لم تنحصر تجليّات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتونس، منذ أكثر من خمس سنوات، في البطالة أو عجز الموازنات وردود أفعال احتجاجيّة، بل اكتسبت أوجهاً أخرى، شملت القدرة الشرائية للمواطن التونسي ونسق استهلاكه. لكن شهر رمضان، بما يكتسيه من رمزية واحتفاء لدى الشعب التونسي على غرار كل الشعوب العربية والإسلامية، لم يخضع لمنطق الأزمة الاقتصادية واستطاع أن يحافظ على خصائصه الاستهلاكية التي ينصاع إليها المواطن مهما ضنّت عليه جيوبه.
رمضان، هذا العام، لم يكن استثناء كسابقيه، حيث عجت مختلف وسائل الإعلام بأخبار الاستيراد وتأمين المواد الغذائية والاستهلاكية استعداداً لما يعتبره بعضهم فوضى الاستهلاك خلال هذا الشهر الاستثنائي.
جنون الاستهلاك
يؤكد الخبير، محمد ياسين السوسي، أنه وبحسب الإحصاءات الرسمية، يتضاعف استهلاك المواطن التونسي، خلال شهر رمضان مرتين على الأقل، حيث تشير نشرات المعهد الوطني للإحصاء إلى أن مصاريف الطعام تستنزف أكثر من 38% من إجمالي مرتبه الشهري، خلال الأيام العادية، لكنها ترتفع خلال شهر رمضان لتصل إلى 61%.
ويستعرض محدثنا بعض الأمثلة التوضيحية، حيث يشير إلى أن العائلة التونسية تستهلك ما معدله 8.9 كيلوغرامات شهرياً من المعجنات، ليرتفع هذا المعدل، خلال شهر رمضان، إلى 12.2 كيلوغراماً، كما ترتفع معدلات استهلاك البيض من 16 بيضة شهرياً، خلال الأشهر العادية، إلى 36 بيضة. وبحسب دراسات المعهد كما أكد السوسي، هناك ارتفاع هام لاستهلاك الدواجن بنسبة 140% إضافة إلى كبد الأبقار التي تبقي أقل سعراً من اللحم. ويقبل المستهلك التونسي، خلال شهر رمضان، على استهلاك اللحوم البيضاء ليزيد استهلاكه بنسبة 41%.
اقــرأ أيضاً
تقول نزيهة مواطنة متوسطة الحال، وهي تعد مؤونة رمضان في أحد الفضاءات التجارية الكبرى: "إن إعداد موائد الإفطار المتخمة بعديد أنواع الأكلات تحول من إشباع للجوع إلى ممارسة موروثة عبر عشرات السنين". لا تنكر محدثتنا، أن أكثر من نصف ما يتم إعداده في اليوم من وجبات يكون مصيره سلة القمامة، إلا أنها تعتبر هذا الترف شكلاً من أشكال الاحتفاء بهذا الشهر الكريم. من جهة أخرى يبدي المواطن محمد علي رأياً آخر، إذ يرى في الطفرة الاستهلاكية، خلال شهر رمضان، عادة سيئة تستنزف المال نتيجة تزايد واردات البلاد وتثقل جيوب المواطنين الفارغة أصلاً. ويقول: "تزامن رمضان، خلال السنوات الأخيرة، مع العودة المدرسية والعطلة الصيفية، وموسم الأفراح والزواج، ما جعل منه ضيفاً مرهقاً ومنهكاً لكاهل العائلات التونسية".
تفيد بيانات وزارتي الفلاحة والتجارة تطور الواردات من المواد الغذائية بين عامي 2015 و2016 بنسبة 8.35%. هذا وتمثل الواردات الغذائية نسبة 11.6% من إجمالي واردات البلاد لعام 2016 مقابل 6.2% خلال 2015 و5.9% خلال عام 2014.
وتشمل قائمة المواد التي ارتفع استيرادها، خلال السنوات الثلاث الماضية، القمح اللين والصلب الذي ارتفع بنسبة 19% بين 2014 و2016، إضافة إلى السكر الذي سجلت وارداته زيادة سنوية بنسبة 8% والزيوت النباتية التي احتفظت بنسق نمو ناهز 12%. أما بالنسبة للحوم، فبلغت واردات البلاد من اللحوم الحمراء استعداداً لرمضان حوالى 60 مليون طن مسجلة استقراراً على مستوى الطلب مقارنة بالسنتين الفارطتين.
يعلّق الخبير، محمد ياسين السوسي، موضحاً أنّ نسق الطفرة الاستهلاكية في شهر رمضان، لا يعكس بشكل دقيق حجم الأزمة التي يعاني منها التونسيون، حيث ما تزال القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة في تونس تشهد تراجعاً على الرغم من تدخل الحكومة عبر العديد من الإجراءات لترميم القدرة الشرائية لهذه الطبقة، لعل أهمها الترفيع في الأجور خاصة في القطاع العام على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، وإجراءات جبائية تم اتخاذها في قانون المالية لعام 2016، ساهمت في تخفيض الضغط الجبائي على الطبقة المتوسطة.
ويضيف السوسي: "أن مؤشر الاستهلاك العائلي تراجع بنسبة 4% تقريباً، خلال السنوات الأربع، وفق بحث أنجزته جامعة تونس، أي بمعدل يناهز 1% سنوياً". ويفسر هذا التدني للقدرة الشرائية بشكل واسع بارتفاع نسبة التضخم التي ناهزت 5% لتصل على مستوى المواد الغذائية إلى 9%.
ويستطرد السوسي: "إن هذه المعطيات وإن أثرت نسبياً على نسق الاستهلاك، خلال شهر رمضان، إلا أن مستوى الاستهلاك العام لا يزال مرتفعاً، وهو ما ينعكس على مصاريف المواطن العادي، حيث لا يستطيع 60% من المواطنين التونسيين الوصول إلى آخر رمضان دون التداين". ولا تسلم الدولة بدورها من الارتدادات السلبية لهذه الطفرة الاستهلاكية، حيث تكلف الواردات الاستثنائية والاعتمادات التعديلية للمواد الاستهلاكية، خلال شهر رمضان، ما يفوق 130 مليون دولار.
لا تبدو هذه الوضعية غائبة عن المواطن التونسي على غرار الأستاذ حلمي، الذي تحدث عن ارتفاع استهلاك المواد الغذائية في شهر رمضان. حيث اعترف، هذا الأخير، أن شهر الصيام المخصص للعبادة والتزهد، تحول إلى شهر للتبذير والشراهة وإنهاك الفرد والخزينة العامة على حد سواء. حيث يدفع التقليد الأعمى والانصياع للشهوات المواطنين إلى التلهف على الشراء والتخزين وتحضير الموائد التي يكون مآلها أكياس القمامة، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من اشتداد الأزمة الاقتصادية وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن، إلا أن هذا الأخير يجد في الغالب حلولاً للتحايل على ضيق اليد ومسايرة الموجة الجماعية للاستهلاك.
اقــرأ أيضاً
رمضان، هذا العام، لم يكن استثناء كسابقيه، حيث عجت مختلف وسائل الإعلام بأخبار الاستيراد وتأمين المواد الغذائية والاستهلاكية استعداداً لما يعتبره بعضهم فوضى الاستهلاك خلال هذا الشهر الاستثنائي.
جنون الاستهلاك
يؤكد الخبير، محمد ياسين السوسي، أنه وبحسب الإحصاءات الرسمية، يتضاعف استهلاك المواطن التونسي، خلال شهر رمضان مرتين على الأقل، حيث تشير نشرات المعهد الوطني للإحصاء إلى أن مصاريف الطعام تستنزف أكثر من 38% من إجمالي مرتبه الشهري، خلال الأيام العادية، لكنها ترتفع خلال شهر رمضان لتصل إلى 61%.
ويستعرض محدثنا بعض الأمثلة التوضيحية، حيث يشير إلى أن العائلة التونسية تستهلك ما معدله 8.9 كيلوغرامات شهرياً من المعجنات، ليرتفع هذا المعدل، خلال شهر رمضان، إلى 12.2 كيلوغراماً، كما ترتفع معدلات استهلاك البيض من 16 بيضة شهرياً، خلال الأشهر العادية، إلى 36 بيضة. وبحسب دراسات المعهد كما أكد السوسي، هناك ارتفاع هام لاستهلاك الدواجن بنسبة 140% إضافة إلى كبد الأبقار التي تبقي أقل سعراً من اللحم. ويقبل المستهلك التونسي، خلال شهر رمضان، على استهلاك اللحوم البيضاء ليزيد استهلاكه بنسبة 41%.
تقول نزيهة مواطنة متوسطة الحال، وهي تعد مؤونة رمضان في أحد الفضاءات التجارية الكبرى: "إن إعداد موائد الإفطار المتخمة بعديد أنواع الأكلات تحول من إشباع للجوع إلى ممارسة موروثة عبر عشرات السنين". لا تنكر محدثتنا، أن أكثر من نصف ما يتم إعداده في اليوم من وجبات يكون مصيره سلة القمامة، إلا أنها تعتبر هذا الترف شكلاً من أشكال الاحتفاء بهذا الشهر الكريم. من جهة أخرى يبدي المواطن محمد علي رأياً آخر، إذ يرى في الطفرة الاستهلاكية، خلال شهر رمضان، عادة سيئة تستنزف المال نتيجة تزايد واردات البلاد وتثقل جيوب المواطنين الفارغة أصلاً. ويقول: "تزامن رمضان، خلال السنوات الأخيرة، مع العودة المدرسية والعطلة الصيفية، وموسم الأفراح والزواج، ما جعل منه ضيفاً مرهقاً ومنهكاً لكاهل العائلات التونسية".
وتشمل قائمة المواد التي ارتفع استيرادها، خلال السنوات الثلاث الماضية، القمح اللين والصلب الذي ارتفع بنسبة 19% بين 2014 و2016، إضافة إلى السكر الذي سجلت وارداته زيادة سنوية بنسبة 8% والزيوت النباتية التي احتفظت بنسق نمو ناهز 12%. أما بالنسبة للحوم، فبلغت واردات البلاد من اللحوم الحمراء استعداداً لرمضان حوالى 60 مليون طن مسجلة استقراراً على مستوى الطلب مقارنة بالسنتين الفارطتين.
يعلّق الخبير، محمد ياسين السوسي، موضحاً أنّ نسق الطفرة الاستهلاكية في شهر رمضان، لا يعكس بشكل دقيق حجم الأزمة التي يعاني منها التونسيون، حيث ما تزال القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة في تونس تشهد تراجعاً على الرغم من تدخل الحكومة عبر العديد من الإجراءات لترميم القدرة الشرائية لهذه الطبقة، لعل أهمها الترفيع في الأجور خاصة في القطاع العام على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، وإجراءات جبائية تم اتخاذها في قانون المالية لعام 2016، ساهمت في تخفيض الضغط الجبائي على الطبقة المتوسطة.
ويضيف السوسي: "أن مؤشر الاستهلاك العائلي تراجع بنسبة 4% تقريباً، خلال السنوات الأربع، وفق بحث أنجزته جامعة تونس، أي بمعدل يناهز 1% سنوياً". ويفسر هذا التدني للقدرة الشرائية بشكل واسع بارتفاع نسبة التضخم التي ناهزت 5% لتصل على مستوى المواد الغذائية إلى 9%.
ويستطرد السوسي: "إن هذه المعطيات وإن أثرت نسبياً على نسق الاستهلاك، خلال شهر رمضان، إلا أن مستوى الاستهلاك العام لا يزال مرتفعاً، وهو ما ينعكس على مصاريف المواطن العادي، حيث لا يستطيع 60% من المواطنين التونسيين الوصول إلى آخر رمضان دون التداين". ولا تسلم الدولة بدورها من الارتدادات السلبية لهذه الطفرة الاستهلاكية، حيث تكلف الواردات الاستثنائية والاعتمادات التعديلية للمواد الاستهلاكية، خلال شهر رمضان، ما يفوق 130 مليون دولار.
لا تبدو هذه الوضعية غائبة عن المواطن التونسي على غرار الأستاذ حلمي، الذي تحدث عن ارتفاع استهلاك المواد الغذائية في شهر رمضان. حيث اعترف، هذا الأخير، أن شهر الصيام المخصص للعبادة والتزهد، تحول إلى شهر للتبذير والشراهة وإنهاك الفرد والخزينة العامة على حد سواء. حيث يدفع التقليد الأعمى والانصياع للشهوات المواطنين إلى التلهف على الشراء والتخزين وتحضير الموائد التي يكون مآلها أكياس القمامة، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من اشتداد الأزمة الاقتصادية وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن، إلا أن هذا الأخير يجد في الغالب حلولاً للتحايل على ضيق اليد ومسايرة الموجة الجماعية للاستهلاك.