في الوقت الذي لم تجب فيه واشنطن على ثاني استفسار قدّمته حكومة تصريف الأعمال العراقية، برئاسة عادل عبد المهدي، خلال أقل من أسبوع واحد، بشأن منظومة "باتريوت" التي دخلت الخدمة فعلياً منذ نهار الإثنين الماضي في قاعدتي "عين الأسد" و"حرير"، في محافظتي الأنبار وأربيل، غرب وشمالي العراق، يرصد مسؤولون ومراقبون عراقيون الحدث على أنه يتعدى النطاق المحلي للعراق، وقد يكون مرتبطاً بأي مواجهة إيرانية مع الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن إمكانية أن تدخل المنظومة في تأمين الحدود الشمالية للسعودية مع العراق، لمنع سيناريو هجمات صاروخية من داخل العراق أو عبره آتية من إيران، على غرار الهجمات على منشآت "أرامكو" السعودية، العام الماضي، والتي رجحت تقارير وتحقيقات أنها نفّذت عبر العراق.
وكشف موظّف رفيع في مكتب رئيس الوزراء العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة وجّهت استفسارين عاجلين لوزارة الخارجية الأميركية بشأن دخول منظومة "باتريوت" إلى العراق وتفعليها، معتبرةً أنّ الخطوة يجب أن يتم تأطيرها باتفاق جديد ورسمي بين البلدين، كما أنّ استناد واشنطن إلى اتفاقية الشراكة الأمنية الموقعة بين الدولتين منذ عام 2008، في إدخال منظومة "باتريوت" ومعدات حديثة أخرى تدخل ضمن الرصد والاستمكان الجوي، يجب أن يكون مقترناً بإعادة تعديل أو إضافة فقرة على نصّ الاتفاقية.
ولفت الموظّف إلى أنّ الإدارة الأميركية لم تجب الحكومة بهذا الشأن، وهو أسلوب انتهجته واشنطن في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد استقالة عبد المهدي وتحوّل الحكومة إلى تصريف الأعمال. وتحدّث عن وجود اعتقاد يرقى إلى قناعة لدى أوساط سياسية وحتى على مستوى قادة الجيش العراقي ومسؤولين في وزارة الدفاع، بأنّ المنظومة لها هدف أميركي استراتيجي يتخطى العراق. ويربطون ذلك بأنّ المنظومة ستكون قادرة على إحباط أي هجوم إيراني باليستي يستهدف الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إنّ نصب "باتريوت" في الأنبار وأربيل سيمنع أي هجوم من هذا القبيل. كما أنّ المنظومة ستكون قادرة على تغطية جزء كبير من الحدود العراقية السعودية، وبالتالي هناك إمكانية أن تكون درعاً ضدّ أي هجوم صاروخي في حال حصول مواجهة أو هجمات على السعودية شبيهة بالهجوم على منشآت النفط السعودية في سبتمبر/ أيلول الماضي، الذي رصدت بعض التقارير أنه نفّذ بواسطة صواريخ آتية من العراق. وختم الموظف بالقول إنّ "العراق لم يحصل على أي رد سوى عبر مسؤولين في البنتاغون قالوا إنها إجراءات دفاعية لحماية القوات الأميركية وباقي القوات العاملة ضمن التحالف الدولي".
وتغطي المنظومة الجديدة الأجواء العراقية بين خطوط عرض 36، وتحديداً في محافظة أربيل الحدودية مع إيران، حيث تقع قاعدة "حرير"، شرقي المحافظة، وعلى بعد نحو 110 كيلومترات من الحدود الإيرانية، ولغاية خط عرض 33 ضمن محافظة الأنبار، أقصى غرب العراق، على الحدود مع سورية والأردن والسعودية، حيث تقع قاعدة "عين الأسد"، التي تحتضن المنظومة الثانية من صواريخ "باتريوت". وهو ما يعني أنّ الأجواء العراقية أغلقت بشكل شبه كامل تقريباً باستثناء أقصى الجنوب، حيث البصرة وذي قار، البعيدتان أصلاً عن التوتر الحالي.
وأول من أمس، الخميس، أكد شهود عيان في بلدة البغدادي، التي تحتضن قاعدة "عين الأسد"، الواقعة على بعد 180 كيلومتراً غرب بغداد، ضمن محافظة الأنبار، بدء قوات عراقية عملية انتشار واسعة ونصب حواجز على مسافات متباعدة من قاعدة "عين الأسد"، تصل لكيلومترات عدة، فضلاً عن فرضها إجراءات تفتيش عبر نصب نقاط وحواجز عسكرية ضمن قرى وبلدات قريبة منها. وهو ما أكده مسؤول محلي في مجلس ناحية البغدادي سابقاً لـ"العربي الجديد"، الذي قال طالباً عدم ذكر اسمه، إنّ الفرقة السابعة ستتولى تأمين القاعدة وإنشاء أرض حولها ممنوع الدخول إليها لعدة كيلومترات. وهذه الأرض المشار إليها هي عادة تمثل مدى الصواريخ التي تمتلكها المليشيات العراقية، مثل "كاتيوشا" و"غراد".
من جهته، قال النائب عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، محمد البلداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "منظومة باتريوت التي نصبت رغماً عن الحكومة، وبمخالفة لقرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأميركية، هي بالأساس نقطة أمن أخرى للكيان الصهيوني في دولة فلسطين المحتلة". وأضاف "نعتقد أنّ المنظومة ستكون جزءاً من منظومة درع الكيان الصهيوني ومن أجل حمايته وخدمة مصالح أميركية في المنطقة، ولا علاقة لها بمزاعم الولايات المتحدة" حول حماية القوات الأميركية.
وكان عبد المهدي قد أصدر بياناً قبل أيام، أثار جدلاً واسعاً في البلاد، قال فيه إنه يتابع "بقلق المعلومات التي ترصدها قواتنا عن وجود طيران غير مرخص به بالقرب من مناطق عسكرية"، محذراً من أي عملية، ومعتبراً أنّ "القيام بأعمال حربية غير مرخّص بها يعتبر تهديداً لأمن المواطنين، وانتهاكاً للسيادة ولمصالح البلاد العليا".
من جهته، قال الخبير في الشؤون الأمنية العراقية هشام الهاشمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ أهم دلالات نصب منظومات "باتريوت" "تحجيم خطر تهديد الصواريخ البالستية الإيرانية لكل من السعودية وإسرائيل، وبالتالي أصبحت الأجواء العراقية تحت السيطرة والنفوذ الأميركي بشكل كامل، فلا تستطيع إيران المغامرة باستخدام أجواء العراق لعمليات عسكرية ضدّ أهداف إسرائيلية أو سعودية".
وأوضح الهاشمي أنّ "المنظومة قادرة على التعامل مع الصواريخ الإيرانية البالستية بأجيالها الثلاثة المختلفة، ووجودها ضمن خط افتراضي يعتبر مراقبون أنه قد يتجاوز مهمته الرئيسة إلى ما هو أبعد"، في تلميح إلى أي مواجهة إيرانية مع إسرائيل أو إيرانية مع السعودية. وتساءل: "هل تكون القوات الأميركية ملزمة بردع أي هجوم إسرائيلي آخر على الفصائل العراقية، على اعتبار أنّ باتريوت قادرة على الرصد والاستشعار أيضاً كمنظومة رادار، أو بشكل آخر، هل ستكون واشنطن مضطرة للكشف عن هوية القصف الذي ظلّت صفة المجهول ترافقه في المرات الماضية؟".