وعزت المصادر تشكيل الحزب المعارض من داخل النظام الحاكم إلى "رفض الأخير القبول بأي من معارضيه الفعليين في المشهد السياسي، على غرار جماعة الإخوان المسلمين، أو الحركات المحسوبة على جبهة 30 يونيو، أو التي تحركت من صفوف الموالاة إلى صفوف المعارضة"، معتبرةً أنّ الحزبين المقرر تكوينهما سيضبطان عملية التصويت على مشاريع القوانين تحت قبة البرلمان، والسيطرة بشكل أكبر على "انفلات" النواب الإعلامي، وتصريحاتهم المتضاربة.
ويرى مراقبون أن السلطة الحاكمة وراء حالة "الفراغ السياسي" في مصر، كونها غيّبت الأحزاب والحركات السياسية المؤيدة والمعارضة للسيسي معاً، على اعتبار أن المعارضة مطاردة في الشارع، ومهددة بإجراءات أمنية عنيفة من اعتقال وقمع ومصادرة، بينما تراوح أحزاب الموالاة مكانها، في ظلّ هيمنة الأجهزة الاستخباراتية، والمؤسسات الأمنية على المشهد السياسي برمته.
وفي هذا السياق، قالت المصادر نفسها إن صراعات تلك الأجهزة، ورغبتها في السيطرة على مفاصل الحزب الحاكم الجديد ومواقعه القيادية، دفعت مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، والقائم بأعمال رئيس الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، للتدخّل لمواجهة محاولات تفخيخ الحزب الحاكم قبل ولادته، بتبني اقتراح تكوين الحزبين، والتنسيق في ما بينهما في الاستحقاقات الانتخابية، لضمان عدم حصول أي كيانات من خارج النظام على حصص أخرى في المجالس المحلية أو النيابية.
كذلك، أوضحت المصادر أنه رغم ضعف أداء المعارضة في البرلمان الحالي، إلا أنّها استطاعت خوض معركة إعلامية إبّان جلسات تمرير اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما تسبّب في تراجع شعبية أعضاء ائتلاف "دعم مصر" داخل دوائرهم، خصوصاً بعد انتشار ما يسمى بـ"قائمة العار" على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تضمّنت أسماء النواب المؤيدين للاتفاقية. وشددت المصادر على أنه "من غير المقبول السماح مجدداً بفوز هؤلاء النواب المعارضين في الانتخابات، وخصوصاً أعضاء تكتل (25-30)، لهجومهم المتصاعد على الائتلاف الحاكم في وسائل الإعلام، مؤكدةً أنّ تكوين الحزبين سيضمن السيطرة الكاملة لهما على مقاعد الانتخابات المحلية المرتقبة، ومن ثمّ عدم "تسلّل" أي معارضين إلى البرلمان في الانتخابات النيابية المقررة بعد عامين.
في موازاة ذلك، تكثّف قيادات ائتلاف "دعم مصر"، برئاسة رجل الأعمال محمد زكي السويدي، من اجتماعاتها داخل البرلمان، وفي مقر الائتلاف المحاط بحراسة أمنية مشددة في ضاحية التجمع الخامس، شرق القاهرة، لبحث تشكيل حزب الموالاة الجديد، في الوقت الذي شدّد فيه رئيس البرلمان، علي عبد العال، أخيراً، على ضرورة وجود ظهير سياسي للدولة (النظام) خلال الفترة المقبلة، من خلال إنشاء حزبين "كبيرين"، واحد للغالبية، وآخر للمعارضة.
وينضوي تحت لواء ائتلاف "دعم مصر" ممثلون عن ستة أحزاب في البرلمان، هي "مستقبل وطن"، "حماة الوطن"، "الشعب الجمهوري"، "المؤتمر"، "مصر الحديثة" و"مصر بلدي". غير أنّ النواب "المستقلين" يستحوذون على الحصة الأكبر من مقاعد الائتلاف، بواقع 216 مقعداً من إجمالي 370 برلمانياً، في وقت قال الائتلاف أخيراً إن 30 نائباً آخرين انضموا إليه، وهو ما دحضه بعض الأسماء التي أعلن عنها.
وأفادت المصادر بأن تكوين الحزب الحاكم يستهدف بناء ظهير شعبي في المحافظات، بحيث ترتبط مصالحه بالنظام، ويتولى مسؤولية الحشد والتربيط في الانتخابات المقبلة، سواء المحلية أو النيابية أو الرئاسية، فضلاً عن محاولة تحسين صورة السيسي، بعد انهيار شعبيته لدى المواطنين على وقع قرارات رفع الأسعار المتوالية، منذ حصول مصر على الشريحة الأولى لقرض "صندوق النقد الدولي" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.
وفي نوفمبر 2017، دعا السيسي الأحزاب السياسية إلى الاندماج في ما بينها، عوضاً عن العدد الكبير لها، ملمحاً إلى عدم تأثير معظمها في الشارع، أو قدرتها على المنافسة وصناعة الفارق في الاستحقاقات السياسية، وهو ما يؤكد توجه النظام نحو تفصيل الحياة السياسية، وتوزيع الأدوار على الموالاة والمعارضة تحت ولاية الأجهزة الاستخباراتية.
وكان نائب رئيس ائتلاف "دعم مصر"، عمرو غلاب، قد صرّح بأن القيادة السياسية في بلاده "تحتاج إلى أحزاب قوية"، وهو ما دفع الائتلاف إلى المناقشة المستفيضة حول تشكيل أحزاب لها قوة وثقل سياسي على أرض الواقع، منوهاً بأنّ اللجنة القانونية داخل الائتلاف، برئاسة النائب المعين، حسن بسيوني، تبحث حالياً تعديل المادة السادسة من قانون انتخابات البرلمان، لارتباطها بتحديد مصير الحزبيين والمستقلين تحت مظلة "دعم مصر". وتنصّ هذه المادة على أنه "يُشترط لاستمرار عضوية أعضاء مجلس النواب أن يظلوا محتفظين بالصفة التي تم انتخابهم على أساسها، فإذا فقد أحدهم هذه الصفة، أو إذا غيّر العضو انتماءه الحزبي المنتخب عنه، أو أصبح مستقلاً، أو صار المستقل حزبياً، تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بغالبية ثلثي أعضاء المجلس".
وفي السياق، قال غلاب، في تصريح خاص، إن هذه الإشكالية القانونية يمكن تجاوزها بتعديل المادة، بالإضافة إلى تعديل المادة (386) من قانون لائحة مجلس النواب، موضحاً أنّ "إسقاط العضوية وفقاً لنصوص الدستور يستلزم موافقة ثلثي عدد أعضاء البرلمان، وهي الحصة التي يمتلكها الائتلاف حالياً، وبالتالي هناك استحالة في تصويت الائتلاف على إسقاط أحد أعضائه، في حال التحوّل إلى حزب، وتغيّر الصفة التي انتُخب على أساسها أعضاؤه".
وفي وقت سابق، أعلن النائب عن حزب "المصريين الأحرار"، أحمد رفعت، عن عزمه التقدّم بمشروع قانون بشأن دمج الأحزاب السياسية الحالية، وإلغاء غير الممثلة منها في البرلمان، مع حلّ الأحزاب القائمة على أساس ديني، بدعوى إثراء الحياة السياسية من خلال تقليص عدد الأحزاب، وهو ما اعتبرته القوى المعارضة "محاولة للقضاء على مكتسبات ثورة 25 يناير في التعددية الحزبية".
في موازاة ذلك، استبعدت المصادر توسّع الحزب الجديد في الاعتماد على المنتمين سابقاً للحزب الوطني، حتى لا يعطي انطباعاً لدى الشارع بأنه مجرّد استنساخ لحزب مبارك، معترفةً في الوقت نفسه، بالدور الكبير الذي أداه رجال النظام الأسبق في الحشد للسيسي بمختلف المحافظات في الانتخابات الرئاسية، ودفع المواطنين إلى الذهاب إلى لجان الانتخاب للتصويت لمصلحته.
وأدرك السيسي حاجته الماسة إلى وجود ظهير سياسي، في ضوء التراجع الكبير في شعبيته، والذي ظهر في ضعف الإقبال خلال أيام الانتخابات الرئاسية، وتصدّع ما يسمى بـ"جبهة 30 يونيو"، وفشل الأحزاب القائمة، والجبهات الداعمة له في حشد الناخبين، وعدم توافر مرشحين "أقوياء" من داخل النظام لخوض الانتخابات في منافسته، سوى رئيس حزب "الغد"، موسى مصطفى موسى، الذي لقّب إعلامياً بـ"الكومبارس"، وأساء إلى النظام أمام الخارج أكثر مما أفاده، وفق ما يرى متابعون.
وأشارت المصادر إلى أنّ رئيس حزب "مستقبل وطن"، البرلماني أشرف رشاد، اجتمع بقيادات جمعية "كلنا معاك من أجل مصر"، داخل إحدى الفيلات المملوكة للاستخبارات الحربية بضاحية التجمع الخامس، وتوافقوا على الاندماج في كيان واحد، لافتةً إلى أنّ "ترتيب المشهد السياسي بات أمراً ملحاً قبيل إجراء الانتخابات المحلية"، والتي يقرب عدد مقاعدها من نحو 50 ألف مقعد على مستوى 27 محافظة.
وتأسست حملة "كلنا معاك من أجل مصر" لدعم السيسي، تحت إشراف رجل الحزب الوطني البارز، محمد هيبة، الذي يشغل منصب الأمين العام للحملة، وكان أميناً للشباب في حزب مبارك، ومن المقربين من نجل الرئيس المخلوع، جمال مبارك، وأحد الناجين من موقعة "الجمل"، بوصفه مسؤولاً عن حشد "البلطجية" للاعتداء على المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير.
إلى ذلك، أدى جهاز الاستخبارات الحربية، ومكتب السيسي، دوراً كبيراً في تشكيل "مستقبل وطن"، تجاوز مرحلة دعمه أو توجيهه، إلى إنشائه وتمويله وتوفير مقار له في المحافظات، منذ تأسيسه في أعقاب انتخابات الولاية الأولى للسيسي عام 2014، والذي كان في الأصل جبهة تحمل الاسم نفسه، أسستها الاستخبارات ككيان شبابي لدعم الأخير في الرئاسيات.
وبحسب رواية مسؤول الشباب السابق في حملة السيسي الرئاسية، حازم عبد العظيم، فإن مسؤولين أمنيين قد استقروا على الحاجة إلى "كيان شبابي" لدعم السيسي، من قبل أن يُعلن نيته الاستقالة من منصب وزير الدفاع والترشّح لرئاسة الجمهورية، برئاسة الشاب محمد بدران، الذي سافر في ما بعد إلى الولايات المتحدة بحجة استكمال دراسته.
وكشف عبد العظيم في يناير/ كانون الثاني 2016، أن اجتماعات تشكيل قائمة "في حب مصر"، التي انبثق عنها ائتلاف الغالبية النيابية، تمت داخل مقر الاستخبارات العامة قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية العام 2015، بحضور المستشار القانوني للسيسي، محمد بهاء أبو شقة، ونجله محمود، بناءً على دعوة موجهة إليه من رئاسة الجمهورية.
إلى ذلك، وفي الوقت الذي يقبع فيه عشرات الآلاف من شباب الثورة في السجون، أصدر السيسي أخيراً قراراً بالعفو عن "البلطجي" الأشهر في البلاد، صبري نخنوخ، الذي يدير شبكة لتوريد الآلاف من "البلطجية" في الانتخابات، وقبض عليه في أغسطس/ آب 2012، برفقة عدد كبير من الخارجين عن القانون، وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة 25 عاماً في اتهامات تتعلق بحيازته أسلحة.
وبحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر عقب الثورة المصرية، اعتمد نظام مبارك على نخنوخ في الانتقام من أعدائه ومعارضيه في أوقات الانتخابات، تحت إشراف وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، إذ كان يضع تسعيرة للنجاح في البرلمان بقيمة مليوني جنيه، ويتحرّك في موكب ضخم وسط حراسة مشددة، كأي مسؤول أمني كبير في البلاد.