جدران

13 فبراير 2017
أنطوني تابييس / كاتلانيا
+ الخط -

الألم أمانة. هل رأيته، هل شعرت به؟ لا تُسدل الستار، لا تستره؛ فليكن ناتئاً، فليكن فجّاً بعينين جاحظتين!


المدينة

صباحٌ كغيره، نسخة مكررةٌ؛ شمسه تشرق ضجراً. المدينة الأرملة عاكفةٌ على ترقيع روحها المُستباحة ونسج كفنها؛ ملتاعةً تركض باحثة عن فلذات أكبادها، فلا تعثر سوى على أثر لا يشبهها. الشوارعُ الخاويةُ تكمِنُ ليأسها.

صباحٌ غمرته مياهُ بحيرةٍ من الصمتٍ المُنمَّل. المدينة الأرملة منصرفةٌ إلى غزلُ أحلام اليقظة المُنهَكة لأبنائها، على حافة التثاؤبات الرقيقة، منتظرةً لعنة التعرّف على ذاتها.
نهارٌ، مُجهدٌ. الأرملة تقيس شوارعها الصِفر: بضعُ قطط بائسة تفترش البرد مقارِعةً ظلم الريح، كلابٌ شقية تتمرغ وعُلبٌ فارغة تلعبُ مع الريحَ أو تلعب بها الريح.

إنّه الشتاء، وأسنان المدينة تصطك برداً، وحيدةً ومهجورةً. لا قلبٌ دافئٌ فيفرش بِساط محبّةٍ على سطح الكراهية المتجمدة. لا قلبٌ دافئٌ يمشي إلى شجرة الذكريات المنسية.

المدينة الأرملة تخطو إلى سكرات موتها.
مآستها تطفو على المياه الوحيِدة، وتغمر قِدْرَ الوجع الصغير.


أنتَ ونفسُك

الجدران تتحسس روحكَ.
وحوافُّ فنجان قهوة الصباح المثلوم تلدغُ أصابعك.
بقفزةٍ هادئةٍ تجتاز نهر وحدتك
وكدفِّ متصوّفة يهدهد صوتُ السنونوات الوحدة، فيوقظها.
وبينما الجدار يقيس المسافة بين عينيك الغَضّتين، تحدّق في اللاشيء، كأنك تستسلمَ لذهنك الخاوي.

هو الجدار مرآةٌ، تصير وجهك، أمّا عيناكَ فتبتسمان تحت ثقل الوحدة.
أتتعالى على الجدار، أم هو من ينظرُ إليك من علٍ؟!
الجدار دفتر أيامك المُجهَضات، تُلوِّن وجهه بخبل عشقك،
أتسمع فراغ الصباحات بدونها؟ لا شيء يتعداك سوى قلبها.

طينك يسيل ويمتزج بدموع اليأس اليتيمة،
والجدار عاجزٌ عن حمل كُتلة قلبك.
تفترش الألم كصخرة صلبة، ليس هواء فيحملك.. ولا أنت ماء فتغمرَهُ.


* شاعر كردي من سورية، والقصيدتان مترجمتان من مجموعة "بوغي بريفا" الصادرة بالكردية عام 2016.

المساهمون