استحوذت ظاهرة الكتابة على الجدران، على أماكن وفضاءات متعددة من الشارع المغربي، بل امتدت لتشمل أسوار المدارس والجامعات والمحطات، ولم تسلم حتى المراحيض العمومية من هذا "البوح المتمرد" برسائل مختلفة ذات دلالات متعددة ظاهرة ومضمرة.
ولا تخلو مختلف شوارع وأزقة عدد من المدن المغربية من هذه الكتابة، التي تتنوع بين التعبير عن مشاعر إنسانية أو ميول فنية أو رياضية، أو قضايا اجتماعية وسياسية، كما يمكن أن تتضمن كلاماً نابياً.
وفي هذا السياق، تقول هند (21 سنة)، إنّ الكتابة على الجدران غالبا ما تتم بدافع التعبير عن مشاعر تختنق بداخل الشخص ويريد أن يتخلص منها بكتابتها ليتخفف من هذا العبء، بل قد يراوده شعور بأن الجدران صدرها رحب لا يضيق بكل ما يفكر به"، لافتة إلى أن الكتابة أو الرسم على الحائط أصبح موعدا مهما لعشاق فن الشارع.
في المقابل، تجد سهام (33 سنة)، أنّ كل من يقومون بذلك يساهمون في نوع من التلوث البصري ويخرقون الذوق العام، وتقول "أعتقد أن هذا التصرف لا يسيء لفاعله فحسب، لكن يقع الضرر على المظهر الجمالي العام للمكان الذي امتدت إليه هذه الكتابات".
وتناشد في تصريحها لـ"العربي الجديد"، الجهات المختصة بتكليف لجنة مراقبة، وتتبع هذا النوع من الكتابات الخادشة للحياء العام، ومعاقبة من يقومون بذلك بغرامات مالية.
هذا الرأي يرفضه الاختصاصي التربوي، سعيد الماوي، إذ يرى أن أسلوب العقاب أو الغرامة لن يجدي نفعا بالنسبة لشباب ثائر ومتمرد يبحث عن ذاته، خاصة في ظل غياب مؤسسات اجتماعية قادرة على دمجه ومساعدته على تنمية مواهبه، مشيراً إلى أن الأمر يعد دليلاً ملموسا على انعدام ثقافة الحوار، بالإضافة إلى أن هناك عوامل أخرى تساهم إلى حد كبير في اعتبار الكتابة والرسم على الجدران، عوالم غير مراقبة لتفريغ الكبت لدى شرائح واسعة من الشباب.
ويشير إلى أن هذه الكتابة اتخذت في بعض المجتمعات وسيلة فعالة لتمرير خطاباتها السياسية، أما في البلدان العربية، فإن الظاهرة تضرب بجذورها في عمق التاريخ، حيث كان الإنسان البدائي ينقش لغاته التواصلية على الصخور. وقد أورد المؤرخون مقولة "مكتوب على الجدران"، التي جاء ذكرها في التوراة، والتي تعني "انقضى الأمر"، ليخلصوا إلى أن الكتابة على الجدران وجدت مع وجود الإنسانية، وكانت وسيلة أساسية للتواصل في ذلك الوقت.
أما أستاذ الفنون الجميلة، سامي وهبي، فيلفت إلى أنّ الكتابة الحائطية تترجم آمال وهموم الشباب المغربي، لكنها قد تكون سبباً وراء فقدانهم الحرية والزج بهم وراء القضبان، كما حدث لشباب كتبوا عبارات تمجد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ولهذا السبب، فالحاجة ماسة إلى تضافر كل مكونات المجتمع المغربي من أجل احتضان الشباب، بالتزامن مع تنظيم حملات توعية لمكافحة الكتابة على الجدران، التي تخالف القيم الأخلاقية والتقاليد.