ونجحت التحضيرات للمؤتمر في إحياء الحراك السياسي في المحافظة بعد حالة من الركود منذ تحرير مدينة المكلا، مركز المحافظة، في أبريل/ نيسان الماضي من قبضة تنظيم القاعدة. لكن يثير المؤتمر في الوقت نفسه حالة من الجدل، مع العلم بأن المؤتمر دعا له حلف حضرموت، وهو أكبر تجمع قبلي في المحافظة، تأسس تحت اسم حلف قبائل حضرموت، لكن بعد اعتراضات أعلن تغيير الاسم إلى حلف حضرموت لكنه حتى اللحظة يضم القبائل فقط.
وفور إعلان أسماء المشاركين في اللجان التحضيرية للمؤتمر الحضرمي الجامع قبل أيام، بدأت أطراف سياسية وكيانات قبلية تنتقد التمثيل غير العادل للمشاركين في المؤتمر، الذين ينتمي معظمهم إلى قبائل ساحل حضرموت وإلى الحراك الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله.
وخلت قوائم لجان المؤتمر من ممثلين عن حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) والتيار السلفي. ومن المآخذ الإضافية، أن مناطق وادي حضرموت وقبائله وحضارم المهجر لم يمثلوا بشكل يتناسب مع حجمهم وتأثيرهم، الأمر الذي دفع أطرافاً سياسية وقبلية إلى التحرك لتصحيح مسار المؤتمر.
وفي السياق نفسه، قالت قبائل وادي حضرموت إن آلية اختيار أعضاء لجان المؤتمر لم تكن دقيقة، ولم تأخذ بآليات مقترحة من قبلها تتضمن مشاركه نوعية من المجتمع الحضرمي ترقى إلى مستوى الحدث المرتقب. وأضافت القبائل، في بيان لها، أن تشكيل لجان المؤتمر جرى من دون تروٍّ، مؤكدة أنها لن تسمح بحرف مسار المؤتمر عن غاياته التي تخدم وتلبي طموح الإنسان الحضرمي.
وفي أحدث المواقف المعارضة لآلية تشكيل لجان المؤتمر، طالبت لجنة التشاور لتصويب مسار المؤتمر الحضرمي الجامع، والتي تضم شخصيات اجتماعية وسياسية وقبلية من توجهات مختلفة، بإعادة النظر في تشكيل اللجان من خلال وضع المعايير لعضويتها، وتوسيع دائرة المشاركة والتشاور بما يتيح أن تكون اللجان معبرة عن الخارطة الجغرافية والاجتماعية لحضرموت في الداخل والخارج. كما دعت اللجنة إلى الحفاظ على الطابع الأهلي للمؤتمر على اعتبار أن تدخل السلطة في صياغة مدخلاته ومخرجاته إنما يعني مصادرة وظيفته، في إشارة إلى إشراك السلطة المحلية في الإشراف على المؤتمر. وأكدت اللجنة أن عدداً من أعضائها التقوا برئيس حلف حضرموت، عمرو بن حبريش، ووضحوا له رؤيتهم للتصحيح إلا أنه لم يتجاوب مع طرح اللجنة.
في موازاة هذا الحراك السياسي في المحافظة والمخاوف من تزايد حدة الانقسام، وجهت المملكة العربية السعودية دعوة إلى ثلاثين شخصية من زعماء قبائل وعلماء وشخصيات اجتماعية وأكاديمية لاجتماع في الرياض لمناقشة المستجدات في المحافظة. ومن المتوقع أن يصدر عن الاجتماع، الذي سيعقد غداً الثلاثاء، موقف تجاه المؤتمر الحضرمي الجامع في ظل مخاوف من حرف مساره بعيداً عن توجهات الشرعية والتحالف العربي والسعودية تحديداً، خصوصاً أن الأخيرة تمتلك شريطاً حدودياً واسعاً مع المحافظة وتتمتع بعلاقة جيدة مع معظم قبائلها. وتعد حضرموت من أكبر محافظات الجمهورية اليمنية وأغناها بالثروة النفطية. وتمتلك حدوداً شاسعة مع المملكة العربية السعودية. ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة. وتمتلك منافذ برية وبحرية تمثل رقما صعبا في الحركة الاقتصادية.
وفي مقابل الحراك السياسي والقبلي في الميدان، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً سجالاً بين مؤيد ومعارض ومتسائل عن التحرك السعودي تجاه الوضع في حضرموت. وفي السياق نفسه، قال الناشط والكاتب السياسي، منصور باوادي: "أنا لا أخشى من أية خطوة تتخذها المملكة ومشروعها الذي تتبناه سواء لليمن أو حضرموت، لكن أخشى علينا من أنفسنا نحن عندما تطلّ برأسها مصالحنا ورغباتنا الشخصية ومشاريعنا الصغيرة لتحل محل المشروع الأم". وأضاف في منشور على صفحته في موقع فيسبوك: "ماذا بربكم أنتم ظانون إذا وصلت الرياض إلى قناعة كاملة بأن تتبنى دعم استقلال حضرموت وخروجها من المشروع اليمني جنوباً وشمالاً؟ هل ستجد أطرافاً ونخباً على مستوى من المسؤولية والثقة تعينها في إتمامه وإنجاحه؟ أم أننا سندخل دوامة الصراع والمماحكة والمكايدة؟ هذا ما يؤرقني كثيراً".
أما الناشط السياسي، محسن نصير، فاعتبر أنه "عندما تكون حضرموت هي المستهدفة يتوجب علينا أن نقف وقفة رجل واحد لإفشال أي مخطط الهدف منه الضغط على القيادة السياسية لتمرير أية مشاريع مشبوهة". وأضاف "هل نفهم من التحركات الدراماتيكية التي بدأت من الرياض لتصل إلى البعض من أبناء جلدتنا لغرض فرض آرائهم وتوجهاتهم داخل المحافظة وبالريموت كنترول من خارجها أو شن الحملات المشبوهة ضد قيادة السلطة المحلية؟". وتابع: "يذهب من يذهب إلى الرياض، ويأتي من يحاول الخروج عن الإجماع الحضرمي، فلن تؤثر مثل هذه التحركات المشبوهة على الأغلبية من المكونات السياسية والمدنية والتفاف الشعب حولها والتي أعلنت اتفاقها مع قيادتها بغض النظر عن أية تباينات جانبية".
وعن المؤتمر الجامع رأى الناشط السياسي، جمعان بن سعد، "أن ما يجري لن يوصلنا إلى النتيجة المرجوة، فظهور أصوات حضرمية لها وزنها تنتقد الإعداد لهذا المؤتمر وتطالب بإعادة تشكيل لجانه فهذا مؤشر ينزع صفة (جامع) عن المؤتمر، فلا معنى لمؤتمر يديره لون سياسي محدد أو حتى لونان متجانسان. ويجب إشراك الجميع وفق آليات عمل منضبطة تفضي بنا في النهاية إلى وثيقة حضرمية جامعة شاملة". وأضاف "حضرموت أكبر من أن يمتطيها مكون أو حزب أو طائفة، حضرموت يشترك في تحديد مصيرها كل أبنائها من دون فرز أو إقصاء أو تهميش، وأي محاولة لسلق المؤتمر لن تكون نافعة ولن يكتب لها النجاح، حتى وإن تمت على طريقة الوجبات السريعة". ودعا بن سعد المنظمين للمؤتمر إلى الاستماع إلى الأصوات المعارضة، التي قال إنها "ككرة الثلج تبدأ صغيرة لكنها تتدحرج وتكبر حتى تدمر كل ما بنيتموه في لحظة"، في إشارة إلى المضي في عمل المؤتمر من دون اكتراث لملاحظات الأطراف المعارضة.