14 نوفمبر 2024
حزب الله والوعد الصادق بحربٍ أبدية
في السنة الثانية لاندلاع الثورة السورية، لم يصدق الكثيرون، أكانوا "ممانعين" أو خصومهم من "الخوَنة"، أن جنود حزب الله عبَروا الحدود اللبنانية، ليقاتلوا إلى جانب بشار الأسد ضد شعبه. وقتها قلنا إن هذا مُحال، وإن الحزب لا يمكنه خرق الحدود الوطنية، والتورّط مع جيوشٍ أخرى، في حربٍ أخرى. وقتها، وربما تخفيفاً لوقْع هذا العبور، كانت آلة الحزب الإعلامية تردّد إن مسلحيه ارتكبوا تلك المعصية الوطنية دفاعاً عمّا هو الأهم؛ أي حماية مرقد السيدة زينب في دمشق، وبعد ذلك سوف يعودون. والبقية المعروفة أن الحزب استوطن في سورية، حتى هذه اللحظة، وارتكب معصياتٍ إضافية بحق الشعب السوري، من قتل وحصار وتشبيح وتهجير. وفي أواسط السنوات السبع الماضية، استعانت قيادته الإيرانية بقواتٍ إضافية عراقية، أفغانية، توطيداً للـ"انتصارات" التي كانت إيران تحقّقها.. انتصاراً بعد الآخر.
وهكذا مشَتْ الأمور بـ"السلاسة" المطلوبة، وحُفظ كرسي بشار فوق الجثث والمدن المحروقة. إسرائيل، كغيرها من القوى الإقليمية المتورطة في الحرب السورية، ولو عن بُعد، صار لها في الجولان والقنيطرة همُّها، بعد ولوج الإيرانيين في قلب اللعبة الكبرى. فهدّدت وضربت، ثم عادت، وألمحت مراراً إلى إمكان شنّها حرباً على لبنان، في حال استمر الإيرانيون، أي حزب الله، باستفزازها على (حدودها) مع سورية. وإنها، هذه المرة، ستنْسف لبنان عن بكْرة أبيه، ولن تبقي فيه حجراً على آخر. فكان ردّ الحزب أخيراً، عن طريق خطاب لأمينه العام، حسن نصر الله، إن أية حربٍ تخوضها إسرائيل ضد لبنان سوف تدفع الحزب إلى فتح حدوده البرية والجوية لجلب "آلاف الجهاديين" من العراق واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان، ليشتركوا معه في هذه الحرب، دعماً "لسورية والمقاومة". هنا، لم يصدّق الكثيرون، بل ذهلوا، وضربوا كفاً على كفّ... أيضاً هنا بعض المذهولين لم يكونوا كلهم "خونة" ضد "المقاومة"، إنما من المتعاطفين معها، مع بشار، مع الحزب .. إلخ.
ولكن مهلاً؛ حزب الله لا يمزح. صحيح انه يأخذ وقته للكشف عن حقيقة تورّطه في هذه أو
تلك من المواقع العسكرية. ولكن، علينا أيضاً تصديق ما يهدِّد به. لماذا؟ أولاً لأنه باتَ علينا الانتباه إلى أن الحزب ليس بقيادة وطنية، لبنانية كانت أم عربية. إنما هو فصيلٌ، طليعيٌّ، من الفصائل المذهبية المؤتمرة بإيران، بـ"حرسها الثوري" خصوصاً؛ وهذا الأخير لم يخفِ لحظةً طموحه بتكسير حدودنا الوطنية. ثانياً وهو الأهم، أن الحزب، عندما يستجلب إلى لبنان جيشاً مليشياوياً من كل هذه البقع من الأرض، يكون على انسجامٍ تام مع نفسه: فكما سمح لنفسه أن يخرق الحدود الوطنية اللبنانية السورية، ليخوض حرب إنقاذ بشار، يمكنه أيضاً أن يعود من هذه الحدود نفسها، من سورية إلى لبنان، وعلى أكتافه آلافٌ من أفراد مليشيات مذهبية متحمِّسة للحرب، فالذي حطّم الحدود الوطنية ذهاباً لا يستعصي عليه تحطيمها إياباً. ثم إن بعض هذه المليشيات ليست غريبة تماماً عن الساحة السورية الأولى لحزب الله. إيرانية كانت أو عراقية أو أفغانية... فكما قاتلت هذه المليشيات بإمرة إيران في سورية، لا يستحيل حشد مزيدٍ منها في حربٍ أخرى تريدها إيران، تنافس فيها إسرائيل على القرار في أوطاننا المسلوبة.
واللبنانيون أكثر شعوب المنطقة وعياً بأنه ليس مرحَّباً بهم جميعاً في محاربة إسرائيل. صحيحٌ أنه، أي الحزب، يستعين بـ"سراياتٍ" من مذاهب أخرى، تؤازره بسلاحها الخفيف. ولكن، ومنذ الساعة الأولى لنشأة الحزب، كان واضحاً أنه يرنو إلى احتكار الحرب ضد إسرائيل، وعلى أساسٍ مذهبي. المجموعات الأخرى التي سبقته في حمل السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي أُقصيت، أو دُجِّنت، أو اندثرت. وكانت هذه أولى بوادر المذْهبة الصارخة التي سوف يتميز بها الحزب طوال حياته السياسية. ومن أهم هذه الميزات، بعد الحرب ضد إسرائيل، هي الحرب في سورية. الاعتبار المذهبي لدى الحزب طغى على غيره من الاعتبارات. لذلك، عندما يهدّد أمينه العام بآلافٍ مؤلَّفة من أفراد المليشيات، والموحَّدة مذهبياً.. إنما يكرّر، للمرة الألف، أن ولاءه ليس وطنياً، بل إيرانيٌّ مذهبيٌّ. ولا عيب عنده أن يأتي بمليشيات من جنسياتٍ أخرى، لا يجمعها سوى أنها من مذهب واحد، وقيادة مذهبية واحدة.
إذا نفذت إسرائيل تهديدها، وردّ عليها حزب الله بإحضار المليشيات الموعودة، فسوف نكون
أمام حربٍ أبدية، لا رابح فيها ولا خاسر، برجال طائفيين مذهبيين، وفرز مذهبي، أين منه سوابقها، وتهجيرٍ متواصل، وثاراتٍ متوارثة، وانبعاث الإرهاب الداعشي من الرماد.. جحيم لا ينتهي، أبطاله ثلاثة أطراف متداخلة متشابهة، إسرائيل والمليشيات الشيعية والأخرى السنية، تجمعها سماتٌ واحدة: لا حرمة لديها للحدود الوطنية. فكما أن إسرائيل خرّبت حدود فلسطين، وكذلك فعل داعش وحزب الله، إذ حطمت الأولى حدود سورية والعراق، وقضى الثاني على الحدود اللبنانية السورية.. والغرض من هذا التهديم لا هو تحرّري، ولا وطني: الغرض هو الإثبات من يكون المهيمن عليها، وبدوافع دينية محضة، وبروباغندا تحشيدية معبأة بأشد معاني الكراهية الهوياتية، والثارات المتبادَلة.
ولكن الشبه لا يتوقف هنا: كما جاءت إسرائيل بيهود العالم كله، هكذا فعل "الجهاديون" السنة، و"الجهاديون" الشيعة. أمميات شيعية وسنية استوطنت بذريعة الحرب. وليس مؤكّداً أن الموقعة بين الأمميّتين، اليهوديّة والشيعيّة ستقتصر عليهما. فـ"الجهادية" السنية ستكون بحاجة إلى محاربة إسرائيل أيضاً. وساعتئذٍ، سوف يكون المشهد جديداً: "ثلاث مظلوميات طائفية" تتواجه في حربٍ طاحنة.
هل توجد نقطة إيجابية واحدة في بحر الدماء هذا؟ هل نتحرّر، أو نزدهر، أو نسعَد؟ أم نعيش فقط لمراقبة الضوء الذي قد يطلع من هذه النقطة؟ وفي هذه الحالة، علينا أن نعيش طويلاً..
وهكذا مشَتْ الأمور بـ"السلاسة" المطلوبة، وحُفظ كرسي بشار فوق الجثث والمدن المحروقة. إسرائيل، كغيرها من القوى الإقليمية المتورطة في الحرب السورية، ولو عن بُعد، صار لها في الجولان والقنيطرة همُّها، بعد ولوج الإيرانيين في قلب اللعبة الكبرى. فهدّدت وضربت، ثم عادت، وألمحت مراراً إلى إمكان شنّها حرباً على لبنان، في حال استمر الإيرانيون، أي حزب الله، باستفزازها على (حدودها) مع سورية. وإنها، هذه المرة، ستنْسف لبنان عن بكْرة أبيه، ولن تبقي فيه حجراً على آخر. فكان ردّ الحزب أخيراً، عن طريق خطاب لأمينه العام، حسن نصر الله، إن أية حربٍ تخوضها إسرائيل ضد لبنان سوف تدفع الحزب إلى فتح حدوده البرية والجوية لجلب "آلاف الجهاديين" من العراق واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان، ليشتركوا معه في هذه الحرب، دعماً "لسورية والمقاومة". هنا، لم يصدّق الكثيرون، بل ذهلوا، وضربوا كفاً على كفّ... أيضاً هنا بعض المذهولين لم يكونوا كلهم "خونة" ضد "المقاومة"، إنما من المتعاطفين معها، مع بشار، مع الحزب .. إلخ.
ولكن مهلاً؛ حزب الله لا يمزح. صحيح انه يأخذ وقته للكشف عن حقيقة تورّطه في هذه أو
واللبنانيون أكثر شعوب المنطقة وعياً بأنه ليس مرحَّباً بهم جميعاً في محاربة إسرائيل. صحيحٌ أنه، أي الحزب، يستعين بـ"سراياتٍ" من مذاهب أخرى، تؤازره بسلاحها الخفيف. ولكن، ومنذ الساعة الأولى لنشأة الحزب، كان واضحاً أنه يرنو إلى احتكار الحرب ضد إسرائيل، وعلى أساسٍ مذهبي. المجموعات الأخرى التي سبقته في حمل السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي أُقصيت، أو دُجِّنت، أو اندثرت. وكانت هذه أولى بوادر المذْهبة الصارخة التي سوف يتميز بها الحزب طوال حياته السياسية. ومن أهم هذه الميزات، بعد الحرب ضد إسرائيل، هي الحرب في سورية. الاعتبار المذهبي لدى الحزب طغى على غيره من الاعتبارات. لذلك، عندما يهدّد أمينه العام بآلافٍ مؤلَّفة من أفراد المليشيات، والموحَّدة مذهبياً.. إنما يكرّر، للمرة الألف، أن ولاءه ليس وطنياً، بل إيرانيٌّ مذهبيٌّ. ولا عيب عنده أن يأتي بمليشيات من جنسياتٍ أخرى، لا يجمعها سوى أنها من مذهب واحد، وقيادة مذهبية واحدة.
إذا نفذت إسرائيل تهديدها، وردّ عليها حزب الله بإحضار المليشيات الموعودة، فسوف نكون
ولكن الشبه لا يتوقف هنا: كما جاءت إسرائيل بيهود العالم كله، هكذا فعل "الجهاديون" السنة، و"الجهاديون" الشيعة. أمميات شيعية وسنية استوطنت بذريعة الحرب. وليس مؤكّداً أن الموقعة بين الأمميّتين، اليهوديّة والشيعيّة ستقتصر عليهما. فـ"الجهادية" السنية ستكون بحاجة إلى محاربة إسرائيل أيضاً. وساعتئذٍ، سوف يكون المشهد جديداً: "ثلاث مظلوميات طائفية" تتواجه في حربٍ طاحنة.
هل توجد نقطة إيجابية واحدة في بحر الدماء هذا؟ هل نتحرّر، أو نزدهر، أو نسعَد؟ أم نعيش فقط لمراقبة الضوء الذي قد يطلع من هذه النقطة؟ وفي هذه الحالة، علينا أن نعيش طويلاً..