قبل 56 عاماً، في مثل هذا اليوم، وقعت في العاصمة الفرنسية تلك المجزرة التي ما زالت ماثلة في الذاكرة والتي تُصنّف في سياق حرب الجزائر (1954- 1962) والتي راح ضحيّتها متظاهرون جزائريون
في فرنسا، عند السؤال عن ذكرى 17 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1961، لن تجد الجواب لدى الشباب المغاربيين ولا الفرنسيين من أصول مغاربية. لكنّ الأمر يختلف حين يُوجَّه السؤال نفسه إلى متقاعدين مغاربيين يقيمون في مساكن جماعية لكبار السنّ، إذ تشعر من ردود فعلهم بأنّ الجريمة حدثت في الأمس وليس قبل 56 عاماً.
موحند جزائري من منطقة القبايل، يقول: "صحيح أنّني أتيت إلى فرنسا بعد الاستقلال، لكنّ رفاقي الذين عاشوا المجزرة وحكوا لي مجرياتها مرّات ومرّات، جعلوني أتصوّر نفسي وكأنّني شهدتها بعينَيّ. هي صدمة كبيرة أن يعرف المرء، خصوصاً الجزائري، أنّ الشرطة كانت تلقي بالمتظاهرين في نهر السين ولا تكترث لجثث تطفو على سطح الماء".
وككلّ عام، يحيي الجزائريون، ومعهم العرب وعدد كبير من الفرنسيين، هذه الذكرى المؤلمة، ذكرى 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، بكثير من الألم والمرارة. في ذلك العام، ارتكبت الحكومة الفرنسية جريمة مروّعة بحقّ جزائريين أرادوا التظاهر استجابة لنداء وجّهته جبهة التحرير الوطنية لهم. يُذكر أنّهم لم يكونوا وحدهم، بل إلى جانبهم مغاربة وتونسيون. في ذلك اليوم، تظاهر عشرات آلاف الجزائريين في شوارع باريس احتجاجاً على حظر التجوّل الذي فرضه قائد شرطة باريس آنذاك موريس بابون، فكان الردّ من خلال القمع وإطلاق الرصاص.
منذ استقلال الجزائر قبل 55 عاماً وحتى يومنا، ما زال الأمل في معرفة حقيقة ما جرى. كذلك، وبحسب ما يقول الكاتب علي بوكبوس: "لم تتوقف المناشدات التي وُجّهت لمختلف رؤساء الجمهورية الفرنسية لاتخاذ موقف شجاع ممّا جرى، على غرار مواقف شجاعة كثيرة اتخذها رؤساء جمهورية فرنسيون إزاء الجرائم التي تعرّض لها اليهود في فرنسا. لكنّ الحسابات السياسية ليست في صالح إظهار الحقيقة في الوقت الراهن، على أقلّ تقدير".
وكان الأمل معقوداً قبل خمسة أعوام، مع وصول الرئيس فرانسوا هولاند إلى السلطة، بسبب بعض صداقاته الجزائرية المعلنة. لكنّه خيَّب الآمال. واليوم، الأمل معقود على الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون. فبناءً على الدينامية التي أثارتها تصريحات الأخير في الجزائر في فبراير/ شباط الماضي - كان لا يزال مرشحاً للرئاسة - إذ رأى أنّ الاحتلال الفرنسي للجزائر جريمة ضد الإنسانية، وبناءً على الوعد الذي قطعه أمام إدارة موقع ميديا بارت الإخباري باتخاذ إجراءات صارمة حول تلك المرحلة من تاريخ فرنسا، ومن أجل معرفة موقفه المُحدَّد من "جرائم الدولة" خصوصاً ما تعرّض له الجزائريون في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، وجّهت مجموعة من الجمعيات الحقوقية من قبيل "الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب" و"رابطة حقوق الإنسان" و"جمعية 17 أكتوبر ضد النسيان" وغيرها، رسالة مفتوحة إلى ماكرون عبّرت خلالها عن رغبة في لقائه.
وجاء في الرسالة الموجّهة للرئيس ماكرون أنّ عدداً من الجمعيات التي تبحث عن الحقيقة قرّرت بمناسبة مرور 56 عاماً على هذا الجريمة، "وضع لوحة تذكارية رمزية مكتوب عليها: إحياءً لذكرى مئات الجزائريين الذين قُتلوا أثناء تظاهرات سلمية يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 من قبل رجال شرطة يعملون تحت سلطة قائد الشرطة موريس بابون. الاعتراف بجريمة الدولة". وتشدّد الرسالة على إظهار "الحقيقة والعدالة"، لذا تنتظر من رئيس الجمهورية أن "يؤكّد باسم فرنسا، وعبر بادرة رمزية، الاعتراف وإدانة جريمة الدولة تلك".
وقد ختمت الجمعيات رسالتها قائلة: على فرنسا الاعتراف بمسؤوليتها في الاعتقالات العشوائية أثناء حرب الجزائر التي استهدفت جزائريين في مخيمات، وأن تفتح الأرشيف بطريقة فعليّة أمام الجميع من مؤرّخين ومواطنين، وأن تشجّع البحث التاريخي في إطار فرنسي - جزائري ودولي ومستقل.
اقــرأ أيضاً
وكما في كلّ عام، كانت دعوة للتجمّع اليوم في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري في تمام الساعة السادسة مساء على جسر سان ميشال في باريس. وهي فرصة دائمة لإحياء الذكرى المؤلمة، ولإتاحة المجال أمام متحدثين عن أحزاب يسارية وجمعيات حقوقية ومثقفين ومؤرخين لإعادة التأكيد على ضرورة قول كلّ الحقيقة حول ما جرى، لا سيّما تحديد درجات المسؤولية وكذلك تحديد عدد الشهداء الذين قضوا. ويشير في السياق المؤرّخ يوسف بوسوماح إلى أنّ "الفرق شاسع بين عشرات القتلى مثلما تقول الرواية الفرنسية الرسمية وبين 200 أو 300 شهيد وأكثر مثلما تقول روايات الطرف الآخر". ويوضح بوسوماح أنّ فتح الأرشيف الذي ما زالت السلطات الفرنسية تختمه بالشمع الأحمر، "من شأنه أن يساهم في إظهار بعض من الحقيقة، وليس كل الحقيقة. لأنّ الأمر، في النهاية، يحتاج إلى عمل تأريخي طويل". ويشدّد على أنّ "البحث عن الحقيقة لن يكون سهلاً، لأنّ الطبقة السياسية الفرنسية، حينها، مثلما تعبّر عنها صحفها، كانت إمّا ضالعة أو متواطئة أو خائفة من الرقيب، ولا دلالة أوضح من عناوين تلك الصحف بعد المجزرة".
صحيفة "لوبارزيان ليبيري" (Le Parisien Libéré) على سبيل المثال، عنونت حينها: تظاهرات شمال - أفريقية عنيفة مساء أمس في باريس". وقد جاء في تقرير الصحيفة الفرنسي أنّ "إجراءات بابون القاضية بحظر التجوّل ليلاً لم يكن هدفها سوى تسهيل مكافحة الإرهاب. لكنّ المشاغبين والقتلة كانت لديهم فرصة رائعة للتظاهر فلم يُفرّطوا بها، وجلبوا معهم 15 ألفاً من الشمال - أفريقيين، ومنهم نساء وأطفال، وتدفّقوا نحو وسط العاصمة وضاعفوا التجاوزات والصرخات المعادية". وبعد يومَين من المجزرة، كتبت الصحيفة نفسها أنّ "ثمّة معلومات عن تعليمات جديدة يُحتمل أن يكون زعماء إرهابيون قد أصدروها: هجمات كوماندوس ضدّ رجال الشرطة". كذلك، يشير بوسوماح إلى موقف "لوفيغارو" التي رأت في ما جرى: "تظاهرت عنيفة للمسلمين الجزائريين في باريس، يوم أمس".
أما الأمر من جهة اليسار، فلم يكن بحسب ما يقول بوسوماح "مثلما تتمنّى جبهة التحرير الوطني الجزائرية والذين تظاهروا تلبية لنداءاتها. فالشيوعيون الفرنسيون كانوا يرون أسبقيّة النضال الطبقي على النضال الوطني التحرري. ومن هنا، جاء موقف صحيفة لومانيتيه (L'Humanité) الشيوعية خجولاً. وكتبت في اليوم التالي: آخر الأخبار تتحدّث عن قتيلَين. لكنّ الرقم بالتأكيد سوف يكون مرتفعاً، ويوجد عدد كبير من الجرحى، أمّا الاعتقالات فتُعدّ بالآلاف".
وينصح بوسوماح بقراءة الصحف اليسارية والإنسانية المسيحية المستقلة في تلك الفترة، لمعرفة المواقف والحقائق المختلفة. "فصحيفة ليبراسيون كانت قد كتبت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام عن الوضع السيّئ لستة آلاف وثلاثمائة جزائري في المعتقلات، مشيرة إلى أنّهم: يُساقون مثلما تساق الحيوانات، ولا يتناولون إلا حصّة واحدة من الطعام يتقاسمها 12 شخصاً".
من جهته، يأسف عالم الاجتماع الفرنسي - الجزائري قدور زويلاي لأنّ "الحكومات الجزائرية المتعاقبة نفسها لم تبدِ جديّة لمعرفة الحقيقة، ليس فقط حول ما وقع في باريس في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، بل كذلك حول نقاط عدّة من تاريخ الصراع الفرنسي - الجزائري التي ما زال يلفّها الغموض". يضيف متسائلاً: "لماذا لا يُعَدّ إظهار الحقيقة حول تاريخنا شرطاً من شروط علاقة طبيعية مع الجار الفرنسي"؟
وفي انتظار لفتة من قبل ماكرون، يعترف فيها بمسؤولية الدولة الفرنسية إزاء ما جرى، وفي انتظار فتح الأرشيف الذي قد يبيّن أشياءً تهمّ المؤرّخين، لا يبدو العجوز الجزائري رابح معوّلاً على ذلك. يقول بحزن: "وصلت إلى فرنسا في عام 1962، وأقمت وما زلت في حيّ نانتير، وهو الحيّ نفسه من الضاحية الباريسية الذي شهد تدفّق ساكنيه من الجزائريين للتظاهر. لو كنت موجوداً، ربما كنت شاركت وربما كنت من الذين ألقي بهم في نهر السين وقضيتُ. من يدري؟ في كلّ الأحوال، أشارك منذ سنوات في هذا اللقاء وأستمع إلى الخطب، وبسبب سنّي المتقدّمة لا أنتظر شيئاً. وجودي هو تعبير عن وفاء لروح الشهداء".
اقــرأ أيضاً
في فرنسا، عند السؤال عن ذكرى 17 أكتوبر/ تشرين الأوّل 1961، لن تجد الجواب لدى الشباب المغاربيين ولا الفرنسيين من أصول مغاربية. لكنّ الأمر يختلف حين يُوجَّه السؤال نفسه إلى متقاعدين مغاربيين يقيمون في مساكن جماعية لكبار السنّ، إذ تشعر من ردود فعلهم بأنّ الجريمة حدثت في الأمس وليس قبل 56 عاماً.
موحند جزائري من منطقة القبايل، يقول: "صحيح أنّني أتيت إلى فرنسا بعد الاستقلال، لكنّ رفاقي الذين عاشوا المجزرة وحكوا لي مجرياتها مرّات ومرّات، جعلوني أتصوّر نفسي وكأنّني شهدتها بعينَيّ. هي صدمة كبيرة أن يعرف المرء، خصوصاً الجزائري، أنّ الشرطة كانت تلقي بالمتظاهرين في نهر السين ولا تكترث لجثث تطفو على سطح الماء".
وككلّ عام، يحيي الجزائريون، ومعهم العرب وعدد كبير من الفرنسيين، هذه الذكرى المؤلمة، ذكرى 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، بكثير من الألم والمرارة. في ذلك العام، ارتكبت الحكومة الفرنسية جريمة مروّعة بحقّ جزائريين أرادوا التظاهر استجابة لنداء وجّهته جبهة التحرير الوطنية لهم. يُذكر أنّهم لم يكونوا وحدهم، بل إلى جانبهم مغاربة وتونسيون. في ذلك اليوم، تظاهر عشرات آلاف الجزائريين في شوارع باريس احتجاجاً على حظر التجوّل الذي فرضه قائد شرطة باريس آنذاك موريس بابون، فكان الردّ من خلال القمع وإطلاق الرصاص.
منذ استقلال الجزائر قبل 55 عاماً وحتى يومنا، ما زال الأمل في معرفة حقيقة ما جرى. كذلك، وبحسب ما يقول الكاتب علي بوكبوس: "لم تتوقف المناشدات التي وُجّهت لمختلف رؤساء الجمهورية الفرنسية لاتخاذ موقف شجاع ممّا جرى، على غرار مواقف شجاعة كثيرة اتخذها رؤساء جمهورية فرنسيون إزاء الجرائم التي تعرّض لها اليهود في فرنسا. لكنّ الحسابات السياسية ليست في صالح إظهار الحقيقة في الوقت الراهن، على أقلّ تقدير".
وكان الأمل معقوداً قبل خمسة أعوام، مع وصول الرئيس فرانسوا هولاند إلى السلطة، بسبب بعض صداقاته الجزائرية المعلنة. لكنّه خيَّب الآمال. واليوم، الأمل معقود على الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون. فبناءً على الدينامية التي أثارتها تصريحات الأخير في الجزائر في فبراير/ شباط الماضي - كان لا يزال مرشحاً للرئاسة - إذ رأى أنّ الاحتلال الفرنسي للجزائر جريمة ضد الإنسانية، وبناءً على الوعد الذي قطعه أمام إدارة موقع ميديا بارت الإخباري باتخاذ إجراءات صارمة حول تلك المرحلة من تاريخ فرنسا، ومن أجل معرفة موقفه المُحدَّد من "جرائم الدولة" خصوصاً ما تعرّض له الجزائريون في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، وجّهت مجموعة من الجمعيات الحقوقية من قبيل "الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب" و"رابطة حقوق الإنسان" و"جمعية 17 أكتوبر ضد النسيان" وغيرها، رسالة مفتوحة إلى ماكرون عبّرت خلالها عن رغبة في لقائه.
أزهار على السين في ذكرى المجزرة (الأناضول) |
وجاء في الرسالة الموجّهة للرئيس ماكرون أنّ عدداً من الجمعيات التي تبحث عن الحقيقة قرّرت بمناسبة مرور 56 عاماً على هذا الجريمة، "وضع لوحة تذكارية رمزية مكتوب عليها: إحياءً لذكرى مئات الجزائريين الذين قُتلوا أثناء تظاهرات سلمية يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 من قبل رجال شرطة يعملون تحت سلطة قائد الشرطة موريس بابون. الاعتراف بجريمة الدولة". وتشدّد الرسالة على إظهار "الحقيقة والعدالة"، لذا تنتظر من رئيس الجمهورية أن "يؤكّد باسم فرنسا، وعبر بادرة رمزية، الاعتراف وإدانة جريمة الدولة تلك".
وقد ختمت الجمعيات رسالتها قائلة: على فرنسا الاعتراف بمسؤوليتها في الاعتقالات العشوائية أثناء حرب الجزائر التي استهدفت جزائريين في مخيمات، وأن تفتح الأرشيف بطريقة فعليّة أمام الجميع من مؤرّخين ومواطنين، وأن تشجّع البحث التاريخي في إطار فرنسي - جزائري ودولي ومستقل.
صحيفة "لوبارزيان ليبيري" (Le Parisien Libéré) على سبيل المثال، عنونت حينها: تظاهرات شمال - أفريقية عنيفة مساء أمس في باريس". وقد جاء في تقرير الصحيفة الفرنسي أنّ "إجراءات بابون القاضية بحظر التجوّل ليلاً لم يكن هدفها سوى تسهيل مكافحة الإرهاب. لكنّ المشاغبين والقتلة كانت لديهم فرصة رائعة للتظاهر فلم يُفرّطوا بها، وجلبوا معهم 15 ألفاً من الشمال - أفريقيين، ومنهم نساء وأطفال، وتدفّقوا نحو وسط العاصمة وضاعفوا التجاوزات والصرخات المعادية". وبعد يومَين من المجزرة، كتبت الصحيفة نفسها أنّ "ثمّة معلومات عن تعليمات جديدة يُحتمل أن يكون زعماء إرهابيون قد أصدروها: هجمات كوماندوس ضدّ رجال الشرطة". كذلك، يشير بوسوماح إلى موقف "لوفيغارو" التي رأت في ما جرى: "تظاهرت عنيفة للمسلمين الجزائريين في باريس، يوم أمس".
أما الأمر من جهة اليسار، فلم يكن بحسب ما يقول بوسوماح "مثلما تتمنّى جبهة التحرير الوطني الجزائرية والذين تظاهروا تلبية لنداءاتها. فالشيوعيون الفرنسيون كانوا يرون أسبقيّة النضال الطبقي على النضال الوطني التحرري. ومن هنا، جاء موقف صحيفة لومانيتيه (L'Humanité) الشيوعية خجولاً. وكتبت في اليوم التالي: آخر الأخبار تتحدّث عن قتيلَين. لكنّ الرقم بالتأكيد سوف يكون مرتفعاً، ويوجد عدد كبير من الجرحى، أمّا الاعتقالات فتُعدّ بالآلاف".
وينصح بوسوماح بقراءة الصحف اليسارية والإنسانية المسيحية المستقلة في تلك الفترة، لمعرفة المواقف والحقائق المختلفة. "فصحيفة ليبراسيون كانت قد كتبت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام عن الوضع السيّئ لستة آلاف وثلاثمائة جزائري في المعتقلات، مشيرة إلى أنّهم: يُساقون مثلما تساق الحيوانات، ولا يتناولون إلا حصّة واحدة من الطعام يتقاسمها 12 شخصاً".
تبكي غالياً قضى في تلك المجزرة (مصطفى سفغي/ الأناضول) |
من جهته، يأسف عالم الاجتماع الفرنسي - الجزائري قدور زويلاي لأنّ "الحكومات الجزائرية المتعاقبة نفسها لم تبدِ جديّة لمعرفة الحقيقة، ليس فقط حول ما وقع في باريس في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، بل كذلك حول نقاط عدّة من تاريخ الصراع الفرنسي - الجزائري التي ما زال يلفّها الغموض". يضيف متسائلاً: "لماذا لا يُعَدّ إظهار الحقيقة حول تاريخنا شرطاً من شروط علاقة طبيعية مع الجار الفرنسي"؟
وفي انتظار لفتة من قبل ماكرون، يعترف فيها بمسؤولية الدولة الفرنسية إزاء ما جرى، وفي انتظار فتح الأرشيف الذي قد يبيّن أشياءً تهمّ المؤرّخين، لا يبدو العجوز الجزائري رابح معوّلاً على ذلك. يقول بحزن: "وصلت إلى فرنسا في عام 1962، وأقمت وما زلت في حيّ نانتير، وهو الحيّ نفسه من الضاحية الباريسية الذي شهد تدفّق ساكنيه من الجزائريين للتظاهر. لو كنت موجوداً، ربما كنت شاركت وربما كنت من الذين ألقي بهم في نهر السين وقضيتُ. من يدري؟ في كلّ الأحوال، أشارك منذ سنوات في هذا اللقاء وأستمع إلى الخطب، وبسبب سنّي المتقدّمة لا أنتظر شيئاً. وجودي هو تعبير عن وفاء لروح الشهداء".