارس الحياة على أرضٍ لا حرب فيها. سعت مضيفتي إلى إيقاف الحرب بين شمال هناك وجنوبه، بين القطبين، بين الجميع، فلا ضجيج يعكر صفو هذا المساء، طالبةً من الإلهة أثينا أن توقف الحرب بين جميع وحوش الأرض وحيتانها. نعم فكل حروبهم باءت بالفشل وبات أسياد الشام والرافدين وآلهتهم مشردين في أصقاع أوروبا الباردة يتوسلون السلام خارج أرضهم، وكأن الدمار كتب على بلاد العرب لا غيرها.
لم أدرك أهمية هذا المساء لمضيفتي أو أهميتي لها أو أهمية السلام الذي يولد الحب لنا، وهو ما كانت تسعى إليه وتنشده جاهدةً، وربما. قد يشعر الوحوش خلال استراحة الحرب بقليل من الاشتياق لحبٍ كانوا قد سجنوه وعذبوه وذبحوه ونسوا طعمه، وأيّ ذنب اقترفوه بحق أرضٍ شبعت دماً بدل الماء.
ها أنا أسترسل في أمنيات الحب والسلام غير العادل ربما، على أية حال هو مطلب الحسناء الليلة: عشاء لا لحم فيه. ساعات لا حرب فيها، ولا ثكالى. ساعات يَخدم فيها المعبودون العابدين. لا قرابين للآلهة، ولا مباركات في حروب أحد. هنا في قمة الهيليكون، حيث الفضاء واسع، وقارب قريب، وهدوء لا يشوبه شيء، باستثناء تراتيل تكون أقرب إلى كلامٍ قادمٍ من الجنة، أو حكاية تقصها لي أمي قبل النوم. هنا تعيش الحسناء، تشرف على بحار أوروبا وآلهتها، تتوق للحب، للسلام، وتتوق للإنسان. هنا بات نوح يؤجر قاربه، والطوفان أصبح لعبة بيد البشر لا بيد الآلهة. كل ذلك ولم أشرب سوى كأس واحدة.
جلست مضيفتي الحسناء، العشاء جاهزا وكؤوسنا امتلأت بخمر بابل والخلود بات قريباً في مكانٍ ما.
نظرت إلي بعيون لامعة تشبه عيون طفل يبتعد عن حِجْر أمه مودعاً خائفاً، أمسكت بيدي، وأطبقت عليهما بحزن، ونظرت بعيداً.
رفع نوح المرساة وبدأ العشاء. لكنه لم يكن العشاء الأخير، بل العشاء قبل الرحلة إلى إيثاكا.