وجاء هذا الانتصار بعد تمكّن المقاتلين من السيطرة على الحواجز العسكرية للنظام من الجهة الشمالية، والتسلل إلى المدينة والسيطرة على حواجز النمر والأمن السياسي والمدرسة والبرج. أسقطت المعارضة 18 حاجزاً، مهّدت من خلالها لفتح الطريق إلى داخل المدينة، وإدخال الأرتال العسكرية وتأمينها بشكل كامل، بعد قتل وجرح العشرات من جنود النظام السوري، الذين فرّ معظمهم إلى قرية جورين في سهل الغاب.
ولمدينة جسر الشغور أهمية جغرافية وميدانية كبيرة، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 150 ألف نسمة، وتضمّ خليطاً طائفياً ودينياً متنوعاً، بينهم قرابة عشرة آلاف مسيحي. وتُعدّ المدينة استراتيجية جداً لقوات النظام، بسبب موقعها الجغرافي كموقع متوسط بين الساحل السوري ومحافظة إدلب، وأضحت الآن استراتيجية أكثر لقوات المعارضة السورية، وستتيح لعناصرها محاصرة كافة القطع العسكرية المتبقية لقوات النظام في معسكري القرميد والمسطومة وجبل الأربعين وأريحا، فضلاً عن منطقتي كفريا والفوعة، المحاصرتين أصلاً، ما يمهّد لإعلان السيطرة على محافظة إدلب بالكامل.
كما ستُشكّل المدينة الخطر الأكبر على النظام في معقله الأساسي الأبرز في الساحل السوري، فبعد أن كانت خزاناً عسكرياً وبشرياً له لتأمين الساحل وضرب قوات المعارضة من الخلف، تحوّلت إلى خزان عسكري.
وقد تتحوّل إلى منطقة بشرية آمنة لصالح المعارضة، في حال إقامة منطقة حظر جوي فوق الأراضي السورية المحررة، ويتمكن عبرها آلاف اللاجئين السوريين في تركيا من العودة إليها. كما يُمكن للمعارضة السورية اعتبار جسر الشغور من المناطق التي يُمكن الاستناد إليها في أي معركة في الشمال أو الساحل، خصوصاً لناحية طرق الإمداد، إذ تبعد المدينة عن القرداحة، معقل الرئيس السوري بشار الأسد، نحو 30 كيلومتراً، ناهيك عن أن سيطرة المقاتلين على المدينة، تعني فصل محافظة إدلب عن محافظة اللاذقية بالنسبة للنظام.
وتُشير المعطيات القائمة إلى أهمية التوحّد القائم بين قوات المعارضة السورية، فبعد نجاح التجربة الأولى لـ"جيش الفتح" في مدينة إدلب، توحّدت الجهود العسكرية لقوات المعارضة عبر ثلاث محافظات في إدلب وحماة واللاذقية. ويعكس هذا طبيعة النضج الذي وصلت إليه هذه القوات في حربها ضد النظام السوري منذ ما يزيد على الثلاث سنوات.
اقرأ أيضاً: قوات المعارضة السورية تبدأ معركة فصل إدلب عن اللاذقية
وتعمل قوات المعارضة على إطباق الحصار على النظام وإحكام منافذ التضييق عليه من إدلب شرقاً، إلى حماة في الوسط، واللاذقية غرباً، وقطع طرق الإمداد التي كان النظام يحاول الحصول عليها من الخزان البشري الموالي له في ريف حماة الشمالي، بعد معركة سهل الغاب، التي أطلقتها فصائل المعارضة بالتوازي مع معارك القرميد والمسطومة وجسر الشغور.
كما يعتبر عامل "السرعة" العنصر الأبرز في حسم معركة جسر الشغور، اذ لم تعط المعارضة فرصة لقوات النظام للمّ شملها، والتقاط أنفاسها وتجميع قواتها وإعادة انتشارها والردّ على خسارة مدينة إدلب. وجاء الهجوم خاطفاً ومربكاً لجيش النظام، المُنهك من معركة إدلب، والمستنزف من معارك الساحل المستمرة منذ ثلاث سنوات.
وامتد خط الاشتباك من منطقة نبع المرّ قرب الحدود السورية التركية شمالاً، بالقرب من مدينة كسب، وصولاً إلى مناطق المواجهة في محمية وغابات الفرنلق ومناطق زاهية وبيت أبلق وربيعة في جبال التركمان. كما شمل المناطق الجبلية والتلال القريبة من منطقة القسطل وسلمى ودورين في منطقة جبال الأكراد، وصولاً إلى قمة النبي يونس الاستراتيجية، التي تسيطر عليها قوات النظام السوري، والتي تعتبر أعلى قمم جبال اللاذقية، وترتفع 1537 متراً عن سطح البحر.
وفي السياق، تحدث شهود عيان في مدينة اللاذقية، رفضوا الكشف عن أسمائهم، لـ"العربي الجديد"، عن "حالة توتر تسيطر على عناصر قوات النظام المنتشرين على الحواجز الأمنية والعسكرية في المدينة، مع زيادة الإجراءات الأمنية عليها، ورفع الجاهزية والانتشار على الأطراف، بعد سيطرة المعارضة على جسر الشغور، التي أذابت خط دفاع قوات النظام الأخير عن مناطق سيطرتها في الساحل السوري".
وعلى المستوى الإعلامي أيضاً، كان لافتاً التنظيم والتكتم الإعلامي على المعارك، فبخلاف صفحات رسمية على موقع "تويتر"، يتم من خلالها تأكيد السيطرة على حواجز ومواقع عسكرية أو نفيها، لم يكن هناك تسريبات تُذكر كما حصل في معارك سابقة، سبّبت خسارة لقوات المعارضة.
وبعد نشر معظم الوسائل العربية والدولية خبر السيطرة على معسكر القرميد، جنوبي إدلب، ذكرت صفحة "جيش الفتح"على موقع "تويتر"، والذي يمثل اتحاد كبرى فصائل المعارضة في ريف إدلب، أن "المجاهدين في جيش الفتح يتقدمون بخطى كبيرة ويسيطرون على أجزاء واسعة في محيط معمل القرميد، لكن لا صحة للأنباء التي تتحدث عن السيطرة عليه بالكامل.
سياسياً، لا يُمكن فصل ما حدث ميدانياً عن الواقع السياسي، وتداعيات مؤتمر "جنيف 3"، فبعد انطلاق "عاصفة الحزم" في اليمن، بقيادة السعودية لضرب الحوثيين هناك، تغيّر الوضع العسكري سوريّاً، في درعا والقلمون وحلب وإدلب.
ويُمكن اعتبار انتصار جسر الشغور، انتصاراً سياسياً للمعارضة السورية، مع اقتراب جلسة المفاوضات الخاصة بجنيف 3 في الرابع من شهر مايو/ أيار المقبل، في ظل إعلان الأمم المتحدة أن "أطرافاً لها صلات بتنظيمي داعش وجبهة النصرة، ستكون من ضمن المدعوين إلى طاولة المفاوضات، وضمن نشاط المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا"، الذي يعتزم إجراء محادثات منفردة، منخفضة المستوى مع كل الأطراف الرئيسيين في فترة تراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع.
ويرى نائب هيئة الأركان السابق في الجيش السوري الحر، العقيد هيثم عفيسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذا الدرس واضح للجميع، فعندما نضع يداً بيد، نتغلّب على هذا النظام ونحرر بلادنا". وطلب عفيسي من "جميع الفصائل في المحافظات أن تحذو حذو ثوار إدلب ودرعا بالتوحّد".
وأوضح القيادي العسكري، المتحدر من إدلب، أنهم "قادرون على فرض الحل العسكري، ولقد تم قطع خطوط إمداد النظام، وبتنا على مشارف معقل النظام في اللاذقية، ولن نتراجع حتى نصل إلى مواقع النظام في القرداحة، ومن هناك سيبدأ بالسقوط وصولاً إلى دمشق". من جانبه، أشاد "الائتلاف الوطني" المعارض بـ"البطولات التي يسطرها الثوار وبانتصاراتهم المستمرة في محافظتي حماة وإدلب".
وسبق أن عانت مدينة جسر الشغور من إهمال النظام السوري لها منذ فترة حكم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، مثلها مثل معظم مناطق محافظة إدلب، بالإضافة إلى أن المدينة كان لها نصيب أكبر من الإهمال بسبب نشاط "الإخوان المسلمين" فيها في فترة الثمانينات. وتعرّضت لمجازر من الأسد الأب، وشُرّد أبناؤها في العام 1980 أثناء الحملة التي قادها رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد ضد "الإخوان".
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تسيطر على جسر الشغور بريف إدلب