تتعلّق جودة الصورة الفوتوغرافية المُلتقَطة بأمور كثيرة أوّلها طبعاً نوعية آلة التصوير، وبأمور تقنية تتعلّق بفتحة العدسة وسرعة الغالق... وكذلك بتثبيت هذه الآلة جيداً أثناء التقاط الصورة. أما عن جماليتها أو قيمتها الفنية فهذا بحث آخر.
نتذكّر، ونحن نعيش أهوال الحرب في كل لحظة من حياتنا وفي أكثر من مكان، النقطة الأخيرة التي تتعلّق بتلك اليد الثابتة التي تلتقط الصور لأحياءٍ مهدّمة، لأطفال يتألّمون أو لبالغين يحملون أبناءهم وهم في حالة هلع، أو لجثث أكل حديد القذائف وبارودها أجزاءً منها. سنقول: هذه هي مهنة المصوّر الفوتوغرافي، وعليه أن يمارس عمله باحترافٍ حتى في تلك الظروف العصيبة كي يكسب قوته.
وربما يكون تصوير أهوال الحرب بالريشة والألوان مهمة أيسر للمرء من مهمة التصوير الفوتوغرافي. فالرسام لديه الوقت الكافي للتأمّل والعمل في مرسمه بهدوء بعيداً عن التأثر أو الانفعال اللحظي، على اعتبار أنه غير مطالب بتقديم عمله ساخناً إلى المطبعة أو إلى الموقع الإلكتروني ليرافق الخبر. كما أن الرسّام المحترف ليس بحاجة إلى أن يعيش الحدث شخصياً كي يستطيع رسمه، يكفيه قليل من المعرفة والخيال.
***
من الصور الفوتوغرافية التي عرفت شهرة منقطعة النظير خلال السنوات القليلة الماضية في وسائل الإعلام هي صورة إيلان، الطفل السوري، أو الكردي كما تقول الميديا الغربية، الذي لم يتجاوز الثالثة من العمر، والذي وُجد مرمياً على شاطىء الهروب إلى أوروبا جثّة هامدة.
وتقول الأخبار إن شرطياً تركياً قد وجده، كما نجد من ضمن صور الخبر صورة لشرطي آخر يحمل آلة تصوير لا نعرف ماذا التقط من صور، أما صاحبة الصورة الشهيرة فهي الصحافية - المصوّرة التركية نيلوفر ديمير.
ما صرّحت به الصحافية أنها "تسمّرت في مكانها عندما رأته"، ولكنها التقطت الصورة "لتطلق صرخة غضب من أجل مساعدة المهاجرين أو اللاجئين". نحاول تخيّل سيناريو حادثة التصوير هذه فنتساءل: هل توقّفت المصوّرة والتقطت الصورة قبل أن تطمئنّ على الطفل، إن كان على قيد الحياة لا يزال أم لا؟
هل كان من الممكن إنقاذه لو سارعت إليه بدل أن تقف وتجهّز آلتها لتكون الصورة جيدة، أم أنها عرفت مسبقاً أنه ميت فأنهت عملها بكل هدوء؟ هل اهتزّت يدها أو ارتعشت هي ذاتها وهي على بعد أمتار من جسد الطفل محرّكةً العدسة لتصبح فتحتها مناسبة، ضاغطةً على زر الآلة "كليك"؟
إنها السادسة صباحاً بتوقيت بودروم التركية، لقطة، لقطتين وربما ثلاث أو أكثر... بينما مياء البحر تزحف نحو رأس الطفل وتنسحب في حركتها المعتادة.
إن الحكم على الآخرين هو عمل غير محمود، فلا ذنب لها تلك الصحافية في ما يحدث، وقدرُها حمَلها إلى هناك في هذا الوقت وفي ذلك المكان، وإن لم تأتِ ديمير إلى شاطئ البحر يومها، فسيأتي غيرها، موثّقاً ما نرتكبه من وحشية في حق أنفسنا، ويجني بالمقابل ما يقتات به وربما تصيبه الشهرة أيضاً!
ونسأل بالمناسبة أيضاً: لدينا آلاف الوثائق التي تدين وحشيّتنا، فهل نحن بحاجة إلى تذكير أو إلى وثائق إضافية حديثة في هذا الشأن؟ ولن نسأل عن سبب شهرة الصورة هذه بالذات، علماً أنه يومياً تمرّ على شاشات المواقع الإخبارية عشرات الصور التي لا تقل عنها "قهراً"، فهذه الشهرة يبدو أنها تتعلّق أيضاً بتوقيت معيّن يخدم أمراً معيّناً.
***
أخيراً، وعلى سبيل التفاؤل بنهاية حروبنا، لنتذكّر الصورة التي التقطها المصوّر الأميركي الشهير ألفريد آيزينشتادت في ساحة التايمز (نيويورك) في الرابع عشر من آب/ أغسطس 1945. وهي صورة بحار يقبل ممّرضة في بهجة الإعلان عن انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتصبح هذه اللقطة - الأيقونة رمز العودة إلى السلام... فهل من قبلة قريبة في ساحاتنا أم أنها من المحرّمات عليها؟