فقد الفن المصري واحداً من أهم فناني الكوميديا في مصر، وهو الفنان القدير جورج سيدهم، وذلك يوم الجمعة الماضي. وبوفاته يسقط الضلع الثاني من مثلث "ثلاثي أضواء المسرح"، بعد وفاة الفنان الضيف أحمد الذي سبق أن قدم معه وسمير غانم أعمالاً تلفزيونية ومسرحية وسينمائية، استطاعوا من خلالها أن يتمرّدوا على نوع الكوميديا الذي كان سائداً في حقبة الخمسينيات والستينيات. سنوات طويلة من المرض عاشها الفنان الراحل، ما بين فقدان النطق بعد سلسلة جلطات دماغية أصابته، وعدم استطاعته الحركة على الإطلاق، لينهي حياته على مقعد متحرك، وهو الذي لطالما ضجّ في المسرح المصري بحركته وخفة ظلة.
حياة فنية صاخبة عاشها جورج على مدار سنوات عمله بالفن، كانت بدايتها من خلال السينما الوحيدة الموجودة في قرية جرجا بمحافظة سوهاج في صعيد مصر، والتي كانت تعرض فيلماً جديداً واحداً كل أسبوع، إذْ كان سيدهم حريصاً على أن يحضر هذا العرض. وبعدما ينتهي من مشاهدته، يعود إلى منزله ليردد ما شاهده بمشاهد تمثيلية يقيمها على السرير الخاص به، إذْ كان يتخيله كالمسرح الذي يقف على خشبته ليؤدي ما شاهده. وكان حريصاً على أن تكون أي نهاية لعمل يقدمه على المسرح الذي أنشأه لنفسه نهاية سعيدة، حتى لو كانت النهاية التي شاهدها في الفيلم غير ذلك.
على الرغم من موهبة جورج التمثيلية وعمق شغفه بالفن، إلا أنه لم يطمح يوماً إلى أن يكون ممثلاً، وكان احترافه للفن عن طريق الصدفة أثناء دراسته في كلية الزراعة بجامعة عين شمس. إذْ كان المشرف الاجتماعي في الكلية، قد سبق أن شاهده في بعض العروض المسرحية بالكلية، وطلب منه الظهور في أحد البرامج ليقدم جزءاً تمثيلياً، ووافق جورج في وقتٍ كان من النادر فيه أن يكون التلفزيون موجوداً في البيوت المصرية. ونال تمثيله إعجاب الكثيرين. وبالصدفة، كان جورج في إحدى المواصلات، وشاهد صديقه الفنان سمير غانم يسير فنزل خصيصًا من أجله وفوجئ بسمير يؤكد له أنه شاهده في التليفزيون وأعجب به، فعرض عليه جورج العمل معه، فوافق وقدّما معاً أحد الاسكتشات في التليفزيون بعنوان "الشحاتين"، ولم تستغرق مدته دقيقتان على الشاشة. شاهدهم المذيع محمد سالم الذي كان يقدم حينذاك برنامج "أضواء المسرح"، فقدَّمهما من خلاله، وانضم إليهما صديقهم الممثل علي ناصيف، وتم إنشاء فرقة تم إطلاق اسم "ثلاثي أضواء المسرح" عليها؛ استناداً إلى اسم البرنامج، وكان أول "اسكتش" كوميدي يقدمونه بعنوان "دكتور الحقني"، والذي حقق نجاحاً كبيراً جداً.
جاء انضمام الضيف أحمد للفرقة بالصدفة، بعد سفر الممثل علي ناصيف إلى أميركا، إذْ قابله كل من جورج وسمير بالمصادفة. وعمل الثلاثي في عدد كبير من العروض المسرحية، وقدّم جورج بعضها، إما مع الضيف وسمير، أو مع سمير بمفرده. ومن أشهر هذه الأعمال المسرحية "أهلا يا دكتور" و"المتزوجون" و"حواديت" و"كل واحد له عفريت" و"موسيكا في الحي الشرقي" وغيرها. كما قدموا أول بطولة سينمائية معاً في عام 1963 من خلال فيلم "منتهى الفرح".
أما الفنانة هالة فاخر، والتي شاركته في العديد من الأفلام والعروض المسرحية، فقالت إنها تشعر كما لو أنها فقدت "بركة الدنيا"، مُوضَحة أن هناك أعمالاً كثيرة جمعت بينهما، وكان دائماً بمثابة الأب الحنون للجميع.
ومن ناحيته قال الفنان هاني رمزي إن علاقة أسرية قوية تربط أسرته بأسرة الفنان الكبير، وكان هاني دائم الزيارة له، ولم يتركه في فترات مرضه، مؤكداً أنه كان محباً ومخلصاً للفن بشكل كبير للغاية حتى آخر يوم في حياته، وكان يحب مشاهدة الأفلام القديمة ولا يميل كثيراً للأعمال الحديثة، مشيراً إلى أن الفن خسر جورج، بمجرد أن أقعده المرض في بيته وليس برحيله فقط.