فرضت الكويت إجراءات عدة لمواجهة كورونا من بينها منع السفر وإغلاق النوادي الرياضية والمنتجعات الترفيهية، ما أدى إلى هروب جماعي للمواطنين والمقيمين باتجاه الشواطئ العامة
أدت إجراءات الإغلاق الحكومية في الكويت في الحملة على فيروس كورونا الجديد، مع ما في ذلك من إقفال للمنتجعات والمسابح الخاصة، إلى اتجاه الكويتيين والمقيمين نحو الشواطئ للاستجمام، مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي والإجراءات الصحية. لكن الشواطئ العامة التي تتبع شركة المشروعات السياحية (حكومية) وتتركز في وسط العاصمة، باتت مياهها غير صالحة للسباحة بسبب كمية الأوساخ فيها، ما دفع كثيرين للاتجاه نحو الشواطئ التي تقع في جنوب البلاد والتي تشتهر بصفاء مياهها ونظافة شواطئها.
لكنّ هذه الخطوة لم تمرّ بسلاسة، إذ إنّ تواجد المصطافين على تلك الشواطئ في الجنوب أدى إلى خلافات مع مالكي الشاليهات (منازل الاصطياف) الذين حاولوا احتكار الشواطئ. وبحسب اللوائح البلدية الكويتية فإنّ الشواطئ البحرية في البلاد تعد أماكن عامة وجزءاً من أملاك الدولة لا يحق لأحد التعدي عليها أو احتكارها. لكنّ كثيرين من مالكي الشاليهات عمدوا إلى وضع سياجات وأسلاك شائكة وحفر خنادق في الممرات المؤدية إلى البحر والتي تحاذي شاليهاتهم. ويقول مالكو الشاليهات إنّ سبب إقامتهم هذه الحواجز هم "المتسكعون والمدمنون وذوو السوابق" الذين يأتون إلى هذه الشواطئ التي تعتبر شواطئ عامة ويعتدون على سكان الشاليهات مما يضطر أصحابها لحجب الشواطئ عن الجميع. ولم يكتفِ مالكو الشاليهات بوضع حواجز أو أسلاك شائكة بل إنّ بعض الأثرياء منهم قام بتأجير شركات أمنية لمنع أيّ شخص من الاقتراب من الشواطئ التي يطلّ عليها الشاليه خاصته.
في المقابل، عمد مواطنون أرادوا التمتع بحقهم في السباحة في الشواطئ العامة المغلقة إلى كسر الأقفال وإزالة الأسلاك الشائكة ودفن الخنادق مما تسبب بشجارات واشتباكات مع مالكي الشاليهات تدخلت على إثرها الشرطة.
يقول سعود محسن (19 عاماً) وهو طالب جامعي، إنّ مالكي الشاليهات والمنازل التي تطل على البحر احتكروه بحجة حماية أملاكهم من العابثين لكنّهم في الوقت نفسه قاموا بإغلاق شريط ساحلي يبدأ من منتصف العاصمة الكويت وينتهي عند الحدود السعودية، بالكامل، ما دفع الكويتيين إلى كسر احتكار هؤلاء. يتحدث سعود عما فعله رفقة أبناء أعمامه عندما ذهبوا ليستجموا في منطقة بنيدر البحرية، جنوبي الكويت، وكسروا حائطاً وضعه بعض مالكي الشاليهات على أحد الممرات المؤدية إلى شاطئ البحر هناك. نشب عندها شجار بين سعود وأحد مالكي الشاليهات، تدخلت على إثره الشرطة التي أكدت حق سعود القانوني في البقاء على الشاطئ وعدم الأخذ بأقوال المالكين الذين قالوا إنّ الاعتداء على الحواجز التي وضعوها يمثل اعتداءً على أملاكهم الشخصية.
وقررت بلدية الكويت حسم الخلاف والقيام بحملة كبيرة لهدم الحواجز التي وضعها مالكو الشاليهات في الممرات المؤدية إلى الشواطئ، فقد أصدر المدير العام لبلدية الكويت أحمد المنفوحي أمراً بالتوجه إلى الشريط الساحلي، وفتح الممرات المغلقة التي تؤدي إلى البحر كافة، وإزالة جميع الأسوار الحديدية، والشباك، والحواجز الترابية والإسمنتية. وأكد المنفوحي في تصريحات صحافية أنّ من حق جميع المواطنين والمقيمين الاستمتاع بالشواطئ البحرية التي تملكها الدولة وليس لأحد حق احتكارها أو السيطرة عليها والمنع من الوصول إليها.
وتتولى بلدية الكويت تمشيط الشريط الساحلي الممتد من منطقة المسيلة القريبة من العاصمة الكويت حتى أقصى جنوب البلاد للتأكد من فتح جميع الممرات المؤدية للشواطئ ومعاقبة مالكي الشاليهات الذين يغلقون الممرات أو يدمجون ما بين عقاراتهم وعقارات جيرانهم لقطع الطريق أمام الدخول للشواطئ، وهي حيلة أدت إلى مشاكل قانونية كبيرة وذلك بسبب صعوبة فتح الممر إذا كان البناء الذي فيه قائماً، إذ يمكن أن يؤدي هدمه إلى الإضرار بالعقار بالكامل.
بدورهم، يقول مالكو شاليهات إنّهم سيحركون دعاوى قضائية بحق البلدية وبحق المتسكعين أمام شاليهاتهم والذين تسببوا بكثير من القضايا الأخلاقية نتيجة لاعتدائهم على الشاليهات وسكانها. ويقول يوسف العنزي، وهو أحد المالكين، في منطقة الجليعة البحرية، لـ"العربي الجديد": "هذه منطقة بحرية هادئة، واشترينا عقاراتنا فيها بمئات الآلاف وهي تساوي ثروة كبيرة، ومن غير المعقول أن تكون شواطئنا عرضة لمدمني المخدرات والشباب الذين يأتون لشرب الكحول في نهاية كلّ أسبوع ويتسببون بمشاكل وحوادث تصل إلى القتل في بعض الأحيان بسبب ثملهم". يضيف:" البلدية لم تتفهم أنّنا حصلنا على تراخيص من الدولة لزرع الممرات بين الشواطئ والتي تعني بكلّ بساطة أنّ لنا الحق في وضع أسلاك أو حواجز تمنع أيّ شخص من الوصول إليها وتدمير ممتلكاتنا، لكنّ الضغط الإعلامي عنيف ويقول بعض الإعلاميين إنّها حرب طبقية وإنّنا نسرق أموال الناس".
من جهته، يقول جاسم الشمري أستاذ الدراسات القانونية المنتدب في الكلية التجارية بالمعهد التطبيقي لـ"العربي الجديد": "الشواطئ المغلقة قضية كبيرة منذ تسعينيات القرن الماضي، لكنّ تسليط الضوء عليها كان مؤخراً في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أحدث شرخاً كبيراً بين مالكي العقارات والمواطنين". ويؤكد الشمري على أنّ القانون مع المواطنين الذين يرغبون بالحصول على حقهم في السباحة في الشواطئ العامة، لكنّ مالكي العقارات سيدفعون أمام المحاكم بحجة الضرر الذي يقع عليهم ويقلل من قيمة عقاراتهم وهو وجود عدد كبير من الأشخاص من ذوي الشبهات وأرباب السوابق من المراهقين في هذه الشواطئ. ويضيف أنّ "معركة قانونية كبرى" ستحدث في السنوات المقبلة بين مالكي الشاليهات والدولة.