لا تتفق جميع الإحصاءات الخاصة بتعداد نسب الفقر في الجزائر. فلكل مؤسسة رؤيتها الخاصة، إلا أن المحصلة النهائية، أن فقراء الجزائر في ارتفاع مستمر، في ظل غياب المساعدات الحقيقية. بحسب وزارة التضامن الوطني، هناك نحو مليون و700 ألف فقير، بينما تحصي وزارة الشؤون الدينية نحو 660 ألف عائلة فقيرة، أما الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان فتحصي أكثر من 13 مليون فقير بالجزائر، ما يمثل 30% من مجمل عدد السكان. أما البنك الدولي، فيشير إلى وجود ما يقارب 9 ملايين فقير، ما يعادل 20% من مجمل السكان، يعيشون بأقل من 4 دولارات يومياً.
بدأت تظهر بعض المحاولات للقضاء على الفقر، من خلال بعض المشاريع التي وضعتها الحكومة، منها إنشاء القرض المصغر، ثم صندوق الزكاة والقرض الحسن، من أجل دعم الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب وصندوق التأمين على البطالة، الموجهين للقضاء على البطالة وخلق المزيد من مناصب الشغل، لكن في المقابل غابت فكرة بنك خاص للفقراء.
تمكنت الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر منذ إنشائها عام 2004 من منح نحو 760 ألف قرض، منها 62% لصالح النساء و38% للرجال، بينهم 4200 شخص من ذوي الإعاقة، وتمثل منها نسبة القروض بلا فوائد نحو 91%، بينما وصلت نسب القروض بفوائد إلى نحو 09%، ما أسهم في خلق نحو مليون و80 ألف منصب شغل على الأقل، وفق الموقع الرسمي للوكالة الوطنية.
غياب المساعدات
يبدي الخبير الاقتصادي فارس مسدور أسفه لعدم وجود بنك للفقراء في الجزائر، ويقول: "سبق أن تقدمتُ باقتراح يتعلق بدمج فكرة إنشاء بنك للفقراء وعملية القرض الحسن التي كانت تشرف عليها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والقائمة أساساً على حصيلة جمع أموال زكاة الأغنياء"، وهي المبادرة التي يرى فيها مسدور أنها أفضل من فكرة "الجرامين بنك" (وهي منظمة للتمويل الصغير وتنمية المجتمع في بنغلاديش)، الذي يتعامل بالفائدة مع المقرضين، مشيراً إلى أن دمج الفكرتين معاً سيكون أفضل بكثير، بحيث يقام بنك للفقراء بالاعتماد على أموال الزكاة دون فوائد ربوية.
ويقول مسدور: "إن فكرة القرض الحسن ليست حالياً في المستوى المطلوب، مقارنة بالأموال التي يفترض أن يجمعها الصندوق من الزكاة، فهي أموال ضئيلة جداً، وخاصة أن المواطنين يريدونها أن تبقى محصورة في إطار الزكاة التقليدية فقط، تخرج مباشرة إلى الفقراء دون المرور على صندوق الزكاة الذي توكل إليه هذه المهمة عبر عملية القرض الحسن". تقدّر أموال الزكاة الحقيقية في الجزائر بنحو ثلاث مليارات دولار سنوياً، وفي حال تم ضخ هذه الأموال في صندوق الزكاة، "لتمكنا من تحقيق معجزة اقتصادية"، وفق مسدور.
ويشير مسدور إلى أن القرض الحسن ومنذ بداية تطبيقه في العام 2004 لم يصل إلا لنحو ثمانية آلاف شخص فقط، ولو أن كل شخص من هؤلاء وظف معه شخصاً آخر أو أكثر لأصبح عدد الموظفين بفضل هذا القرض 16 ألف شخص تقريباً.
ولذلك، وبحسب مسدور، فإنه يسعى دائماً من أجل تطبيق فكرة بنك الفقراء، بمبادئ إسلامية خالية من الربا، ملقياً اللوم في تأخر إقرار بنك للفقراء على بعض المسؤولين في وزارة المال الذين لا يؤمنون بفكرة إنشاء بنك للفقراء بقواعد إسلامية، بل يفضلون المعاملات الربوية فقط.
أما الخبير الاقتصادي عبد السلام مخلوفي، فيرى أن تجربة إنشاء بنك الفقراء تعتبر تجربة ناجحة لصاحبها محمد حسن، وهي فكرة يمكن إسقاطها على فكرة القرض الحسن في الجزائر، مبدياً أسفه لتراجع الوزارة الوصية عن الفكرة، بعد بروز طرح جديد يرى أن القرض الحسن بصيغته الحالية يجعل الزكاة توجّه إلى غير مستحقيها من الذين لا يدخلون ضمن الأصناف الثمانية التي ذكرها القرآن الكريم.
ويقول مخلوفي: "إن وزارة الشؤون الدينية كانت تفكر في إقامة بنك للزكاة بحيث تصبح أموال الزكاة غير خاضعة لإدارة لجنة المسجد وأعيان الحي، وإنما تكون تحت تصرف مؤسسة مصرفية تديرها، من أهم مهامها إعطاء قروض حسنة للفقراء والمساكين، تمكنهم من الخروج من دائرة الفقر"، لافتاً إلى أن الفكرة كانت في طريق التجسيد، لكنها تعطلت بسبب غياب الإرادة السياسية اللازمة لذلك.
واقع مغاير
لا يتفق الخبير الاقتصادي بوخاري لحلو مع التوجهات السابقة، ويقول: "إن الواقع الاقتصادي الجزائري يختلف عن الواقع الاقتصادي في بنغلادش، فاقتصادنا لا زال يعتمد على الدولة نظراً لاعتمادها على الريع النفطي من جهة، كما أن نسب الفقر في الجزائر ليست بالحجم الذي كان في بنغلادش". ويرى لحلو أن الحضور القوي للدولة وسيطرتها الكلية على الاقتصاد، وكذا تدخلها من خلال الدعم المتنوع سواء للمواد الاستهلاكية المختلفة وحتى الدعم في مجال السكن، من خلال تسليم المساكن مجاناً للفقراء ودعم الطبقة الوسطى، وإقامة برامج دعم الاستثمار كالوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتامين على البطالة وكذا الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، صيغ باتت كبدائل لطرح فكرة إنشاء بنك للفقراء.
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي سليمان ناصر إلى أن "الجرامين بنك" في بنغلادش، هو مصرف ربوي يتعامل مع الفقراء بالفائدة، داعياً إلى رفع قيمة السلفة بدون فوائد التي تمنحها الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر لشراء المواد الأولية من حوالي ألف دولار إلى 10 آلاف دولار، وكذا رفع قيمة سلفة الصيغة التي تُعنى بإنشاء المشاريع من عشرة آلاف دولار إلى خمسين ألف دولار، كون هذه القيمة حالياً لم تعد تجدي نفعا في مثل هذه المشاريع.
ويلفت ناصر إلى أن الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، لا تحل بالضبط محل فكرة بنك الفقراء، بالنظر إلى قيمة السلفة التي تقدمها والتي لا تلبي الغرض المراد منها، لذا لا بد من إقامة بنوك خاصة بالأسرة، أو إجبار البنوك التقليدية على تخصيص نسبة من قروضها إلى أصحاب المشاريع المصغرة، وفق ناصر.
بدأت تظهر بعض المحاولات للقضاء على الفقر، من خلال بعض المشاريع التي وضعتها الحكومة، منها إنشاء القرض المصغر، ثم صندوق الزكاة والقرض الحسن، من أجل دعم الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب وصندوق التأمين على البطالة، الموجهين للقضاء على البطالة وخلق المزيد من مناصب الشغل، لكن في المقابل غابت فكرة بنك خاص للفقراء.
تمكنت الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر منذ إنشائها عام 2004 من منح نحو 760 ألف قرض، منها 62% لصالح النساء و38% للرجال، بينهم 4200 شخص من ذوي الإعاقة، وتمثل منها نسبة القروض بلا فوائد نحو 91%، بينما وصلت نسب القروض بفوائد إلى نحو 09%، ما أسهم في خلق نحو مليون و80 ألف منصب شغل على الأقل، وفق الموقع الرسمي للوكالة الوطنية.
غياب المساعدات
يبدي الخبير الاقتصادي فارس مسدور أسفه لعدم وجود بنك للفقراء في الجزائر، ويقول: "سبق أن تقدمتُ باقتراح يتعلق بدمج فكرة إنشاء بنك للفقراء وعملية القرض الحسن التي كانت تشرف عليها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والقائمة أساساً على حصيلة جمع أموال زكاة الأغنياء"، وهي المبادرة التي يرى فيها مسدور أنها أفضل من فكرة "الجرامين بنك" (وهي منظمة للتمويل الصغير وتنمية المجتمع في بنغلاديش)، الذي يتعامل بالفائدة مع المقرضين، مشيراً إلى أن دمج الفكرتين معاً سيكون أفضل بكثير، بحيث يقام بنك للفقراء بالاعتماد على أموال الزكاة دون فوائد ربوية.
ويقول مسدور: "إن فكرة القرض الحسن ليست حالياً في المستوى المطلوب، مقارنة بالأموال التي يفترض أن يجمعها الصندوق من الزكاة، فهي أموال ضئيلة جداً، وخاصة أن المواطنين يريدونها أن تبقى محصورة في إطار الزكاة التقليدية فقط، تخرج مباشرة إلى الفقراء دون المرور على صندوق الزكاة الذي توكل إليه هذه المهمة عبر عملية القرض الحسن". تقدّر أموال الزكاة الحقيقية في الجزائر بنحو ثلاث مليارات دولار سنوياً، وفي حال تم ضخ هذه الأموال في صندوق الزكاة، "لتمكنا من تحقيق معجزة اقتصادية"، وفق مسدور.
ويشير مسدور إلى أن القرض الحسن ومنذ بداية تطبيقه في العام 2004 لم يصل إلا لنحو ثمانية آلاف شخص فقط، ولو أن كل شخص من هؤلاء وظف معه شخصاً آخر أو أكثر لأصبح عدد الموظفين بفضل هذا القرض 16 ألف شخص تقريباً.
ولذلك، وبحسب مسدور، فإنه يسعى دائماً من أجل تطبيق فكرة بنك الفقراء، بمبادئ إسلامية خالية من الربا، ملقياً اللوم في تأخر إقرار بنك للفقراء على بعض المسؤولين في وزارة المال الذين لا يؤمنون بفكرة إنشاء بنك للفقراء بقواعد إسلامية، بل يفضلون المعاملات الربوية فقط.
أما الخبير الاقتصادي عبد السلام مخلوفي، فيرى أن تجربة إنشاء بنك الفقراء تعتبر تجربة ناجحة لصاحبها محمد حسن، وهي فكرة يمكن إسقاطها على فكرة القرض الحسن في الجزائر، مبدياً أسفه لتراجع الوزارة الوصية عن الفكرة، بعد بروز طرح جديد يرى أن القرض الحسن بصيغته الحالية يجعل الزكاة توجّه إلى غير مستحقيها من الذين لا يدخلون ضمن الأصناف الثمانية التي ذكرها القرآن الكريم.
ويقول مخلوفي: "إن وزارة الشؤون الدينية كانت تفكر في إقامة بنك للزكاة بحيث تصبح أموال الزكاة غير خاضعة لإدارة لجنة المسجد وأعيان الحي، وإنما تكون تحت تصرف مؤسسة مصرفية تديرها، من أهم مهامها إعطاء قروض حسنة للفقراء والمساكين، تمكنهم من الخروج من دائرة الفقر"، لافتاً إلى أن الفكرة كانت في طريق التجسيد، لكنها تعطلت بسبب غياب الإرادة السياسية اللازمة لذلك.
واقع مغاير
لا يتفق الخبير الاقتصادي بوخاري لحلو مع التوجهات السابقة، ويقول: "إن الواقع الاقتصادي الجزائري يختلف عن الواقع الاقتصادي في بنغلادش، فاقتصادنا لا زال يعتمد على الدولة نظراً لاعتمادها على الريع النفطي من جهة، كما أن نسب الفقر في الجزائر ليست بالحجم الذي كان في بنغلادش". ويرى لحلو أن الحضور القوي للدولة وسيطرتها الكلية على الاقتصاد، وكذا تدخلها من خلال الدعم المتنوع سواء للمواد الاستهلاكية المختلفة وحتى الدعم في مجال السكن، من خلال تسليم المساكن مجاناً للفقراء ودعم الطبقة الوسطى، وإقامة برامج دعم الاستثمار كالوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتامين على البطالة وكذا الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، صيغ باتت كبدائل لطرح فكرة إنشاء بنك للفقراء.
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي سليمان ناصر إلى أن "الجرامين بنك" في بنغلادش، هو مصرف ربوي يتعامل مع الفقراء بالفائدة، داعياً إلى رفع قيمة السلفة بدون فوائد التي تمنحها الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر لشراء المواد الأولية من حوالي ألف دولار إلى 10 آلاف دولار، وكذا رفع قيمة سلفة الصيغة التي تُعنى بإنشاء المشاريع من عشرة آلاف دولار إلى خمسين ألف دولار، كون هذه القيمة حالياً لم تعد تجدي نفعا في مثل هذه المشاريع.
ويلفت ناصر إلى أن الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، لا تحل بالضبط محل فكرة بنك الفقراء، بالنظر إلى قيمة السلفة التي تقدمها والتي لا تلبي الغرض المراد منها، لذا لا بد من إقامة بنوك خاصة بالأسرة، أو إجبار البنوك التقليدية على تخصيص نسبة من قروضها إلى أصحاب المشاريع المصغرة، وفق ناصر.