وشهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً في وتيرة التسريبات والتحليلات التي رفعت من احتمالات التوجه إلى تسوية مع حزب المؤتمر الشعبي العام، بقيادة صالح، بعد أن رفع الأخير من وتيرة أنشطته، بلقاءات واجتماعات تنظيمية في العاصمة صنعاء والعديد من المناطق الواقعة تحت سيطرة شريكي الانقلاب، والتي تحتضن عموماً غالبية مناطق الكثافة السكانية في اليمن، ولا ينشط فيها حزبياً، سوى حزب صالح وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بعد أن تعرضت الأحزاب والقوى الأخرى، وأبرزها حزب التجمع اليمني للإصلاح، للملاحقة والاستهداف خلال الحرب.
وفي حين وصف مصدر مطلع في حزب "المؤتمر"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، الاجتماعات واللقاءات التنظيمية في شهر رمضان الماضي، بأنها "أمسيات رمضانية اعتيادية"، تتم إقامتها في الشهر ذاته من كل عام، لم يخفِ المصدر، أن أنشطة هذا العام اكتسبت بعداً سياسياً مختلفاً، باعتبارها تعدت الأنشطة المعتادة، إلى الاستقطاب وتوزيع استمارات للانتساب إلى الحزب وغيرها من الأنشطة والتصريحات، التي جعلت الحزب الحاكم في اليمن سابقاً والمتحالف مع الحوثيين منذ أكثر من عامين، وكأنه يستعد لـ"موسم انتخابي"، أو لتحول سياسي من نوع ما، جرى ربطه بالتطورات الإقليمية وتسريبات المفاوضات. وأخيراً، كانت التسريبات التي تحدثت عنها دورية "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، من أبرز ما وجه الأنظار مجدداً تجاه حزب صالح والتقارير عن دور لنجله، إذ أفادت الدورية بمخطط إماراتي سعودي يسعى للإطاحة بالرئيس الشرعي، عبدربه منصور هادي، ودعم أحمد علي عبدالله صالح، المتواجد في الإمارات، لقيادة مفاوضات تشكيل حكومة يمنية جديدة، بعد أن يُسمح له بالعودة إلى صنعاء لإجراء مشاورات. وتحدثت الدورية عن لقاء ضم نائب رئيس الاستخبارات السعودية، والمتحدث باسم التحالف سابقاً، اللواء أحمد عسيري، بنجل صالح، في أبو ظبي، في 27 يونيو/حزيران الماضي، كما تحدثت عن إرسال صالح مبعوثاً إلى الرياض، انتقل إلى منطقة ظهران الجنوب السعودية لإجراء محادثات، في المدينة التي استضافت المفاوضات المباشرة بين الحوثيين وممثلين عن الجانب السعودي في النصف الأول من العام 2016. ولاحقاً كان من المقرر أن تنتقل إليها لجنة معنية بالتهدئة والإشراف على وقف إطلاق النار.
وعلى الرغم من غياب تأكيد أو نفي رسمي للتسريبات التي أوردتها الدورية الفرنسية، إلا أن المعلومات التي وردت فيها، لم تكن سوى حلقة متطورة، من التسريبات التي يجري الحديث عنها منذ ما يزيد عن شهرين، برزت معها رسائل سياسة بين صالح والرياض. كما تتحدث التسريبات عن العديد من اللقاءات التي عقدها نجل صالح الأكبر في أبو ظبي، ومن ذلك، ما تردد من مزاعم عن لقاء عقده مع قيادات جنوبية متحالفة مع تلك المعروفة بقربها من الإمارات. ولم تصدر تصريحات تؤكد حدوث اللقاءات أو تقدم تفاصيل كأسماء القيادات، غير أن الظروف والمؤشرات المتواترة، لا يستبعد معها أن تدعم أبو ظبي دوراً لنجل صالح، كجزء من تسوية لإنهاء الحرب. وتصب مجمل التسريبات والأنباء التي يتم تداولها في الأوساط السياسية والإعلامية اليمنية إجمالاً إلى أن الرياض وأبو ظبي تدعمان تسوية تسمح لحزب صالح بدور رئيسي شمالاً على حساب حلفائه الحوثيين، في مقابل دعم "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وتيارات أخرى جنوباً، على حساب "حزب التجمع اليمني للإصلاح"، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، والمستهدف الأول من الإعلان المثير للجدل عن "المجلس الانتقالي" الانقلابي، في عدن، الجمعة الماضي، والمتضمن حظر أنشطة جماعات، بينها "الإخوان"، في خطوة تعكس كيف أن المجلس الانفصالي، الذي مثل إعلانه في مايو/أيار الماضي انقلاباً على الشرعية في عدن، ينفذ سياسة أبو ظبي.
شمالاً، تقارب حزب صالح مع الحوثيين منذ سنوات، وساهم معهم بالانقلاب على هادي، وخلال الحرب تحالف الحزب مع الجماعة بصورة علنية. ويعتبر الحزب الوحيد الذي ما يزال يمارس نشاطه، ويتمتع بنفوذ في مناطق سيطرة الحوثيين، لكن الخلافات بين الشريكين تتسع كل يوم، بعد أن جمعهما "تحالف الضرورة". ويثير الحديث عن مفاوضات مع حزب صالح توجس الحوثيين قبل غيرهم، لكن التفاهم بينهما يجعل الخلافات تمضي في إطار لا يتعدى الحدود، على الأقل، حتى اليوم. الجدير بالذكر، أن تسريبات التحضير لطرح تسوية يمنية، عبر خطة يدعمها كل من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، أبرز رجلين في قرار التحالف، يجري الحديث عنها في أوساط سياسية يمنية منذ ما يزيد عن شهرين، غير أنه لم يصدر رسمياً، حتى الآن، ما يؤكد وجود توجه نحو حل واضح الملامح، بقدر ما يزال صوت الحرب والعمليات العسكرية هو الأعلى، ولا تزال المعسكرات المحسوبة على قوات موالية لصالح، تتعرض لضربات جوية بوتيرة شبه يومية، وهو ما يجعل الحديث عن أي تسوية أو خارطة تحالفات جديدة في الحرب، ينطوي على قدر من الحذر، في ظل المعطيات الواقعية شديدة التعقيد. ويمثل الحديث عن عودة حزب صالح، أو نجله للحكم، صدمة لقوى ثورة فبراير/شباط 2011، التي خرجت للإطاحة بصالح ومساعيه للتوريث. ويقول سفير اليمن في بريطانيا، الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني، ياسين سعيد نعمان، في تعليق ضمني على التسريبات، "كم يبدو حالنا مثيراً للشفقة، ونحن نغرق في التسريبات التي تصدر من هنا وهناك من أن قرارات قد اتخذت بعودة فلان وفلان ممن دمروا هذا البلد وأذلوا أهله، إلى السلطة لقيادته مجدداً". ويضيف، في مقالة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، إن هذه التسريبات تتم بـ"أسلوب غوبلزي خطير ليخاطب حالة الإحباط التي ضربت الناس في العمق بسبب حالة اللاحرب واللاسلم التي جعلت الجميع يتخبط داخل حسابات مضروبة في مقدماتها ونتائجها، وكم نبدو على هامش الكون والعالم يتحرك من حولنا في قمم عظمى ليقرر مصير القضايا الكبرى المحددة بتأثيراتها على مستقبل هذا العالم، ولا نرى أنفسنا حاضرين ولو من باب الشفقة والإنسانية أو التفاعل مع ما سال من دماء".