جنون البشر

24 نوفمبر 2016
مشرّدون في عيد الشكر الأميركي (فريديريك براون/فرانس برس)
+ الخط -

قبل سنوات ليست ببعيدة اندهش العالم بـ"جنون البقر"، وراح البعض يتساءل عن ماهية هذا المرض، وكيف يَجُنّ البقر؟ وهل يمكن أن ينتقل جنون البقر للبشر؟ وكأنهم لم يكونوا يعلمون بأن الجنون الأخطر آت، وأن الأخطر على البشرية ليس البقر وجنونه، وإنما جنون البشر.

وعندما انفجر "جنون البشر" في الشرق الأوسط، واحتار البعض في تشخيص أعراضه، وتاه الفقهاء والمفكرون في وصف الداء والدواء، اعتقد عقلاء العالم بأن الداء موضعي، سيلتئم في مكانه، ثم تتم مداواته بالمسكنات، أو حتى بالكي أو البتر، ولن تكون له تداعيات جانبية بعد ذلك، مع أن البعض استشعر خطر الوباء، وحذّر من انتشاره السريع في باقي الجسد البشري، دون أن ينجح إغلاق الحدود، أو تعزيز الإجراءات الوقائية، أو فرض الحلول الأمنية في محاصرته.

وكأن عقلاء العالم، لم يكونوا يعلمون أن "جنون البشر" ليس كـ"جنون البقر"، فهو داء عصي على الحَجر، ولا تنفع معه المضادات، ولا تصده الوقاية، وسرعان ما سيجتاح العالم، في موجات من التطرف والعنصرية والشعبوية الإقصائية للآخر. وفي حمى انتشار وباء "جنون البشر"، في هيئة "بريكست بريطاني" و"ترامب أميركي"، تأكد العالم بأن "جنون البشر" آتٍ، وانشغلت مراكز الأبحاث "الثينك تانكس"، إلى "تقدير الموقف"، في محاولات لمعرفة مصدر "الجنون" وأسبابه، وحدود انتشاره، وكيفية الوقاية منه.

البعض رجّح أن يكون "جنون البشر" نتيجة طبيعية لثورة التكنولوجيا والاتصالات والإعلام الاجتماعي، التي سهّلت انتقال "الفيروسات" عبر القارات والثقافات واللغات. واعتبر البعض الآخر "جنون البشر" رد فعل طبيعي من قبل المهمشين، بعد أن تركتهم النخب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، على رصيف "العولمة". وبين هذا وذاك، اعتبر آخرون "جنون البشر" طفرة طبيعية، تتوافق ومنطق تطور الأشياء وتحول الإنسانية إلى تجربة جديدة، بعد فشل كل التجارب الاشتراكية والرأسمالية والليبرالية والفاشية والنازية... الخ، في تحقيق السعادة للإنسان.

المرجوّ أن ينجح من تبقى من عقلاء البشر، في تشخيص "جنون البشر"، ولكن الرهان، والمرجو أكثر أن يتوصل الناجون من الجنون إلى ترياق قبل أن يفتك الجنون بالجنس البشري في غضون عقود قليلة، كما يقول المفكر نعوم تشومسكي.

المساهمون