تشهد العاصمة العراقية بغداد منذ أيام عودة واضحة للقاءات السياسية بين قادة الكتل والقوى الفاعلة في البلاد، بعد قطيعة دامت أشهراً عدة على خلفية أزمة تشكيل الحكومة، وذلك في حراك مبكر يمهّد لعقد التحالفات المرتقبة للانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في 6 يونيو/ حزيران المقبل. ويؤكد مراقبون أن الانتخابات ستكون مهيأة لمفاجآت كثيرة، بفعل قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، في ظل تعدد القوى السياسية المدنية الجديدة، التي بوشر بإخراجها للعلن من رحم ساحات التظاهر للمشاركة في الانتخابات. في السياق، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومن خلال مستشارين في مكتبه، يدفعون باتجاه ولادة تلك القوى الجديدة، ضمن مساع لإعداد انتخابات جديدة ومختلفة تكسر القالب الذي كانت عليه في السنوات الـ15 الماضية، بفعل هيمنة القوى والأحزاب الطائفية التي تستخدم، بشطريها السني والشيعي، التحشيد الطائفي لحصد أصوات الناخبين.
إلغاء سانت ليغو في القانون الجديد، لن يدعم القوائم
ويأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه القوى السياسية ذاتها إلى فرض رؤيتها بالجدل الدائر حالياً حول عدد الدوائر الانتخابية وتوزيعها ضمن قانون الانتخابات الجديد. وبرزت في هذا الإطار لقاءات كتلتي "بدر"، بزعامة هادي العامري، و"دولة القانون"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وقادة قوى سياسية سنية، وبدت الأكثر وضوحاً خلال الفترة الماضية. وتحدث نائبان في البرلمان العراقي من تحالفي "الفتح" و"القوى العراقية"، بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، لـ"العربي الجديد"، حول هذه اللقاءات، واعتبرا أنها تهدف لترميم الضرر الذي أصاب التحالفات بين الكتل ذاتها بعد تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وأزمة استقالة رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي، وما رافقها من أزمات أخرى بشأن اختيار رئيس حكومة جديد.
وذكر نائب عن تحالف "الفتح" أن ما يجري حالياً بين الكتل هو "جس نبض"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التحالفات الجديدة سيحددها الاتفاق بين القوى السياسية على عدة ملفات مهمة مطروحة حالياً، أبرزها موضوع قانون الانتخابات وجدل الدوائر الانتخابية وعددها، وموضوع موعد الانتخابات نفسها والخلاف على تأجيلها أو تغيير الموعد لوقت أبكر، وملفات تتعلق برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وبرنامجه الحالي". وأقرّ بأن هذه التفاهمات تعكس قلقاً لدى مختلف القوى السياسية في العراق من نتائج الانتخابات وتحاول ترتيب أوضاعها منذ الآن. وكشف إنجاز كتلتي "بدر" و"دولة القانون" شوطاً من هذا التقارب من خلال الاتفاق على تنسيق مواقفهما السياسية.
في المقابل، أكد نائب آخر عن تحالف "القوى العراقية"، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القوى السياسية العربية التي تقدم نفسها كممثل عن المكون العربي السني، نظّمت جلسات صلح بين زعماء متخاصمين في الفترة الأخيرة في بغداد وأربيل والعاصمة الأردنية عمّان، لتهيئة أجواء إعادة تحالفات بقوائم واحدة أملاً بمنع تشتت أصوات تلك القوى، وسط خشية مماثلة لما هو الحال عليه لدى القوى السياسية العربية الشيعية التي تستشعر أيضاً تهديد القوى المدنية وتراجع شعبيتها بالشارع العراقي".
أما النائب عن تحالف "الفتح"، عباس الزاملي، فرأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التحالف بين الفتح ودولة القانون أمر وارد، ومن الممكن أن يضم كتل عطاء، والنهج الوطني وغيرهما، على اعتبار أنها جزء من تحالف البناء"، معتبراً أن "الذهاب إلى أبعد من ذلك أمر صعب، تحديداً مع تحالف سائرون والحكمة وغيرهما، فالتقارب معهما قد يكون غير ممكن". وأشار إلى أن "ملف التحالفات يعتمد على قانون الانتخابات، إذ إن إلغاء سانت ليغو (قانون انتخابي معقد ومعتمد منذ ما بعد غزو 2003، يعتمد احتساب أصوات الناخبين الصحيحة على قاسم انتخابي هو 1.9، ويهدف إلى منع الأحزاب الصغيرة من الوصول إلى البرلمان)، في القانون الجديد، لن يدعم القوائم، فالانتخابات ستعتمد على الشخصيات المرشحة للانتخاب، وهو ما يجعل تحالفات ما قبل الانتخابات غير مفيدة".
بدوره، كشف عضو ائتلاف "دولة القانون"، كاطع الركابي، عن "استمرار الحوارات بين العامري والمالكي وقوى أخرى، في إطار التحضير لتشكيل تحالف لخوض الانتخابات المقبلة"، مشيراً في تصريحات صحافية، إلى أن "تفاصيل التحالف المرتقب تعتمد بالدرجة الأساس على شكل قانون الانتخابات الذي يحدد عمليا شكل التحالفات". وقلّل من "إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية في الموعد المحدد لها، تحديداً مع عدم اكتمال قانوني الانتخابات والمحكمة الاتحادية، فضلاً عن تردّي الأوضاع الأمنية في المحافظات الجنوبية".
وتسعى الكتل الكبيرة التي انفردت بالحكم على مدى السنوات الماضية، لإجراء تعديلات على قانون الانتخابات بما ينسجم مع إرادتها ويمنحها فرصة الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة، وسط تقاطعات مع كتل أخرى معارضة لها. أما "تحالف عراقيون"، بقيادة عمّار الحكيم، فيعمل على تصدر المشهد السياسي باستقطاب كتل سياسية تكون نواة تحالف انتخابي واسع.
في السياق، كشف النائب عن التحالف علي البديري، لـ"العربي الجديد"، أن "تحالفنا مفتوح على جميع القوى السياسية التي تؤمن بإعادة هيبة الدولة، وبأن يكون للدولة العراقية وجودها الإقليمي"، مشيراً إلى أن "الدولة في خطر وأن هيبتها غير مثبتة، وأن رئيس الوزراء يعمل جاهداً لتحقيق ذلك، ويجب على القوى السياسية التي تسعى لإعادة هيبة الدولة أن تكون داعمة له". وشدّد على أن "هناك ضرورة لأن يتشكل تحالف قوي يؤسس لفترة انتخابية مقبلة، ضمن الضوابط الدولية، وأن تفرض الدولة نفسها، إذ لا تعاد هيبة الدولة إلا من خلال وحدة الكتل السياسية".
القوى السياسية التي تسعى لتعطيل إجراء الانتخابات، لا تستطيع الخروج من دائرة التحالفات التقليدية
من جهته، يبدو تحالف "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر، بعيداً عن حركات الاستقطاب الانتخابي، إلا أنه لم يستبعد إمكانية تحالفه مع القوى التي تؤمن برؤيته السياسية. وقال النائب عن التحالف صباح العكيدي، لـ"العربي الجديد"، إن "التحالفات السابقة لم تقدم شيئاً للبلاد، لذلك كان سائرون بعيداً عنها، لذلك تحتاج المرحلة القادمة إلى تفاهمات وتوافقات"، مضيفاً أنه "ليست لدينا أي نية للتحالف مع أي جهة، لأن أغلب التحالفات تبنى وفقاً لمصالح خاصة، وهذا أمر مرفوض بالنسبة إلينا". وتابع: "إذا لاحظنا مستقبلاً أي جهة أخرى تتوافق معنا في رؤيتنا السياسية، فمن الممكن أن نتحالف معها مستقبلاً، لأن الوضع الحالي غير واضح".
ويرى مراقبون أن القوى السياسية التي تسعى لتعطيل إجراء الانتخابات، لا تستطيع الخروج من دائرة التحالفات التقليدية، وستحاول التأثير على الانتخابات. وهو ما يشير إليه الخبير بالشأن السياسي العراقي علي الفتلاوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "تلك القوى تجد نفسها محاصرة بين الحراك الشعبي وبين موعد إجراء الانتخابات الذي أعلن عنه بشكل مفاجئ، الأمر الذي دفعها نحو السعي لإعادة هيكلة تحالفاتها القديمة التي تعتمد على الطائفية، وستستخدم المال للتأثير على الانتخابات". وشدّد على أن "فوز التحالفات التقليدية في الانتخابات المقبلة أمر مستبعد إذا كانت الانتخابات نزيهة، إلا أن المخاوف تكمن بإمكانية التأثير عليها، لأن تلك القوى ستبذل كل ما بوسعها للفوز، ولا سيما أنها تعتبر أن مستقبلها السياسي بات على الحافة".