واستقبلت محافظة مأرب، وسط اليمن، يوم الثلاثاء الماضي، الأخ غير الشقيق لصالح، أحد الرموز العسكرية في أسرته ونظامه في العقود الماضية، إذ كان قائداً لقوات الحرس الجمهوري حتى العام 1998، وتوارى لسنوات خارج البلاد بعد الإطاحة به من منصبه من قبل صالح، وتعيينه ملحقاً عسكرياً لسفارة اليمن في واشنطن، في ملابسات تتحدث بعض المصادر السياسية عن أنها كانت في ظلّ خلافات بين الرجلين، قبل أن يعود اسمه إلى الحضور منذ العام 2011، بتسريبات عن دور يلعبه ضمن قوات الحرس الجمهوري (سابقاً)، من دون أن يتسلّم منصباً عسكرياً واضحاً أو يبرز له دور واضح خلال الحرب الدائرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
وتفيد مصادر قريبة من حزب المؤتمر لـ"العربي الجديد"، أن علي صالح الأحمر يمثّل إحدى الشخصيات العسكرية المهمة، بالنسبة لقوات الحرس الجمهوري، ويتمتّع بخبرة وعلاقات في الأوساط العسكرية التي كانت قريبة من صالح، وكذلك بالنسبة لنفوذه في المناطق المحيطة بصنعاء وخارطتها القبيلة. وقد انتقل إلى مأرب متنقلاً عبر المناطق الريفية المحيطة بصنعاء، وصولاً إلى مناطق قبلية هناك، قبل أن يتم استقباله في مركز المحافظة من قبل قيادات عسكرية. وتتحدث أنباء لم يتسن التأكد منها، عن انتقاله من مأرب مساء الثلاثاء الماضي، إلى السعودية.
وبالتزامن، أكد أقارب لصالح رسمياً، يوم الثلاثاء الماضي، أن نجل شقيقه، والقائد الفعلي للقوات الموالية له قبل مقتله، العميد طارق محمد عبدالله صالح، لم يُقتل كما أشيع، كما لم يقع في قبضة الحوثيين الذين يضعونه على رأس قائمة المطلوبين، بل أصيب إصابات بليغة نتيجة القصف على المنطقة التي كان يتواجد فيها، من قبل الحوثيين، الذين فرضوا حصاراً على الحي الذي يسكنه صالح منذ الثالث من ديسمبر/كانون الأول المنصرم، وشرعوا باقتحام منازل صالح وأقاربه بمختلف الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات.
ولا تزال تفاصيل نجاة طارق صالح، أحد الأسرار، إذ تشير المعلومات الأولية، إلى أنه أصيب بشظايا في الوجه والبطن وإحدى ساقيه، وجرى إسعافه بطريقة سرية، جعلته يفلت من أيدي الحوثيين، في الأحداث الشهيرة التي تحوّل خلالها، المسؤولون الأكثر تحكماً بصنعاء منذ عقود إلى قتلى وملاحقين. ويتهم الحوثيون طارق صالح بأنه دبّر لمحاولة انقلاب على سلطتهم في صنعاء، وهو القائد العسكري الأبرز، الذي بقي إلى جوار عمه، خلال الدائرة منذ ما يقرب ثلاث سنوات، وأسس معسكراً تدريبياً للموالين لحزبه، جنوب صنعاء، تحت مسمى معسكر "الشهيد المصلي"، وهي الخطوة التي رفعت ريبة الحوثيين منذ شهور، إزاء نشاط نجل شقيق صالح.
ومع تأكيد نجاة طارق صالح (مصاباً)، وانتقال الأخ غير الشقيق، علي صالح الأحمر، إلى مناطق سيطرة الشرعية، يكون جزء مهم من تركة صالح العسكرية بات تقريباً في صف الشرعية، لتلتحم قيادات الجيش اليمني من الموالين لصالح، بالمنشقين عنه والموالين لنائب الرئيس اليمني، والخصم العسكري الأبرز للحوثيين، الفريق علي محسن الأحمر، والذي دخل، منذ سنوات طويلة، بصراع مع صالح وأقاربه على النفوذ داخل الجيش. لكن خارطة القوى العسكرية بدأت تتغير أخيراً، بالتحام الناجين من الحوثيين وحروب السنوات الماضية، في مأرب، التي باتت ملجأً للناقمين على الحوثيين ومركزاً لتحركات الشرعية واستعداداتها العسكرية شمال البلاد.
في الجانب الآخر، يقف الحوثيون في موقع المنتصر، المسيطر على مركز الدولة اليمنية ومؤسساتها، بعد أن واجهوا قوى ورجالات الحكم في صنعاء الذين خاضوا ضد الجماعة ست حروب بين عامي 2004 و2010 في محافظة صعدة. لكن الجماعة التي حققت انتصاراتها بالاستفادة من الخصومة الشديدة بين القوى الفاعلة الأخرى صالح ومحسن وحزبياً (المؤتمر والإصلاح)، باتت وحيدة تقريباً، وأصبحت توحّد خصومها ضدها، واحداً تلو الآخر، على نحو لم يكن ليجتمع. وبذلك، فإن الجماعة التي تصف نفسها اليوم بـ"الدولة" ولا شريك لقرارها في العاصمة اليمنية، ليست بالضرورة، في موقع أفضل من خصومها الذين أجلتهم من صنعاء، فتركة صالح، بالغالب، ذهبت إلى صف الشرعية، أو تحوّلت إلى عدو لدود للجماعة، كما التزم قسم آخر من حزبه الصمت، تحت التهديد.
وبين الشرعية التي تسند صفها العسكري، بأغلب جنرالات صالح أو من كانوا في منازلهم منذ سنوات، وبين الحوثيين الذين يصدرون القرارات وينفذون حملات التجنيد لمواجهة الضغط العسكري المتزايد عليهم في أكثر من جبهة في البلاد، يترقّب اليمنيون المحطة المقبلة، والمرجح أن تكون معركة استعادة صنعاء من الحوثيين أو ترسيخ الأخيرين سلطتهم الخاصة التي تحارب أغلب قوى الداخل والإقليم في العاصمة اليمنية، حتى حين.