منذ بداية ممارسة الحجب على نطاق واسع من قبل السلطات المصرية، في نهاية مايو/أيار عام 2017، لم يُعلن عن أي معلومات رسمية أو إعلان لقرار الحجب أو إبلاغ لمالكي المواقع الإلكترونية وجمهورها عن سبب حجب مواقعهم، باستثناء بعض التصريحات المنقولة على لسان مسؤولين في هيئات حكومية ذات صلة، كـ"نقابة الصحافيين" و"المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام".
في تقرير عنوانه "بقرار أحياناً"، رصدت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" عدد المواقع المحجوبة والمسالك القانونية لمعرفة السند القانوني لقرار الحجب، والتحركات القانونية التي اتُخِذَت في هذا الشأن، بناءً على أوراق القضايا المتداولة أمام المحاكم المصرية، والرصد اليومي لحجب المواقع على شبكات 4 من مقدمي خدمات الإنترنت في مصر.
من المسؤول؟
طالبت المؤسسة وموقع "مدى" في القضيتين المرفوعتين من قبلهما، "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات" ووزارة الاتصالات، بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن الإجابة رسمياً على قرار حجب المواقع في حالة صدور قرار بالحجب، مع إلزام جهة الإدارة بتوضيح الأسباب الإدارية والفنية، في حالة عدم صدور قرار. كما طالبتا بإلزام مقدمي خدمة الاتصالات بإزالة العقبات التقنية لتمكين المستخدمين من الوصول إلى الموقع.
بدأت محكمة القضاء الإداري نظر القضيتين بدءا من شهر سبتمبر 2017، ولا تزالان متداولتين.
كما أُقيمت دعوى قناة "الشرق" ضد وزير الداخلية ورئيس مجلس الوزراء بصفتيهما، وطالبت الدعوى بوقف قرار حجب موقع القناة وبعض المواقع الأخرى. لاحقاً، أُضيف "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات" كخصم في القضية، بعد إقرار هيئة قضايا الدولة أن الجهة المسؤولة عن قرار الحجب هي "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات". لكن محامي الجهاز ألقى مسؤولية الحجب على أجهزة الدولة، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرار أو تنفيذه.
واعتمد الجهاز في نفي صلته بقرار الحجب علي توضيح دور بعض الجهات الأخرى التي يُخوّل لها القانون اتخاذ وتنفيذ مثل هذا القرار، مُعللاً ذلك بعدم امتلاك جهاز تنظيم الاتصالات التقنيات اللازمة للحجب، وإمكانية صدور القرار من جهات أخرى.
وبرر ذلك بالآتي: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هو المختص باتخاذ مثل هذه القرارات، تأسيسا على نصوص قانون التنظيم المؤسسي للإعلام رقم 92 لسنة 2016، مُعتمدًا في ذلك على نصوص القانون التي تحدد دور وصلاحيات المجلس الأعلى للإعلام. وما نصت عليه المادة رقم (26) والتي تحدد الجزاءات التي يجوز توقيعها على المؤسسات الصحافية والإعلامية من قبل "المجلس الأعلى للإعلام"، والتي تنص على أنه للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الحق في "منع نشر أو بث المادة الصحافية أو الإعلامية لفترة محددة أو بصفة دائمة".
كما تُجيز نفس المادة للمجلس أن يُحرّك من تلقاء نفسه، أو بناء على شكوى تُقدم إليه، الدعاوى القضائية عن أي مخالفة لأحكام القانون، أو إذا رصدت لجنة تقويم المحتوى انتهاكا من أي مؤسسة صحافية أو إعلامية للقواعد والمعايير المهنية والأعراف المكتوبة.
تقنيات الحجب
وأشارت الدراسة إلى أنه، منذ مايو/أيار الماضي وحتى تقديم هذه الأوراق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للمحكمة، عكف الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات على إنكار دائم لمسؤوليته أو معرفته بقرار الحجب، رغم العلم به ومخاطبة الشركات لتنفيذه منذ عام 2016.
أوضح مُمثل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن الجهاز لا يُقدّم خدمة الإنترنت لجمهور المُستخدمين مباشرة، وإنما تُقدم بواسطة شركات مُرخص لها بذلك، كما أن الجهاز ليست لديه التقنية الفنية لحجب المواقع والقنوات على شبكة الإنترنت، والذي يملك ذلك هم مقدمو خدمات الاتصالات المُرخص لهم من الجهاز؛ لذلك فقد قام الجهاز بإرسال خطابات إلى مقدمي خدمات الإنترنت لتنفيذ قرار الحجب.
قرار بحجب 33 موقعا
أشار "الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات" في ردوده على دعوى قضية حجب موقع قناة "الشرق"، إلى القضية رقم 2315/2013، مستعجل القاهرة، والتي صدر على خلفيتها حكم بحظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة "إرهابية"، وأعقب ذلك تشكيل لجنة لحصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين، بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
وعلى إثر صدور هذا الحكم صدر قرار قاضي التنفيذ 7 ولجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين بالتحفظ على بعض الكيانات والأموال المرتبطة بالجماعة، ومنها حظر نشاط 16 موقعا إلكترونيا و16 قناة، وكذلك صحيفة "المصريون"، بغرض منع وصول المحتوى للمُستخدم المصري، وقد أُرفقت بالقرار قائمة تضم أسماء المواقع والقنوات الصادر بشأنها قرار الحجب.
قائمة ثانية؟
كانت قضية قناة "الشرق" قد تساءلت عن سبب حجب مجموعة من المواقع الأخرى مثل موقع "الجزيرة" و"مصر العربية" و"عربي 21" و"بوابة القاهرة". وقد رد الجهاز بأن المواقع الموجود بقائمة الـ33 هي المواقع التي لدى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات معرفة بقرار حجبها، أما باقي المواقع فلم يصدر بشأنها أي قرارات بالحجب، ولم ترد في القائمة الصادرة من لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين.
في 5 ديسمبر/كانون الأول 2016، جاء قرار لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان الصادر برقم 231، بالتحفظ وتجميد أرصدة وحسابات وممتلكات والمنع من التصرف، على مصطفى صقر رئيس شركة "بيزنس نيوز" وآخرين، وهي الشركة المالكة لصحيفتي "دايلي نيوزإيجيبت" و"البورصة"، وموقعيهما المحجوبيْن منذ يونيو/حزيران الماضي.
المثير للدهشة، وفقاً للتقرير، أن قائمة الـ33 موقعا تم إيداعها في المحكمة لقضية قناة "الشرق"، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، ولم تتم الإشارة إلى موقعي "البورصة" و"دايلي نيوز" في هذه القائمة. وهذا ما يمكن أن يُنبئ بوجود قائمة أخرى لم يتم إرسالها للمحكمة ضمن المستندات الخاصة بقضية قناة "الشرق".
أسئلة مفتوحة
ما لم تستطع المؤسسة أن تجد له إجابات في أوراق القضايا والمستندات المقدمة من قبل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات هو: قائمة المواقع الواردة من لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان، والتي تضمنت الروابط المطلوب حجبها (16 موقعا إلكترونيا، و16 قناة على الإنترنت، وصحيفة المصريون) بعض هذه المواقع لا تعمل خارج نطاق التشغيل، والعديد منها لم يتم حجبه في الأصل.
كما أن عدد المواقع المحجوبة في مصر ليس 33 موقعا فقط، كما تشير القائمة المُشار إليها سابقا، بل تجاوز العدد 465 موقعا على الأقل، تعرضت للحجب.
صدرت قائمة للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والتي يُطالب فيها بحجب 33 موقعا على شبكة الإنترنت، في يوم 23 أغسطس/آب عام 2016، في حين أن الحجب بدأ فعلياً مساء يوم 24 مايو/أيار عام 2017.
موقع "العربي الجديد" الذي حُجب في ديسمبر/كانون الأول عام 2015 لم يكن في قائمة الـ33 موقعا، أي قبل إصدار أي قرارات.
أين وصل الحجب؟
رصدت المؤسسة تعرّض 465 موقعا- على الأقل- للحجب. وقد اعتمدت على أداة 8OONI التابعة لـ"مشروع تور"، وهي عبارة عن مرصد وبرمجية حرة تعمل كشبكة لكشف الرقابة والمراقبة والتدخل في مرور البيانات بشبكة الإنترنت.
واختلف عدد المواقع المحجوبة على الشبكات الأربع، وكانت "فودافون" هي المتصدرة في عدد المواقع المحجوبة، تبعتها "أورانج"، ثم "اتصالات" و"تي إي داتا". واختلفت نوعية المواقع التي تعرّضت للحجب في مصر، فيما كانت المواقع التي تقدم خدمات البروكسي والـVPN هي غالبية المواقع المحجوبة، تبعتها المواقع التي تقدم محتوى خبريا أو صحافيا أو إعلاميا، بالإضافة إلى حجب مواقع حقوقية ومدونات شخصية ومدونات جماعية ومواقع تابعة لحركات سياسية، ومواقع أخرى تُقدّم محتوى تقنيا ومحتوى متعلّقا بالأمن والخصوصية على الإنترنت، وموقع ديني وموقع حركة حسم المسلحة وموقع "سكايب" وموقع شركة open whisper systems المُطوّرة لتطبيق "سيغنال" للتراسل الفوري وموقع "بالأحمر".
ملابسات على الهامش
هناك العديد من الملابسات التي تزامنت مع حجب بعض المواقع، كما حدث مع صحيفتي "البديل" و"البداية"، إذ تم اختراق موقع "البديل" ونشر مقال منسوب لرئيس تحرير الصحيفة، خالد البلشي.
كما تم اختراق موقع "بوابة يناير" ونشر مقال منسوب لرئيس تحريره، عمرو بدر، ثم حُجبت المواقع الثلاثة في اليوم نفسه. في سياق متصل، حُجب موقع "صوت الأمة" لأيام قليلة ثم رُفع عنه الحجب، من دون أن يُعلن أي سبب للحجب أو رفعه، في حين أن موقع "نون"، وهو مدونة جماعية نسائية تُقدم محتوى لا يمت للسياسة بصلة، قد حُجب لعدة أيام عن طريق الخطأ ثم رفع عنه الحجب، إذ يتشابه اسمه مع موقع آخر يقدم محتوى صحافياً اسمه "نون بوست" وهو محجوب أيضاً.
وفي 24 يونيو/حزيران الماضي نشر موقع "السين" فيديو ساخراً يتناول مقارنة بين أفضل المخبوزات (كعك العيد) ومنها نوع تنتجه القوات المسلحة، وبعد ساعات قليلة من نشر هذا الفيديو حُجب الموقع، كما حُجب موقع منظمة "هيومان رايتس ووتش" Human Rights Watch المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، بعد نشرها تقريراً يتناول التعذيب في مصر.