جيش الاحتلال يعترف: قتلنا عشرات الفلسطينيين بـ"مسيرات العودة" من دون أي مبرّر

25 يوليو 2019
206 فلسطينيّين استُشهدوا وجُرح الآلاف بـ"مسيرات العودة" (العربي الجديد)
+ الخط -
كشف مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بيتسيلم"، اليوم الخميس، عن أنّ مئات الفلسطينيّين استُشهدوا والآلاف جُرحوا، جرّاء سياسة إطلاق النّار المخالفة للقانون التي تطبّقها سلطات الاحتلال ضد تظاهرات "مسيرات العودة" في قطاع غزّة، والتي حظيت بمصادقة محكمة العدل العليا الإسرائيلية، إذ إنّ "جهات رسميّة في إسرائيل اعترفت بأنّها كانت تعلم جيّداً، أنّ هناك من قُتلوا في هذه المظاهرات، من دون أيّ مبرّر، حتى من وجهة نظر الدّولة".

وقال "بيتسيلم" في تقرير، وصلت نسخة منه إلى "العربي الجديد"، إنه "رغم ذلك لا أحد كلّف نفسه عناء تغيير التعليمات، بل واصل الجيش العمل بطريقة التجربة والخطأ، وكأنّ الفلسطينيّين ليسوا بشراً حقيقيّين يقتلهم الرّصاص الحيّ ويصيبهم بجروح، وهو ما حدث فعلًا؛ حيث إن بشراً دُمّرت حياتهم وحياة أسرهم إلى الأبد".

وأوضح "بيتسيلم" أنه في 22 من الشهر الجاري، تبيّن أنّ الجهات الرسميّة كانت طوال الوقت تدرك جيّداً وجود فجوة بين تصريحات المسؤولين والواقع. ونشرت كرميلا منشه، مراسلة "حدشوت كان"، أنّ جيش الاحتلال قرّر الآن تغيير تعليمات إطلاق النّار الصّادرة للقنّاصة "بعد أن تبيّن أنّ التصويب على الجزء الأسفل من الجسم وفوق الرّكبة، سبّب الموت في معظم الأحيان، رغم أنّه لم يكن هذا هو القصد، وأن التعليمات للجنود من الآن فصاعداً هي أن يصوّبوا إلى ما تحت الرّكبة كملاذ أخير، ولاحقاً قيل لهم إلى الكاحل".

ووفق تقرير "بيتسيلم"، فقد أوضح ضابط رفيع في كلّية مكافحة الإرهاب التابعة للجيش الإسرائيلي أنّ هدف القنّاصة "لا أن يقتلوا وإنّما أن يصيبوا، ولذلك تخصّ إحدى العبر المستخلصة مسألة اتّجاه التصويب، في البداية قلنا لهم أن يصوّبوا نحو الأرجُل وعندما وجدنا أنّ هذا قد يسبّب الموت، قلنا لهم أن يصوّبوا إلى ما تحت الرّكبة ولاحقاً حدّدنا التعليمات أكثر وقلنا التصويب إلى الكاحل".

وأوضح التقرير، أنّ قرار تغيير تعليمات إطلاق النار في هذا الوقت المتأخّر، وبعد تطبيقها طيلة أكثر من سنة وتسبّبها في استشهاد ما لا يقلّ عن 206 فلسطينيّين، من بينهم 37 قاصراً، وجرح الآلاف، ليس معناه أنّ الجيش يولي قيمة كبيرة لحياة البشر بل معناه عكس ذلك تماماً، "إنّه يدلّ على أنّ الجيش اختار، وهو بكامل وعيه، ألّا يعتبر من يقفون قبالته في الجانب الآخر بشراً. في حين أن محكمة العدل العليا صدّقت ببراءة مصطنعة هذا الكلام وصادقت عليه.
وبالتالي، فإن هؤلاء وأولئك، يتحمّلون مسؤوليّة هذه السياسة الإجراميّة".

وكان الآلاف من سكّان قطاع غزّة بدأوا بالتظاهر قرب الشريط الفاصل بين قطاع غزّة وإسرائيل، مطالبين برفع الحصار عن القطاع وإحقاق حقّ العودة للّاجئين. ومنذ البداية، وحتى منذ الإعلان عن المظاهرة الأولى، عرّفت سلطات الاحتلال التظاهرات كخطر وجوديّ يتهدّدها، واعتبرت المشاركين "مخرّبين" خطيرين، ومن هذا المنطلق طبّق جيش الاحتلال منذ المظاهرة الأولى سياسة إطلاق نار فتّاكة، ومخالفة للقانون، وغير أخلاقيّة، ويلوح فوقها علم أسود، إذ أجاز إطلاق الرّصاص الحيّ على متظاهرين موجودين في الجانب الآخر من الشريط العازل ولا يشكّلون خطراً على أحد.

ولفت "بيتسيلم" إلى أنه تمّ رفع التماس إلى محكمة العدل العليا ضدّ هذه التعليمات، وردّ جيش الاحتلال دفاعاً عن نفسه قائلاً: "لا شكّ في قانونيّة التعليمات"، موضحاً بأنّها تعليمات حظيت بمصادقة المدّعي العامّ العسكريّ والمستشار القضائيّ للحكومة، وادعى أنّها تجيز إطلاق النار "فقط لأجل مواجهة أعمال شغب" عنيفة، يُحتمل أن تشكّل خطراً داهماً ومحقّقاً يهدّد جنوده أو مستوطنيه"، وأنّ "القواعد تجيز التصويب بالضبط على رجلي "مشاغب" رئيسيّ أو محرّض رئيسيّ بهدف درء الخطر المترتّب على الشغب العنيف".

وأكد المركز الإسرائيلي أنّ الجيش، وطوال الوقت، وبشكل منتظم، أكد أنه تتم عمليّة استخلاص عِبَر العمليّات في الميدان، وصدور "إيضاحات وإضاءات مختلفة هدفها المزيد من تقليص أعداد المصابين قدر الإمكان، وأنّ حالات الوفاة قد تمّ تحويلها لجهاز التحقيقات التابع لقيادة الأركان الذي يتقصّى".


من جانبها، قبلت المحكمة العليا الإسرائيلية، وفقاً لتقرير "بيتسيلم"، ملابسات الأحداث الاستثنائية، وموقف الجيش جملة وتفصيلًا ومن دون أيّ تمحيص.

وفي الأشهر التي تتالت منذ بدء التظاهرات، أخذت الفجوة تتّسع بين ما ادّعته سلطات الاحتلال أمام المحكمة وقرار القضاة، وبين النتائج المروّعة الناجمة عن تطبيق تعليمات إطلاق النار على أرض الواقع، إذ أوضح "بيتسيلم" أنه "حتى اليوم قتل الجيش في هذه التظاهرات بالرّصاص الحيّ 206 فلسطينيّين على الأقلّ من بينهم 37 قاصراً".

وتفيد معطيات "أوتشا" OCHA - (مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة في هيئة الأمم المتحدة) أنّ أكثر من 7800 فلسطينيّ أصيبوا بالرّصاص الحيّ. أمّا منظّمة الصحّة العالميّة، فتفيد معطياتها أنّ هناك 139 مصاباً، من ضمنهم 30 قاصراً، اضطرّ الأطبّاء إلى بتر أعضاء من جسدهم، من بينهم 121 حالة بتر أطراف سفلى؛ وهناك 24 جريحاً أقعدهم الشّلل نتيجة لإصابتهم في العمود الفقريّ.

وقال "بيتسيلم": "إن هذه النتائج واكبتها، ونشرت عنها في حينه المنظمة، ومنظمات حقوق إنسان أخرى، ومختلف وسائل الإعلام، ورغم ذلك رفضت جميع الجهات الرسميّة تغيير تعليمات إطلاق النّار، حيث عادت وأكّدت بإصرار أنّ تعليمات إطلاق النّار قانونيّة وتناسبيّة، وأنّ إطلاق الرّصاص الحيّ يتمّ فقط كملاذ أخير وفي غياب أيّ خيار آخر".