"قضيتنا: مستشفى الأمراض السرطانية بالجلفة". هذا ما تداولته وسائل تواصل اجتماعية مختلفة في الآونة الأخيرة، ناقلة صرخة أهالي ولاية الجلفة في شمال الجزائر ومطالبتهم بعدم تأجيل إنشاء ذلك المستشفى أكثر، لا سيّما مع تزايد الإصابات بالسرطان في المنطقة واضطرار المرضى إلى تلقّي علاجاتهم في مناطق أخرى وتكبّد مشقّة التنقّل إلى جانب ألم المرض. وقد أطلقت في السياق جمعيات تُعنى بشؤون الصحة وكذلك البيئة في ولاية الجلفة حملات عدّة تهدف إلى دفع السلطات المحلية في اتّجاه إنشاء مشروع مستشفى الأمراض السرطانية، إلى جانب وقف ما عدّته جريمة في حقّ البيئة والصحة على خلفيّة مدبغة للجلود في المنطقة الصناعية تمثّل خطراً على المواطنين وعلى البيئة.
والأصوات التي علت في المنطقة طالبت، بحسب ما يقول الناشط في جمعية حماية البيئة في ولاية الجلفة الدكتور بلخير بلعمراني لـ"العربي الجديد"، "بإيفاد لجان تحقيق وزارية للتحقيق في قضية شائكة تتعلق بصحة المواطن". يضيف أنّ "الجمعيات تحركّت للإحاطة بالملف مستندة إلى تقارير طبية وبيئية، وتوجّهت إلى كلّ من مديرية الصحة ومديرية الفلاحة ومديرية المياه التي لم تحرّك ساكناً حتّى اليوم، مكتفية بإطلاق الوعود، على الرغم من تقارير تُنبئ بكارثة سوف يتحمّل تبعاتها سكان المنطقة". ويؤكّد بلعمراني بدوره أنّ "قضية السكان اليوم هي مستشفى الأمراض السرطانية بالجلفة".
تفيد أرقام غير رسمية بأنّ ولاية الجلفة سجّلت 2976 إصابة بأمراض سرطانية مختلفة في منتصف عام 2019 الجاري، أمّا المصابون فيضطرون إلى الانتقال إلى ولاية البليدة (شمال)، أو ولاية الجزائر العاصمة، كخيار أوّل، وفي حال لم يتمّ التكفّل بهم هناك، يتحوّلون إلى ولاية باتنة (شرق)، وولاية ورقلة (شرق)، كخيار ثان. ويُعِدّ بلعمراني "اضطرار المواطنين المرضى إلى السفر من أجل تلقّي العلاج معاناةً من شأنها أن تفاقم ألم هؤلاء في حين يتحمّلون مضاعفات أدوية العلاج الكيميائي عليهم".
وتعود عملية طرح مناقصة لإنشاء مستشفى متخصص في علاج الأمراض السرطانية إلى عام 2014، وقد خصّصت للمشروع مساحة ستّة هكتارات. كذلك اختيرت مؤسسة لإعداد الدراسات ومخطط المستشفى، وبالفعل تمّ ذلك، غير أنّ كلّ شيء ذهب هباءً مع إطلاق الحكومة الجزائرية سياسة تقشّف أُلغيت بموجبها مختلف المشاريع التي لم تُنجَز أساساتها بعد. بالتالي، عُلّق العمل بكلّ ما يتعلق بذلك المستشفى في الجلفة وجُمّد المشروع. فخابت آمال المرضى وكذلك آمال السكان جميعهم.
واليوم، يتساءل كثيرون: أين المشروع؟ بالتزامن، تُطرَح أسئلة أخرى حول تزايد الإصابات بالسرطان في المنطقة. فتكشف جمعية أصدقاء البيئة في ولاية الجلفة أنّها أصدرت تقارير عدّة مبنيّة على تحاليل مخبرية طبية وأخرى خاصة بتحليل المياه، تفيد بأنّ "مدبغة الهضاب العليا" في الجلفة لا تلجأ إلى محطة معالجة المياه المستخدمة التي تُعَدّ سامة، فتصبّ تلك المياه مباشرة في قنوات الصرف الصحي ومن ثمّ في نهر ملّاح وسط مدينة الجلفة. يُذكر أنّ التقارير نفسها سبق أن نشرها الإعلام المحلي في الولاية واطّلعت عليها مديرية الصحة.
في السياق، يكشف الطبيب المخبري في المستشفى العمومي بالجلفة، عبد القادر لكحل، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المسألة تتعدّى ذلك، وهي تتمثّل في نفايات المصنع التي تنقسم ما بين نفايات صلبة ونفايات سائلة ونفايات غازية، فتشكّل كلها خطراً على البيئة والصحة العامة". ويوضح أنّ "النفايات الصلبة متمثلة في أطنان من بقايا الجلود، والسائلة في المياه المستخدمة المشبعة بالمواد الكيميائية الخطرة، والغازية في الأبخرة الصادرة عن نشاط المدبغة. وتتسبّب الغازات في أمراض تنفسية، منها ما هو سرطاني، عند تبخّرها في الأجواء. أمّا تلك الصلبة والسائلة التي تتسبّب في أمراض مختلفة، لا سيّما السرطانية منها، فتنتقل جزئياتها إلى المياه الجوفية وتختلط مع مياه الأمطار وبذلك تمثّل خطراً في أثناء ريّ المزروعات بالمياه الآسنة وكذلك في خلال استهلاك مياه الشرب الملوّثة.
ويأمل سكّان الجلفة بوضع حدّ لما يعدّونه "جريمة بيئية وصحية". هم يدركون أنّ إنشاء مستشفى لعلاج الأمراض السرطانية لا يعني أنّ المرض سوف يتوقّف، بل المطلوب وضع حلّ للمدبغة، وإلا فإنّهم سوف يدورون في حلقة مفرغة. فقد كشفت مصادر طبيّة أنّ تقارير مختلفة كشفت عن خلاصة واحدة وهي تأثير نفايات مدبغة الجلود على صحّة المواطنين، الأمر الذي بقي مهملاً لسنوات طويلة، منذ عام 1997 تحديداً، فيما تحوّل نهر ملّاح إلى مصبّ للمياه الصناعية غير المعالجة.