عاد موضوع الجمعيات التي تحوم حولها شبهة الإرهاب، والتي لها صلة بالجماعات التكفيرية إلى سطح الأحداث مجدداً في تونس، حيث أثيرت تساؤلات عدة عن مدى قدرة الحكومة التونسية على مراقبة الجمعيات والوقوف على النقائص التي تسبب فيها المرسوم 88 الخاص بالجمعيات.
ومن المنتظر أن تتخذ الحكومة في القريب العاجل إجراءات جديدة تتعلق بتنقيح المرسوم 88 للحد من غسل وتبييض الأموال ووضع حدّ لعلاقة الجمعيات التونسية بالجماعات الإرهابية.
وقال الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف العلاقةَ مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، كمال الجندوبي، على هامش ورشة عمل في تونس مع الجمعيات الناشطة في مجال حقوق الإنسان، إنه تم إحصاء 157 جمعية تحوم حولها شبهة الإرهاب والعلاقة بجماعات تكفيرية، وتعليق نشاط 80 جمعية والتنبيه على 83 جمعية أخرى بتسوية وضعيتها القانونية، إضافة إلى حل عدد آخر من الجمعيات بقرار قضائي.
وأكدّ الجندوبي أن تعامل الحكومة مع الجمعيات التي تحوم حولها شبهة الإرهاب أو ثبت تورطها في أعمال إرهابية أو تربطها علاقات مع جماعات تكفيرية تهدد أمن البلاد ينظمه القانون. مشيراً إلى التدرج في التعامل معها من مرحلة التنبيه بتسوية الوضعية إلى مرحلة تعليق النشاط، في غضون شهر من التنبيه الأول، إلى حلها نهائياً بمقتضى قرار قضائي.
من جهته، أوضح المستشار القانوني المشرف على ورشة مكافحة الفساد، عبد الجواد الحرازي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ ملف الجمعيات الخارجة على القانون والتي تحوم حولها شبهات يسهر عليه قاضي مختص لدى الحكومة يعنى بمراقبة ومتابعة هذه الجمعيات.
ولفت الحرّازي إلى أنّه تم إحصاء 115 جمعية تكونت بصفة قانونية و42 مكونة غير قانونية وأن هناك 83 جمعية وجهت إليها الإدارة المكلفة بالجمعيات في رئاسة الحكومة تنبيهاً في الغرض و83 أخرى تم تعليق نشاطها.
وأشار إلى أنه تم تعليق نشاط 41 جمعية، وتوجيه ملفاتها إلى هيئة الرقابة العامة، كما تم الإذن بحلّ 6 جمعيات قضائياً، مضيفاً أن هناك تعاوناً كبيراً بين الحكومة والجمعيات من حيث الإنصات إليهم والوقوف على مشاغلهم.
وقال الحرّازي، إنّ هناك مشروعاً جديداً يتم العمل عليه ويهدف إلى تنقيح المرسوم عدد 88 الخاص ببعث الجمعيات، نظراً إلى النقائص الكبيرة التي احتواها هذا المرسوم وذلك لمنع غسل وتبييض الأموال وارتباط الجمعيات بالإرهاب.
بدوره، كشف رئيس "الجمعية التونسية لمكافحة الفساد"، إبراهيم الميساوي، لـ"العربي الجديد"، أن عدد الجمعيات المشبوهة أكبر من الرقم المصرح به، وقد تكون في حدود 250 جمعية وفق تقديراتهم.
وأضاف الميساوي، أنّه في ظل وجود أكثر من 18 ألف جمعية تنشط في تونس فإن الجمعيات الخارجة على القانون أكثر بكثير من الأرقام الرسمية.
وأشار إلى أنّه لا يمكن في الحقيقة للحكومة مراقبة كل الجمعيات الموجودة، نظراً لأعدادها الكبيرة، ولأن عدد أعوان الدولة المكلفين الرقابةَ محدود، ويكاد يعدّ على أصابع اليد وبالتالي لا يمكنهم القيام بالرقابة اللازمة والضرورية.
وانتقد الميساوي المرسوم عدد 88 والذي مكّن الجمعيات من الخروج من طور الترخيص إلى مجرد الإعلام والتصريح بالوجود، وهو ما ساهم في زيادة عدد الجمعيات بشكل كبير جداً، مطالباً بضرورة وجود آليات رقابية إضافية لمنع تبييض الأموال وغسلها وتمويل المجموعات الإرهابية.
واعتبر أنهم ينتظرون الكشف عن معطيات جديدة فيما يخص الجمعيات المشبوهة ومآل القضايا التي رفعت بشأنهم وليس إعادة معطيات تم ذكرها منذ حكومة المهدي جمعة، لافتاً إلى أن أغلب الجمعيات التي تحوم حولها شبهات ولها صلة بالإرهاب عادة ما تكون في شكل جمعيات خيرية، وأن معظمها يعمل على استقطاب الشباب والقيام بأنشطة دعوية بالقرب من المساجد.
وثمّن الميساوي الخطوات التي قام بها البنك المركزي لمراقبة التحويلات البنكية للجمعيات، حيث يتم إعلام لجنة التحاليل العمومية بالتحويلات وتجميدها الوقتي إذا اقتضى الأمر ذلك ثم القيام بتوجيه إنذار واستجواب إذا كانت هناك شبهات أو توفرت معطيات قد تدين الجمعية ثم إحالة الملف على القضاء.
كما أكدّ الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي"، محمد عبو، لـ"العربي الجديد"، أنّ الدولة ليست لها رغبة جدية في مراقبة الجمعيات، وخصوصاً التمويلات وهو ما ينطبق، أيضاً، على الأحزاب.
وأشار إلى أنّ وجود إدارة عامة في رئاسة الحكومة تعنى بملف الجمعيات وتضم 8 موظّفين، فقط، يسهرون على تتبع آلاف الجمعيات أمر لا يستقيم ودليل على غياب الإرادة في المراقبة، موضحاً أن "المطلوب أن يتم توسيع الإدارة العامة المكلفة بالجمعيات لكي تتمكن من القيام برقابة جدية وأن يكون عملها أسرع".
اقرأ أيضاً: المعارضة التونسية أمام تحدي قانونيْ "المصالحة" و"مكافحة الإرهاب"