أصدرت وزارتا الخارجية والخزانة الأميركيتان الحزمة الثانية من العقوبات المفروضة على النظام السوري بموجب "قانون قيصر" لحماية المدنيين في سورية. وبحسب البيانين اللذين حصل عليهما "العربي الجديد"، فإن الحزمة الجديدة من العقوبات تشمل نجل بشار الأسد، حافظ، وشخصيات أخرى مقرّبة من رأس النظام.
وحصل "العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، على بياني وزارتي الخارجية والخزانة بخصوص الحزمة الثانية، حيث جاءت الحزمة الثانية من العقوبات تحت اسم "عقوبات حماة ومعرة النعمان"، بالإشارة للتضامن مع ضحايا مجزرة حصار حماة عام 2011، ومجزرة سوق معرة النعمان التي ارتكبها طيران النظام ومعرة النعمان في يوليو/ تموز من العام الماضي.
واللافت في الحزمة الثانية من العقوبات إدراج اسم حافظ الأسد، ابن رأس النظام السوري، بشار الأسد ضمن العقوبات بموجب "قيصر"، إلى جانب زهير الأسد ابن توفيق الأسد، عم بشار، والأخ غير الشقيق لحافظ الأسد، وهو القائد السابق للفرقة الأولى، ورئيس أركان الفيلق الثاني حالياً في جيش النظام، وتشمل العقوبات كذلك كرم ابن زهير الأسد، والفرقة الأولى التي كان يقودها والده، والمتهمة بارتكاب جرائم حرب ومجازر ضد المدنيين السوريين، كما ستشمل العقوبات من الناحية الاقتصادية رجل الأعمال السوري وسيم أنور القطان، مالك شركة "مروج الشام للاستثمار والسياحة".
هذه الخطوة تمثل ثاني إجراء إدراج على لوائح العقوبات تتخذه وزارة الخزانة بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية للعام
وتحمل الحزمة الجديدة من العقوبات أسماء 14 شخصاً وكياناً من النظام أو مرتبطين به بشكل مباشر، أدرجت منهم الخارجية ثلاثة أسماء إضافةً إلى الفرقة الأولى في جيش النظام، بالإضافة إلى اسم (القطان) وتسعة كيانات وشركات تم إدراجها من وزارة الخزانة.
ويشير البيان الصادر عن مكتب وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى أن "وزارة الخارجية ووزارة الخزانة تابعتا اليوم حملة العقوبات الأميركية ضدّ نظام الأسد من خلال الإعلان عن 14 عقوبة جديدة بموجب قانون قيصر لحماية لمدنيين في سورية وسلطات أخرى. وقد بدأت هذه الحملة الشهر الماضي مع إطلاق الدفعة الأولى من عقوبات قانون قيصر".
وحول تسمية العقوبات باسم مدينتين سوريتين، جاء في البيان "أطلقنا على مجموعة عقوبات اليوم اسم (عقوبات حماة ومعرة النعمان)، وتهدف عقوبات اليوم إلى تخليد ذكرى اثنين من أبشع فظائع نظام الأسد، وكلاهما حدثا في هذا الأسبوع من عامي 2011 و2019".
وأشار البيان إلى أنه "قبل تسع سنوات قامت قوات بشار الأسد بحصار وحشي لمدينة حماة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتظاهرين السلميين، في إشارة صادمة إلى ما سيحدث بعد ذاك، وقبل عام واحد، قام نظام الأسد وحلفاؤه بقصف سوق مزدحم في معرة النعمان، ما أسفر عن قتل اثنين وأربعين من السوريين الأبرياء".
وأضاف بيان الخارجية: "لقد بات جيش نظام الأسد رمزاً للوحشية والقمع والفساد. لقد قتلوا مئات الآلاف من المدنيين، واحتجزوا وعذبوا المتظاهرين السلميين، ودمّروا المدارس والمستشفيات والأسواق دون أدنى احترام للحياة البشرية".
وأشار إلى أن "اليوم ندرج على قائمة العقوبات زهير توفيق الأسد والفرقة الأولى في الجيش العربي السوري، استناداً إلى الأمر التنفيذي رقم 13894، الفقرة 2 (أ)(1)(ألف)، بالإضافة إلى نجل زهير توفيق الأسد البالغ، كَرَم الأسد، استناداً إلى الفقرة تحت القسم 2 (أ)(2). كما ندرج في عقوبات اليوم أيضاً نجلَ بشار الأسد البالغ، حافظ الأسد، استناداً إلى الأمر التنفيذي رقم E.O. 13894، الفقرة 2 (أ)(2). ولسوف نستمرّ في تحميل المسؤولية لبشار الأسد ونظامه على الفظائع التي ارتكباها، بينما نخلّد ذكرى ضحاياهم".
وختم البيان: "لقد حان الوقت لإنهاء حرب الأسد الوحشية التي لا مبرّر لها. وهذا هو ما تهدف حملة العقوبات إلى تحقيقه، قبل أي شيء آخر. إن الحلّ السياسي بموجب قرار مجلس الأمن 2254 هو المسار الوحيد الموثوق به للسلام الذي يستحقه الشعب السوري، علماً أن قانون قيصر والعقوبات الأميركية الأخرى على سورية لا تهدف إلى إلحاق الأذى بالمواطنين السوريين، إذ إنها لا تستهدف المساعدات الإنسانية عموماً ولا إعاقة أنشطة تحقيق الاستقرار في شمال شرق سورية".
وفي الوقت نفسه، أكد البيان "سنواصل مساعدتنا الإنسانية من خلال شركائنا الدوليين والسوريين، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. وقد ساهمت الولايات المتحدة بأكثر من 11.3 مليار دولار في المساعدات الإنسانية منذ بداية النزاع وهي مصمّمة على متابعة القيام بذلك".
وشدد على أنه "لا بدّ أن تكون هناك مساءلة وعدالة لضحايا حماة ومعرة النعمان وجرائم الحرب الأخرى والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظام الأسد. إن لدى نظام الأسد وأولئك الذين يدعمونه خياراً بسيطاً: إما أن يتّخذ خطوات لا رجعة فيها نحو حلّ سياسي دائم لإنهاء الصراع السوري الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن 2254 أو يواجه شرائح جديدة من العقوبات التي ستشلّه".
تخليد ذكرى الضحايا
وفي تصريح خص به "العربي الجديد" حول الهدف من تسمية العقوبات باسم مدينتين سوريتين، أوضحت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، جيرالدين غريفيث، أن "الهدف من استخدام هذين الاسمين يتمثل بتخليد ذكرى ضحايا اثنتين من أبشع الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد وكلاهما قد وقع خلال هذا الأسبوع من العامين 2011 و2019".
وأضافت أن "المعاناة التي فرضها نظام الأسد وداعموه الإيرانيون والروس على الشعب السوري مروعة بحق، وتأتي هذه العقوبات للتضامن مع الشعب السوري الذي طالما طالب بحل سياسي دائم للنزاع في سورية. نحن ملتزمون بالضغط على نظام الأسد سياسياً واقتصادياً إلى حين يتم تحقيق تقدم لا رجعة فيه على خط المسار السياسي وفقاً لما يدعو إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".
وفي سؤال لـ"العربي الجديد"، عن سبب تجنب إدراج اسم مجرم حرب كالعميد سهيل الحسن، المعروف بإجرامه، فيما إذا كان ذلك يتعلق بكونه محسوباً على روسيا وبالتالي تجنب الصدام مع موسكو بما يخص عقوبات "قيصر"، أوضحت غريفيث أن "قانون قيصر يعزز مساءلة المسؤولين عن مقتل المدنيين بشكل واسع النطاق والفظائع الكثيرة، بما في ذلك استخدام أسلحة كيميائية وأسلحة بربرية أخرى، وستفرض الولايات المتحدة في الأسابيع والأشهر المقبلة مجموعات إضافية من العقوبات على الأفراد والشركات التي تدعم نظام الأسد وتعرقل التوصل إلى حل سلمي وسياسي للصراع". وكشفت أن "الكثير من عمليات الإدراج على لوائح العقوبات باتت جاهزة".
وحول التصريحات الأخيرة لمسؤولين أميركيين بأن هدف العقوبات تغيير سلوك النظام، استوضح "العربي الجديد" من المتحدثة، فيما إذا لمست واشنطن من النظام تغيراً في سلوكه منذ إقرار القانون أو إصدار الحزمة الأولى من العقوبات منتصف الشهر الماضي، ردت المتحدثة موضحةً أن "التأثير المهم لقانون قيصر طويل الأمد، إذ لن نكف عن إصدار هذه العقوبات إلى أن يوقف نظام الأسد حربه ضد الشعب السوري وتنضم الحكومة السورية إلى حل سياسي وفقاً لما يدعو إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، حان الوقت لينهي بشار الأسد حربه المروعة التي لا معنى لها على الإطلاق".
في بيان منفصل، أشار مكتب الشؤون العامة في وزارة الخزانة الأميركية إلى أن الوزارة "تواصل الضغط على المستثمرين والشركات الداعمة لجهود إعادة البناء الفاسدة التي يبذلها نظام الأسد".
وبين المكتب في بيانه: "أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لوزارة الخزانة الأميركية اليوم فرداً وتسعة كيانات على لوائح العقوبات بسبب إثرائها النظام السوري من خلال بناء عقارات فخمة".
وأشار إلى أن "هذه الخطوة تمثل ثاني إجراء إدراج على لوائح العقوبات تتخذه وزارة الخزانة بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية للعام 2019 (قانون قيصر). وكان سبق لأوفاك أن أدرج تسعة أهداف بموجب قانون قيصر بتاريخ 17 يونيو/حزيران الماضي، واشتملت تلك الأهداف على أفراد وكيانات تقدم الدعم النشط لجهود إعادة البناء الفاسدة التي يبذلها الرئيس السوري بشار الأسد".
وجاء في البيان أن "رجال الأعمال الفاسدين في سورية يؤيدون مخططات النظام الاستغلالية ويقفون مكتوفي الأيدي بشكل مخجل عندما يرتكب الفظائع، كما حصل خلال حصار حماة في يوليو 2011 وتفجير معرة النعمان في يوليو/تموز 2019. إن بشار الأسد وشركاءه التجاريين متواطئون في تدمير الاقتصاد السوري إذ يبددون عشرات الملايين من الدولارات كل شهر لشن حرب ضد الشعب السوري بدل توفير احتياجاته الأساسية".
وأشار إلى أن "الإجراءات التي يتم اتخاذها اليوم تعزز الإجراءات التقييدية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي ضد النظام السوري وتعزز التزام الحكومة الأميركية بفرض تكاليف على من يوجهون الأرباح لنظام الأسد".
وحمل البيان كذلك تصريحاً لوزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين، حيث قال "يزيد رجال الأعمال الفاسدون الذين لديهم علاقات مع الأسد قمع الشعب السوري فيما يستثمرون في العقارات الفخمة بفضل التهجير القسري للمدنيين الأبرياء. ما زالت الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير المساعدات الإنسانية للشعب السوري فيما يسعى نظام الأسد إلى الاستفادة من معاناته".
الأهداف العشرة
وبحسب بيان الخزانة فإن "الأهداف العشرة التي تقوم وزارة الخزانة بإدراجها اليوم تشمل أربعة أهداف بموجب قانون قيصر والأمر التنفيذي رقم 13582 بسبب دعمها الكبير للحكومة السورية، فيما يتم إدراج الأهداف الستة المتبقية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582 فحسب".
وقد أدرجت وزارة الخارجية بالتزامن مع وزارة الخزانة أربعة أشخاص بموجب المادة الثانية من الأمر التنفيذي رقم 13894، إذ ركزت على من يعيقون أو يعرقلون أو يمنعون وقف إطلاق النار في النزاع السوري. وفقاً للبيان.
وحول معايير استهداف الأشخاص والكيانات في العقوبات، أشار البيان إلى "تبني الإجراءات التي تتخذها وزارتا الخزانة والخارجية اليوم على جهود الحكومة الأميركية الرامية إلى تعزيز مساءلة نظام الأسد وداعميه، وهي تشكل جزءاً من حملة الولايات المتحدة المتواصلة للضغط على نظام الأسد لوضع حد للصراع في سورية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بما في ذلك من خلال وقف لإطلاق النار في مختلف أنحاء البلاد".
تشمل العقوبات كرم ابن زهير الأسد، والفرقة الأولى التي كان يقودها والده، والمتهمة بارتكاب جرائم حرب ومجازر ضد المدنيين السوريين
وأكد أن "الولايات المتحدة ملتزمة بالشعب السوري وسنواصل توفير المساعدات الإنسانية من خلال شركائنا الدوليين والسوريين المتعددين وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ولا تعرقل العقوبات التي يفرضها قانون قيصر والسلطات الأخرى ذات الصلة بسورية أنشطة إرساء الاستقرار التي نقوم بها في شمال شرق سورية".
وفي 17 من الشهر الماضي دخل "قانون قيصر" حيز التنفيذ الفعلي حيث صدرت الحزمة الأولى من عقوباته مستهدفة 39 شخصاً وكياناً مرتبطين بالنظام، وذلك بعد مضي 180 يوماً على إقرار القانون وتوقيعه من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في العشرين من ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، حيث تحول الموقف السياسي الأميركي، من مجرد موقف، إلى قانون نافذ، بعد أن تعرض القانون لعراقيل ومطبات داخل أروقة الإدارة الأميركية قبل إقراره.
و"قيصر" أو "سيزر"، هو الاسم الحركي لعسكري ومصور في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام، ومقره العاصمة دمشق، كانت مهمته قبل الثورة تقتصر على تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، قبل أن تسند إليه مهمة الذهاب إلى المستشفيات العسكرية للنظام في العاصمة وتصوير جثث القتلى من المعتقلين لدى النظام، فتمكّن من توثيق هذه الصور وتخزينها، وجمع حوالي 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، وذلك حتى منتصف 2013، وهو الموعد الذي قرر فيه "قيصر" الانشقاق عن المؤسسة العسكرية بالتعاون مع منظمات سورية ودولية، وبحوزته هذا الكم من الصور التي تشكّل أكبر دليل إدانة للنظام.