أدى الاستقرار الأمني والسياسي في مناطق جنوب العراق إلى زيادة ملحوظة في ضخ الاستثمارات العربية بمشروعات نفطية وتجارية وسياحية وغيرها. ومن أحدث المشروعات ما أعلن عنه قطاع النفط العراقي بأن "كويت إنرجي" بدأت اليوم إنتاج الغاز الطبيعي من حقل السيبة، أول حقل غاز يدخل الخدمة في جنوب العراق.
وأكد وزير النفط العراقي جبار علي اللعيبي، في مؤتمر صحافي، اليوم، أن محطة الإنتاج المركزية لحقل السيبة الغازي في محافظة البصرة (جنوب) باشرت بالإنتاج التجاري الأول بطاقة 25 مليون قدم مكعب قياسي باليوم. وقال اللعيبي إن الإنتاج المتحقق يعد أوليا وصولا إلى الذروة نهاية العام الجاري بنحو 100 مليون قدم مكعب قياسي يومياً.
ولم تشهد مدن جنوب العراق، منذ اندلاع حرب الخليج الثانية من نحو 27 عاما، ما تمر به حالياً من انفتاح استثماري وسياحي، حيث ازداد الحراك التجاري والسياحي خلال الفترة الأخيرة.
وتسعى الحكومة إلى تنويع مصادر الدخل في مناطق الجنوب التي تشهد استقراراً واضحاً، بهدف الحد من الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد، بسبب تراجع الإيرادات النفطية بسبب انخفاض أسعار النفط حالياً مقارنة بمنتصف عام 2014.
وفي السياق، قال المواطن حسن شنون (28 عاماً)، وهو من مدينة الشطرة (350 كيلومترا جنوب العاصمة بغداد)، إن "المدن الجنوبية أصبحت بيئة آمنة وخصبة للشركات العربية العاملة في قطاعات الاستثمار، باعتبارها جاهزة لاستقطاب العرب والأجانب، نظراً لما تتوفر فيها عوامل تساعدها على احتضان العاملين غير العراقيين".
وأضاف شنون، لـ"العربي الجديد"، أن "سهولة التنقل في هذه المناطق، فإلى جانب النقل البري، تتوفر الزوارق التي تنقل الناس من أيسر إلى أيمن نهر الفرات الذي يشق خريطة مدينة الناصرية".
وبيّن أن "المدن الجنوبية تتوفر فيها كافة المستلزمات المطلوبة لإقامة استثمارات، فنلاحظ اليوم أن هناك شركات لبنانية وأخرى إيرانية عملت على فتح مطاعم شرقية وغربية والتي بدأت تستهوي وتستقطب العوائل، التي تبحث عن متنفس للترفيه عن نفسها".
من جانبه، أكد عضو المجلس المحلي في مدينة ذي قار، حسن الوائلي، توافد عشرات الأطباء الأجانب إلى مناطق جنوب البلاد، من أجل الاستثمار هناك وفتح عيادات وصيدليات.
وقال الوائلي لـ"العربي الجديد"، إن "الأمان الذي تنفرد به مدن الجنوب هو العامل الأول لأصحاب المال في الاستثمار بمناطقنا، وهو ما يهم المستثمرين لكي يعلموا براحة بعيداً عن القلق، وهذا الجانب متوفر لدينا"، مبيناً أن "المطاعم العربية والمشاريع التجارية المتمثلة بالمجمعات والمحال التي تبيع منتجات سورية ولبنانية وإيرانية، أصبحت تُنافس العراقية، وأدى هذا الأمر إلى دفع المحال للتطور".
وأضاف الوائلي، أن "الأمر اللافت في الانفتاح الذي شهدته مناطق الجنوب، ليس فقط ذي قار إنما البصرة والعمارة والنجف، ما يساهم في انتعاش دخل الفرد".
وبدأت الحكومة في الاهتمام بالقطاع السياحي، ولا سيما في العديد من المناطق التي تمتلك إمكانات تؤهلها لذلك، خصوصاً في الأهوار بجنوب البلاد، والتي تتمتع بقيمة جمالية فائقة مثل مدينة "أور" الأثرية وأهوار "الجبايش"، وتعد مرافئ سياحية هائلة غنية بمواردها الطبيعية والثروات مثل الأسماك الجنوبية الشهيرة، إلا أنها تعرضت للإهمال الكبير عبر الحكومات المتعاقبة.
وحسب تقارير رسمية، تمتد الأهوار، وهي مسطحات مائية كبيرة تنفرد بها البيئة العراقية على مساحة مليون و48 ألف دونم، كما تضم أكثر من 1200 موقع أثري، في مناطق متفرقة من الجنوب أبرزها العمارة والناصرية.
بدوره، قال سلام القصير، وهو عامل سوري في مطعم "البيت الشامي" في الناصرية، إن "الأوضاع جيدة في هذه المناطق... أنا وزملائي من السوريين كنا متخوفين من الحضور إلى جنوب العراق، فقد كنا نسمع عنه قصصا مخيفة إبان فترة عملنا في كردستان، لكننا فوجئنا بالمواطنين الطيبين، فضلاً عن أن القدرة الشرائية هنا أقوى من قدرة الأكراد".
وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الأجواء تجعلنا نقدم المزيد من الابتكارات للمواطنين هنا، فهم يرحبون بالجديد، ويحبون الأكل المميز. ويبدو أنني سأستقر في هذه المنطقة، وأبقى هنا حتى تعود الحياة لسورية التي تدمرت جراء الحرب".
وكانت منظمة اليونسكو قد ضمّت، عدداً من مناطق جنوب العراق، لا سيما الأهوار المائية إلى لائحة التراث العالمي في يوليو/ تموز 2016، بعد مفاوضات ماراثونية للوفد العراقي مع الجانب التركي.