تعدّدت زوايا تناول تاريخ مكتبة الإسكندرية التي تأسّست في القرن الثالث بعد الميلاد، حيث ركّز بعضها على عمارة المبنى الذي مثّل نموذجاً لافتاً في عمران العالم القديم، وبعضها الآخر تناول وظائف المكتبة وأدوارها التي لعبتها في حوض البحر الأبيض المتوسّط كله.
كما ذهب باحثون إلى دراسة الصلة التي قامت بها المكتبة كحلقة وصل بين علوم الشرق والغرب ومعارفهما، والقصد هنا بين حضارات بلاد الرافدين وسورية من جهة وبين الحضارتين المصرية واليونانية من جهة أخرى.
ضمن فعاليات الدورة الثامنة من "معرض ساقية الصاوي" التي تتواصل حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري، تُنظَّم عند الخامسة والنصف من مساء غدٍ الأربعاء حلقة نقاشية حول كتاب "حكاية مكتبة الإسكندرية القديمة" للباحث المصري حسام الحداد، وبحضور المؤلّف.
يتناول الكتاب، الذي صدرت مؤخراً طبعته الرابعة عن "دار إنسان للنشر والتوزيع"، تفاصيل إنشاء المكتبة على يد السياسي والفيلسوف اليوناني ديمتريوس فاليريوس (350 - 280 ق. م) بتكليف من الملك بطليموس الأول، ليتسكملها خليفته بطليموس الثاني.
يذكر الحداد أن العديد من المكتبات بُنيت في مصر قبل ذلك، خاصة في المعابد الفرعونية، لكن "الإسكندرية" تعدّ أول مكتبة حكومية عامة في العالم القديم، وكان الهدف من إنشائها ضم كلّ الإصدارات المعرفية في فضاء واحد، لتجمع للمرة الأولى كتب علوم الحضارتين الفرعونية والإغريقية معاً.
يتناول الفصل الأول، "الإسكندرية القديمة.. نظرة عامة"، تاريخ تأسيس المدينة التي خُطّط لها لتشبه مدينة صور فى أوج ازدهارها التجاري والبحري، ووضع مخطّطاتها المعماري بينوكراتيس الروديسي الذي قسّمها إلى أربعة أحياء، وهي أوّل مدينة أسّسها اليونان خارج بلاد الإغريق.
في الفصل الثاني، "جامعة الإسكندرية القديمة وعلماؤها"، يفنّد المؤلّف آراء مورخين اعتبروا الإسكندرية موطن أقدم جامعة متكاملة عرفها التاريخ القديم، ليضرب المثل بأسبقية جامعة أون القديمة (مدينة الشمس بالهيروغليفية)؛ حيث عُثر هناك على آثار مدارس لتعلّم الرياضيات والفلك تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد.
يستعرض الحداد أدوار عدد من العلماء الذين ارتبطوا بالمكتبة، مثل عالم الرياضيات والطبيب هيروفليوس، وإريستاركوس الذي طور الأفكار الكونية حول مركزية الشمس لما حولها من كواكب، وأرازيستراتوس أبو علم وظائف الأعضاء، وأرشيميدس عالم رياضيات وصاحب قانون طفو الأجسام، ديونيسيوس واضع قواعد اللغة والصرف، والفيلسوف أفلوطين.
يقارب الفصل الثالث، "مكتبة الإسكندرية القديمة وتأسيس العلم الحديث"، بعض الأفكار الصادمة التي انبعثت من هذا المكان، ومنها إثبات مركزية الشمس ودوران الأرض حولها، إلى جانب تقديم عدد من الاختراعات، ووضع مؤلّفات تحتوي أسس الرياضيات والهندسة، وتأليف أول كتاب يخلو من الخرافات وتاريخ اليونان وطروادة لـ إيرانوسثينوس.
يناقش الفصل الرابع، "حريق المكتبة"، أقوال مؤرّخين حول تورط يوليوس قيصر في فناء المكتبة، ويذهب إلى أنه حرق مخزناً يحتوى على أوراق بردية، وأنه قد يعود الفناء إلى استهلاك الكتب دون ضخّ نسخ جديدة، تماشياً مع رأي سليم حسن صاحب موسوعة "مصر القديمة".