لا زالت مذكرة أحزاب المعارضة الأربعة في المغرب: "الاستقلال" و"الأصالة والمعاصرة" و"الاتحاد الاشتراكي" و"الاتحاد الدستوري"، التي تطلب فيها من الملك محمد السادس التحكيم في خلافاتها مع رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، تثير جدلاً دستورياً بشأن مدى مشروعية هذه الخطوة.
وفيما تؤكد الأغلبية الحكومية أن طلب أحزاب المعارضة التحكيم الملكي ضد رئيس الحكومة مرفوض، لأن نص الدستور الجديد يقول إن التحكيم يكون بين مؤسسات وليس بين الأحزاب والحكومة، تعتبر المعارضة بأن طلب التحكيم الملكي له مسوغاته ومنطلقاته الدستورية والسياسية.
واستندت أحزاب المعارضة في طلبها التحكيم الملكي، على تصريحات منسوبة لرئيس الحكومة، قبل أيام، تحدث فيها عن دور الملك المغربي "في مقاومة ضغوطات سياسية كادت تعصف بالحكومة"، على حد تعبيره، وهو ما اعتبرته المعارضة إقحاماً للملك في التنافس السياسي، قبيل الانتخابات المحلية التي ستنطلق في سبتمبر/أيلول المقبل.
مبررات دستورية وسياسية
ويقول القيادي في حزب "الأصالة والمعاصرة"، حكيم بنشماش، إن "طلب التحكيم الملكي له ما يبرره دستورياً وسياسياً، فمن جهة دستورية يشير الفصل العاشر من الدستور إلى المكانة والحقوق التي يخوّلها الدستور للمعارضة البرلمانية، حتى تنهض بمهامها على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية".
ومن جهة سياسية، يضيف بنشماش، فإن "طلب التحكيم يُعزى أساساً إلى كون تصريحات رئيس الحكومة بأن الملك قاوم ضغوطات كادت تسقط الحكومة، توحي للرأي العام المغربي بأن الملك، وهو رئيس الدولة وأعلى سلطة في البلاد، راضٍ عن الحكومة"، مضيفا أن هذا نوع من الاحتماء بالمؤسسة الملكية.
ويعتبر أن "رئيس الحكومة بات ينزع، في الفترة الأخيرة، مع دنو موعد الانتخابات البلدية والمحلية، نحو إقحام اسم الملك بمناسبة ومن دون مناسبة، من دون أن يوقّر المؤسسة الملكية التي تعتبر فوق باقي المؤسسات"، مشيراً إلى أنه "سلوك غير ديمقراطي ومرفوض".
المعارضة التي لجأت إلى التحكيم الملكي ضد تصريحات رئيس الحكومة التي "يُقحم" فيها الملك، أكدت أن هذا التوجّه لبنكيران يضر كثيراً بالاختيار الديمقراطي الذي صار أحد الثوابت السياسية للبلاد التي لا يمكن التراجع عنها، كما يسيء إلى ثقافة تدبير الاختلاف.
اقرأ أيضاً: المعارضة المغربية تطلب "تحكيم" الملك ضد بنكيران
اتهامات بالفشل
وفي الجهة المقابلة، ترى الأغلبية الحكومية أن لجوء المعارضة إلى طلب التحكيم الملكي لا سند دستورياً له، بشهادة محللين وخبراء في القانون الدستوري، واصفة طلب هذه الأحزاب لتحكيم المؤسسة الملكية ضد رئيس الحكومة، بأنه "مؤشر على فشل ذريع منيت به المعارضة".
ويعتبر رئيس المجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الحكومة، سعد الدين العثماني، أن تقديم أحزاب المعارضة مذكرة تتضمّن طلباً للتحكيم الملكي إزاء رئيس الحكومة، يعترضه إشكال دستوري رئيسي يكمن في أن الأحزاب، سواء أغلبية أو معارضة، لا تعتبر مؤسسات.
ويشير العثماني إلى أن الفصل 42 من الدستور الذي صادق عليه المغاربة بأغلبية مطلقة في يوليو/تموز 2011، يتحدث عن كون التحكيم الملكي يكون بين مؤسسات دستورية، مثل الحكومة والبرلمان، بينما هذا التحكيم لا يمكن أن يتم بين مجموعة أحزاب والحكومة، لأنها مجرد تنظيمات سياسية.
ويرى العثماني في طلب التحكيم الملكي من قِبل أحزاب المعارضة، "نوعاً من الهروب السياسي من مناقشة الشأن العام الذي يهم المواطنين المغاربة، فضلاً عن وقوعها في الارتباك أمام ما تحققه الحكومة من إنجازات، وأمام ارتفاع شعبيتها، على الرغم من محاولات المعارضة التشويش على الحكومة".
ويقول الفصل 42 من الدستور إن "الملك هو رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات".
خلافات سياسية
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، عثمان الزياني، أن "لجوء المعارضة البرلمانية إلى طلب التحكيم الملكي مسألة غير دستورية"، موضحاً أن "التحكيم ينطبق على الحالات التي يكون فيها خلاف بين المؤسسات الدستورية للدولة، وليس القصد منها المعارضة والأحزاب".
ويلفت الزياني إلى أن الأحزاب تُعتبر مجرد تنظيمات سياسية لا تنطبق عليها مقتضيات الفصل 42، في حالة نشوب خلاف فيما بينها، مضيفاً أنه "ليس هناك من الناحية الموضوعية ما يتهدد سير المؤسسات الدستورية للدولة، أو تهديد للخيار الديمقراطي للدولة، فهي خلافات سياسية محضة".
ويذهب إلى القول إن "طلب التحكيم من أحزاب المعارضة مسألة مبالغ فيها، وبسلوكها هذا تعطي التحكيم مفهوماً واسعاً، على غرار ما كان معمولاً به في الدساتير السابقة، خصوصاً في ظل الفصل 19، الذي كان يمنح الملك ممارسة التحكيم على مستويات عدة، سواء المؤسسات أو الأشخاص أو الأحزاب السياسية".
ويضيف أن "الفصل 42 من الدستور المغربي حصر التحكيم في مجال ضيق يُعنى بمؤسسات الدولة فقط، من دون أن يشمل الأحزاب السياسية"، مردفاً أن "الأحزاب تُعتبر مجرد منظمات سياسية، وهو المعطى الذي لم تستوعبه جيداً أحزاب المعارضة"، وفق تعبيره.
ويشدد الزياني على أن "أحزاب المعارضة تملك آليات دستورية، مثل ملتمس الرقابة، والأسئلة الشهرية الموجّهة لرئيس الحكومة، ولجان تقصي الحقائق، التي تمكّنها من تدبير صراعاتها السياسية مع الحكومة والأغلبية"، ليخلص إلى أنه "لا مجال للجوء إلى ممارسات غير دستورية ومحاولة تكريسها كعرف خارج النص الدستوري".
اقرأ أيضاً: "اتهامات الصحراء" تهدد علاقات المغرب وإسبانيا