يعيش الدنماركيون هاجس الاختلال في توزيع الثروات الاقتصادية بشكل عادل بين الأغنياء والفقراء.
وتسعى حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين برئاسة هيلي شميت إلى الدخول في مفاوضات مع حلفائها البرلمانيين من اليسار والوسط لفرض موازنة جديدة تشمل نزع الكثير من امتيازات العاطلين عن العمل ومن يطلق عليهم صفة "الأضعف اقتصاديا"، بينما أكبر الأحزاب اليسارية "اللائحة الموحدة" يذهب إلى التحذير بأن المساس في حقوق هؤلاء سوف يؤدي إلى "اختلال خطير ومهدد للمجتمع الدنماركي، القائم على توزيع عادل للثروة".
وما يعزز تحذيرات هذا الحزب هو نتائج دراسات اقتصادية قام بها كبار الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين عن نموذج العدالة الاجتماعية في الدنمارك.
هؤلاء يؤكدون أنه "خلال الأعوام الـ 10-12 الماضية ازدادت الفجوة الاقتصادية بين الأثرياء والفقراء"، مؤكدين أن البلاد شهدت "من خلال تخفيض نسبة الضرائب على الأغنياء نمواً في مداخيل من يشتغلون، بينما لم يجر تحسين أوضاع هؤلاء الذين يعيشون على المياومة أو التقاعد".
لا يؤكد هؤلاء الباحثون أن قراءة الحزب اليساري "اللائحة الموحدة"، الذي يشكل غطاءً برلمانيا لحكومة الاشتراكيين، عن أن "ازدياد ثروات الأغنياء مؤشر على ضرر اقتصادي يصيب المجتمع وعدالة توزيع الثروات".
ما يطرحه حزب "اللائحة الموحدة" بوجه الميزانية المقترحة من الحكومة هو "التوقف عن برنامجها الإصلاحي الذي يحرم العاطلين عن العمل حقوق الحصول على مرتبات والعودة بهم إلى النقطة صفر، حيث عليهم من جديد تلقي مساعدات اجتماعية واكتساب ساعات عمل جديدة تفوق قدرتهم مع تنامي البطالة".
حكومة شميت تصطدم الآن مع هذا الحزب وغيره وعدد من النقابات الداعمة، وهي مطالبة بالتراجع عما توصلت إليه من اتفاقات مع المحافظين في تعديلات اقتصادية عام 2012، حيث يرى هذا الحزب أن "نتائج تلك التعديلات بدأت بالانعكاس على فئات اجتماعية كثيرة يرهقها النظام الضريبي الذي يجعلها ضريبياً متساوية في النسب مع الأثرياء الذين تقتطع منهم النسب ذاتها".
ويؤكد خبراء الاقتصاد والاجتماع في هذا الحزب أن "البلدان التي تعيش توزيعا عادلا في اقتصادياتها تعيش مشاكل أقل". ويطرح الحزب سياسة اقتصادية تخفف الأعباء عن الفئات الاجتماعية الأقل دخلا "ودفع الأثرياء وهم 10 في المائة والذين يملكون 84 في المائة من الثروة الوطنية ليتحملوا ضرائب أكبر على الرأسمال الوطني بدل تدفيع هؤلاء الأقل فقرا" بحسب ما صرحت مسؤولة الحزب اليساري "اللائحة الموحدة"، يوهنا شميت نيلسن.
وما يطالب به الحزب في مفاوضات الموازنة يوم الثلاثاء المقبل هو "سياسة اقتصادية عادلة، تخفض نسبة الضرائب على أصحاب الدخل المنخفض وترفعها على أصحاب المداخيل العالية والثروات والمدخرات ورأس المال وإلغاء التعديلات على نظام رواتب العاطلين عن العمل".
الحكومة الحالية المتحالفة مع حزب "الراديكال" تعيش مأزقاً أمام تنامي المعارضة اليسارية في المجال الاقتصادي.
فمن جهته أيضا يذهب حزب الشعب الاشتراكي إلى المنحى ذاته الذي يطالب بتطبيق "عدالة اجتماعية".
وصرح مسؤول المجموعة البرلمانية عن الحزب، يوناس دال، أن على "الكتلة الحمراء" (تحالف اليسار البرلماني): "التصدي لمقترحات رئيسة الوزراء شميت حول الموازنة المقترحة"، وأضاف دال في تصريحاته للتلفزيون الدنماركي: "آخر ما نريده هو انتشار الفقر وغياب التوزيع العادل، فهذا أمر خطير على المجتمع الذي لا يجب أن يفقد قيمه في العدالة الاقتصادية والاجتماعية".
ويأتي اتجاه الحكومة لتقليل امتيازات الفقراء عكس اتجاهات الاقتصاد الدنماركي المتنامي، ففي منتصف العام الماضي بيّنت الأرقام التي نشرها البنك الوطني المركزي أن الأصول الدنماركية في الخارج ارتفعت بنحو كبير وبمبلغ يقدر بـ57 مليار كرونة (عشرة مليارات دولار) لتنضم إلى المليارات الأخرى، فيصل الرقم إلى 658 مليار كرونة (نحو مائة مليار دولار).
وتعد صناديق التقاعد الدنماركية أكبر مستثمر في الأسهم والسندات الخارجية، وهو ما يحسب مساهمة في نمو الازدهار الاقتصادي بمائة مليار كرونة كما تظهره أرقام الناتج الوطني. هذا النمو الكبير في الاقتصاد تستشعره كبريات شركات الإعمار الدنماركية، التي باتت تستعين باليد العاملة الأوروبية الشرقية، لتنفيذ مشاريع ضخمة ملحوظة في عدد من المدن.
وأكد خبراء لـ"العربي الجديد" في تصريحات سابقة، أن الدنمارك تحسن اقتصادها بعد أزمة 2008، وذهب هؤلاء للاستدلال على هذا التحسن بالإشارة إلى دخول 22 ألف شخص إلى سوق العمل في العام الماضي.
وبحسب تقدير هؤلاء فإن النمو سيزداد بـ 1.5 في المائة في نهاية النصف الثاني من العام الجاري و2 في المائة في العام المقبل، إضافة إلى انخفاض العجز العام المرتقب للعام الحالي والمقبل إلى أقل من 3 في المائة، بحسب أرقام المفوضية الأوروبية.