ما الذي يربط الطبيعة بالإنسان، ويجعلهما في انسجام وتناغم. أهي الحاجة أم هو الخوف؟ وهل يمكن ردُّ أفعالنا الإنسانية إلى جذرٍ طبيعيّ عضويّ، أي ردُّها إمّا إلى الحاجة البيولوجية أو إلى الخوف، وماذا ستكون النتيجة حينها؟
لسنا متشابهين نحن البشر، غير أننا طالما تصرَّفْنا على أساس أننا مركز الكون، ننسب الأفضلية لنا على غيرنا من الموجودات والكائنات. ولكلّ واحدٍ منا أسلوب تفكير وطريقة عيش وأولويات وطموحات مختلفة عن الآخر. غير أن فطرةً ما تجمعنا وتوحدنا. ميلٌ عامٌ وأساسيٌ متجذر يدفعنا إلى الحفاظ على البقاء، ربما هو ما ندعوه في عالم القانون والحقوق بالحق في الحياة الكريمة. هذا ما اعتدنا على وصفه وتقبّله على أساس أنه جزء من الطبيعة البشرية.
لكن هل هذا فعلاً هو مصدر أسئلتنا الجوهرية؟ هل هو حقاً المبدأ العام الذي يرشدنا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين تأتي القسوة، ما الذي يجعلنا لا مبالين تجاهها، وتجاه ضحاياها؟
لنحاول طرح سؤال يشك في البديهة البشرية والفطرة الإنسانية. أليست القسوة أيضاً شأناً بشرياً، أليست هي أيضاً من خصال الإنسان؟ ربما يكون الخوف مصدرها، ربما عدم الإحساس بالأمان أو الطمع أو الضغينة. لكنها، إذا كان الأمر صحيحاً، تمزّق وحدة الشعور الإنساني، أي أنها تفصل ولا تجمع، تؤذي ولا تنفع.
تلغي القسوة، واعتمادها شكلاً جليدياً من طرق التعامل البشري، مبدأ أصيلاً مفترضاً هو الرأفة التي هي من أساسيات تحصين الفرد والمجتمع، وحمايته وصونه. غالباً ما ننسب عن جهل راسخ، وشيوع أفكار أشبه بالأوبئة منها إلى الأفكار، إلى الطبيعة قسوةً ليست من صنعها. فالطبيعة سيلانٌ مستمر وخلق متجدد. الطبيعة تمضي لكنها لا تقرر شيئاً. إنها تمنح وتبقى في طور مستمر من أطوار تجددها المجهول والبريء.
أما نحن الذين لا يسألنا ضميرنا الجماعي، ولا يحاكمنا منطق عقلي سليم، فلا نزال ننسب ما نخفيه ولا نجرؤ على التصريح به، إلى غيرنا. وافتقارنا إلى الرأفة كافتقارنا إلى جسم التعاطف النبيل وحس المشاركة الوجدانية الرفيع. وغياب كهذا عن محيط تفكيرنا ومآل تعاملاتنا اليومية، كفيل بنسف فكرة المجتمع البشري المتكاتف المتعاطف، وتحوله مسخاً، تجمعاً بشرياً بلا رابط ولا فكرة ولا هوية ولا ضمير.
عندما يتوحد صوت البشر بسبب الهلع والطمع في آن واحد، ويتحول اللسان – مذاق الفكر الطموح – إلى آلة بغيضة موقفة عضَّ هلاكها على نهش كل ما لا يشبهها لرغبتها الوضيعة في الحلول محل أعدائها، حينها من الأفضل – وربما هو العمل الوحيد الجدير – للمرء أن يجبر لسانه على بكم مطبق. أن تعضَّ روحَكَ كلَّ يومٍ خيرٌ من مرأى جثث هائجة تتناهش هنا وهناك.
اقــرأ أيضاً
لسنا متشابهين نحن البشر، غير أننا طالما تصرَّفْنا على أساس أننا مركز الكون، ننسب الأفضلية لنا على غيرنا من الموجودات والكائنات. ولكلّ واحدٍ منا أسلوب تفكير وطريقة عيش وأولويات وطموحات مختلفة عن الآخر. غير أن فطرةً ما تجمعنا وتوحدنا. ميلٌ عامٌ وأساسيٌ متجذر يدفعنا إلى الحفاظ على البقاء، ربما هو ما ندعوه في عالم القانون والحقوق بالحق في الحياة الكريمة. هذا ما اعتدنا على وصفه وتقبّله على أساس أنه جزء من الطبيعة البشرية.
لكن هل هذا فعلاً هو مصدر أسئلتنا الجوهرية؟ هل هو حقاً المبدأ العام الذي يرشدنا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين تأتي القسوة، ما الذي يجعلنا لا مبالين تجاهها، وتجاه ضحاياها؟
لنحاول طرح سؤال يشك في البديهة البشرية والفطرة الإنسانية. أليست القسوة أيضاً شأناً بشرياً، أليست هي أيضاً من خصال الإنسان؟ ربما يكون الخوف مصدرها، ربما عدم الإحساس بالأمان أو الطمع أو الضغينة. لكنها، إذا كان الأمر صحيحاً، تمزّق وحدة الشعور الإنساني، أي أنها تفصل ولا تجمع، تؤذي ولا تنفع.
تلغي القسوة، واعتمادها شكلاً جليدياً من طرق التعامل البشري، مبدأ أصيلاً مفترضاً هو الرأفة التي هي من أساسيات تحصين الفرد والمجتمع، وحمايته وصونه. غالباً ما ننسب عن جهل راسخ، وشيوع أفكار أشبه بالأوبئة منها إلى الأفكار، إلى الطبيعة قسوةً ليست من صنعها. فالطبيعة سيلانٌ مستمر وخلق متجدد. الطبيعة تمضي لكنها لا تقرر شيئاً. إنها تمنح وتبقى في طور مستمر من أطوار تجددها المجهول والبريء.
أما نحن الذين لا يسألنا ضميرنا الجماعي، ولا يحاكمنا منطق عقلي سليم، فلا نزال ننسب ما نخفيه ولا نجرؤ على التصريح به، إلى غيرنا. وافتقارنا إلى الرأفة كافتقارنا إلى جسم التعاطف النبيل وحس المشاركة الوجدانية الرفيع. وغياب كهذا عن محيط تفكيرنا ومآل تعاملاتنا اليومية، كفيل بنسف فكرة المجتمع البشري المتكاتف المتعاطف، وتحوله مسخاً، تجمعاً بشرياً بلا رابط ولا فكرة ولا هوية ولا ضمير.
عندما يتوحد صوت البشر بسبب الهلع والطمع في آن واحد، ويتحول اللسان – مذاق الفكر الطموح – إلى آلة بغيضة موقفة عضَّ هلاكها على نهش كل ما لا يشبهها لرغبتها الوضيعة في الحلول محل أعدائها، حينها من الأفضل – وربما هو العمل الوحيد الجدير – للمرء أن يجبر لسانه على بكم مطبق. أن تعضَّ روحَكَ كلَّ يومٍ خيرٌ من مرأى جثث هائجة تتناهش هنا وهناك.