حتى لا تُسرق الثمرة أثناء الاحتفال
يشهد تاريخنا أن ثمرة تعبنا كانت تُسرق في أثناء الاحتفال. ففي خضمّ الأفراح بالتحرّر، بعد أيام المقاومة ضد الاستعمار، حين رقصنا على أنغام الأغاني الثورية، حتى بحّت أصواتنا وخارت قوانا، ولفرط فرحتنا، لم نفطن إلى أن المستعمر كان يرقص معنا من دون أن نعيه. ثم اكتشفنا، بعد انتهاء الاحتفال والانصراف إلى العمل والبناء، أنه رتّب الأمر ليكون لصالحه أكثر ممّا كان عليه. فوجدنا دولة وطنية مرتهن قرارها، لم تنجح إلا في إفقادنا الأمل في تحسّن أحوالنا، حتى صرنا، وفي قمّة همّنا ممّا نحن فيه، نخشى العمل على الخروج منه.
بعد قبول الكيان الصهيوني الهدنة مكرهاً، احتفل الفلسطينيون بالنصر، وقد حقّقوه فعلاً، وتعددت أماكن الاحتفال وغنّى الجميع، حتى مَن تمنى هزيمة المقاومة. لكن، أرعبني غياب الحديث عمّن يستثمر هذا النصر سياسياً، لتُجنى ثمرته، ولمَن ستوكل هذه المهمة؟ وهذه المسألة شديدة الخطورة. فقيادة المقاومة ما زالت غير راغبة في تصدّر العمل السياسي، وهي في ذلك تراعي التوازنات الدولية التي ما زالت ترفض القبول بها. وبذلك، تتصدّر مهمة هذا الاستثمار السياسي منظمة التحرير. وهنا، تكمن الأزمة، فقيادة المنظمة غير مؤهلة لهذه المهمة، لأنها ملزمة دولياً بـ"النضال السياسي" الذي زُرع في رحم المنظمة أثناء خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة سنة 1974، وولد في دماء صيف 1982 في بيروت، وترعرع متنقلاً بين الجزائر واليمن وتونس، ثم التحق بالعاصمة النرويجية، أوسلو، لمواصلة دراسته العليا، ومن هناك عاد إلى الأرض المحتلة، نكتشف أن ما كان محمّلاً به العائد المنتظر لم يكن سوى وهم أخذ بسببه الصهاينة أكثر ممّا كان عندهم.
وعادت بنا المقاومة إلى المربع الأول، وأكدنا للعدو أن لنا مخالب تكبر وتنمو، وقواطع نمزّق بها أجساد مَن يجرؤون علينا، وهذا مشروع وطني مختلف عمّا عملت عليه منظمة التحرير أربعة عقود، وبذلك، صارت غير صالحة لمشروع المقاومة، وإن قادته فستقوده إلى أوسلو جديدة.
لكن، لن يكون من ذلك سوى مضيعة للوقت، وإضاعة فرصة النصر. ولأن المقاومة نهر متدفّق طاهر طهارة أرواح شهدائه، وفقط يجب الحذر، كل الحذر، حتى لا تُسرق الثمرة في أثناء الاحتفال.