يُقدَّر عدد الإناث في الخدمة العسكرية الإلزامية بالنرويج بنحو 17 في المائة، وقد برزت أخيراً شكاوى حول تعرّضهنّ لاعتداءات جنسية
كشف بحث أعدّته وزارة الدفاع في النرويج، بعد عامَين ونصف العام من تطبيق نظام الخدمة العسكرية الإلزامية للنساء، عن حالات اغتصاب واعتداءات جنسية وتحرّش أثارت قلق قيادة الجيش النرويجي. والدراسة التي شملت نحو ثمانية آلاف و800 مجنّد (ذكوراً وإناثاً) في التاسعة عشرة من عمرهم، بيّنت أنّه خلال الأشهر الاثنَي عشر الماضية أُجبِر مجنّد واحد من بين كل 200 مجنّد شملهم الاستقصاء على ممارسة الجنس من دون إرادته. وأظهرت النتائج أنّ نسبة الاغتصاب في أثناء دوام الخدمة وخارجه من قبل الزملاء أو الضباط سجّلت بين الإناث حالتَين اثنتَين شهرياً ولدى الذكور 1.75 حالة. وتنقل صحيفة "في غي" النرويجية عن رئاسة أركان الجيش النرويجي، أنّه في حال أُخِذت في الاعتبار إجابة 48 في المائة من المستطلعين فقط، فإنّ "النتائج لا تعكس كل الحقيقة المظلمة".
وكانت نتائج ذلك البحث قد نُشِرت على موقع وزارة الدفاع النرويجية يوم الثلاثاء 19 فبراير/ شباط الجاري، وبيّنت أنّه خلال العام المنصرم (الأشهر الاثنَي عشر التي غطّاها البحث) تعرّض 123 شخصاً لمحاولة اغتصاب أو أُجبر على ممارسة الجنس. وفي التفاصيل، إنّ 71 من الإناث تعرّضنَ لمحاولة اغتصاب، بينما تعرّض 53 من الذكور لمحاولة، وذلك إلى جانب أرقام المجنّدين الذين اغتُصِبوا بالفعل. وتشير تلك الأجوبة إلى جوانب أخرى تردّ على أسئلة حول التنمّر وغيره من القضايا، أنّ حالتَي اغتصاب فقط جرى التبليغ عنهما للشرطة.
في حديث إلى التلفزيون النرويجي "إن آر كي" تعقيباً على نتائج البحث، صرّح رئيس أركان الجيش النرويجي، هاكون برون هانسن، بأنّ "مواجهة هذا النوع من التعديات غير ممكنة إذا لم يُقرَع جرس الإنذار ويُبلَّغ عن الحالات. من دون ذلك، فإنّه ليس ممكناً حصول أيّ شيء". وبعد تعبيره عن غضبه ودهشته إزاء "نطاق الظاهرة"، أكّد هانسن أنّ جيشه يتّخذ الإجراءات المناسبة خلال دوام الخدمة الإلزامية وخارجه في هذا السياق، مثلما هو الأمر مع القضايا المتعلقة بمشكلة اندماج الإناث في القوات المسلحة والمضايقات التي يتعرّضنَ لها وكذلك التنمّر". يُذكر أنّ مجنّدتَين اثنتَين، من بين كلّ خمس مجنّدات، تعرّضتا لتعليقات مسيئة وهجومية من قبل رفاق السلاح الذكور، بحسب ما بيّن البحث، وذلك من دون أن تكون للأمر علاقة بإنجاز مهمة أوكلت لهما، بل أتت التعليقات على خلفية انتسابهما إلى الجيش وغيرها من القضايا.
وعقب الإعلان عن نتائج البحث، صرّح هانسن لصحيفة "في غي" النرويجية، بأنّه شعر بغضب، مضيفاً: "أنظر بجدية إلى نتائج الدراسة، ليس فقط لأنّها خرق لقوانين النرويج بل لأنّها تحطّم الثقة والشعور بالأمان لدى الأفراد في الخدمة الإلزامية، وهذا يعني أنّنا مضطرون إلى اعتماد نهج آخر".
وأفادت نتائج البحث كذلك بأنّ الإناث اللواتي أجبنَ بأنهنّ تعرّضنَ لاغتصاب هنّ بمعظمهنّ دون العشرين من عمرهنّ، و2.7 في المائة قلنَ إنّهنّ أُجبرنَ على ممارسة الجنس من دون موافقتهنّ. والمجنّدات اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 20 و29 عاماً أجبنَ بأنّهنّ تعرّضنَ لذلك خلال العام المنصرم مرّة أو مرّتَين، بينما لم تتجاوز في السياق نفسه نسبة الذكور من الفئة العمرية ذاتها 0.6 في المائة. وفي ما يتعلق بمحاولات الاغتصاب، فإنّ نسبة الإناث دون العشرين من عمرهنّ تصل إلى 7.2 في المائة ونسبة الذكور من الفئة العمرية ذاتها 5.1 في المائة. يُذكر أنّ ذلك لم يستثنِ الإناث اللواتي تتراوح أعمارهنّ ما بين 30 و39 عاماً والذكور الذين تتراوح أعمارهنّ ما بين 40 و49 عاماً الذين أُجبِروا على ممارسة الجنس.
ورداً على سؤال طرحته صحيفة "في غي" حول أسباب ما يجري في صفوف القوات المسلحة النرويجية، قال هانسن إنّ "الإجابة تصعب وقد تتعدّد الأسباب". أضاف أنّ "بعض هؤلاء (المعتدين) قد يظنّون أنّهم لن يلاحقوا قانونياً ولن تكون ثمّة تبعات لأفعالهم. بعض آخر يظنّ أنّ المعتدى عليه لن يبلّغ عمّا أصابه وعن الحمل الثقيل على كاهله"، محذّراً ممّا يُطلق عليه "تعميماً". ويشير إلى أنّه "في حال أُجبرتَ على ممارسة الجنس فأنتَ تعرّضت لاغتصاب. هذا هو المبدأ. وهو ما يعني أنّ ذلك يقع تحت بنود قانون العقوبات المتعلق بالاغتصاب".
من جهتها، نقلت وكالة الأنباء النرويجية "إن تي بي" عن عسكريين في البلاد أنّ "تلك الأرقام تخفي أرقاماً أخرى". فهؤلاء، من بينهم رئيس الأركان، أشاروا إلى أنّ إجابة فقط 48 في المائة من المستطلعين حول ما يتعلّق بالتحرّش والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب لا تعكس الحقيقة كلها.
تجدر الإشارة إلى أنّها ليست المرّة الأولى التي تجري فيها قيادة الجيش في أوسلو استطلاعاً للرأي بين الجنود، في محاولة لقياس مدى اندماج النساء في القوات المسلحة عن طريق الخدمة الإلزامية، منذ عام 2016. وفي بحث مشابه أنجز في عام 2017، لمصلحة هيئة الأركان، أجابت 16 في المائة من المستطلعات بأنّهنّ تعرَّضن لتحرّش أو إهانة لفظية جنسية، بينما أتت النسبة بين الرجال واحداً في المائة. ومن خلال اطلاع "العربي الجديد" على ذلك البحث، تبيّن أنّه لم يتضمّن سؤالاً حول الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، مثلما هي الحال في البحث الجديد. يُذكر أنّ نسبة التحرّش ارتفعت لدى الإناث من 15 في المائة في عام 2015 إلى 16 في المائة في عام 2017، بينما تراجعت بنسبة واحد في المائة لدى الذكور.
في البحث الجديد الذي غطّى عام 2018 المنصرم، كان واضحاً أنّ موقف الذكور من انخراط النساء في الخدمة العسكرية الإلزامية "ليس إيجابياً ولم يتطوّر بعد. وما زال اثنان من كل خمسة ذكور لا يروق لهما إنجاز مهام مع زميلات من الإناث. من هنا، ترى قيادة الجيش النرويجي، بحسب ما جاء على لسان رئيس الأركان، أنّه "ما زال أمامنا الكثير لنعمله بهدف دمج الإناث في الخدمة". وأكّد هانسن لوسائل الإعلام المحلية أنّ "المواقف الذكورية ما زالت مشكلة في المجتمع عموماً، وليس فقط في القوات المسلحة التي بقيت طويلاً تحت هيمنة ذكورية".
في السياق، أعلن التلفزيون النرويجي غداة نشر نتائج البحث، أنّ مراقب الدولة لشؤون الدفاع، رولاد ليناكر، أعلن أنّه سوف ينظر في الانتهاكات التي أشار إليها البحث، مشدداً على "ضرورة أن تظهر هذه الممارسات إلى العلن". ومنذ ذلك الحين، راحت وسائل إعلام نرويجية تلقي الضوء على تجارب نساء اضطررن خلال السنوات الماضية إلى ترك الجيش بعد سلسلة من الملاحظات العنصرية والتمييزية بحقهنّ.