28 يناير 2024
حسنين في سوق السادة
"دي مش فزورة يَا حسنين".. ألست القائل منذ فجر التاريخ المصري: "الّلي ملوش كبير لازم يشتريله كبير"، أم تُراك ستتراجع الآن عن مقولتك أمام هول المذبحة أخيرا في سيناء؟ أعني حين اكتشفت أن "كبيرك" عبد الفتاح السيسي، الذي اشتريته بمذبحةٍ أفدح ثمنًا في ميداني رابعة العدوية والنهضة لم يستطع أن يرد عنك رصاص الإرهاب، لا في مسجد الروضة، ولا في غيره من صحراء التيه.
لا أزعم أن المعادلة سهلة، يا أسطى حسنين. لكن، أخبرني فقط أيّ ماكر ذلك الذي أقنعك بأن "الكبير" لا يكون بغير "البسطار" والنياشين العسكرية البرّاقة؟ لماذا لا تؤمن يومًا بأن الزمن تغير، وأصبح الكبير هو من تفرزه صناديق الاقتراع، لا "كراتين الكفتة" التي يمنّون عليك بها، ليضمنوا ولاءك للسوط والعصا؟
هي ليست معضلتك وحدكـ يا أسطى. أدري ذلك، بل تشمل سائر المصريين الذين باركوا مذبحة الحرية البازغة، وما أكثرهم، خصوصًا أن فيلق المقدمة ضم إعلاميين وفنانين ومفكرين كانوا في ما مضى من زمن الخديعة، يوهموننا، بأقلامهم وأعمالهم الفنية، أنهم مشاعل حرية تنتظر اللحظة الملائمة للانقضاض على رموز الاستبداد، ولم نكن ندري أنهم كانوا "ممثلين" حقيقيين، لا على شاشة السينما والتلفاز فقط، بل على شاشة الحياة ذاتها. وما حدث بعد ذلك كان صادمًا، يوم انبرى هؤلاء بأقلامهم وفحيح ألسنتهم؛ ليقودوا "النكسة" الثانية في الحياة المصرية بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967، وأعني بها نكسة أغسطس/ آب 2013 المعمّدة بدماء آلاف القتلى والجرحى في ميداني رابعة والنهضة، والتي وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها "أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث".
قلت هي ليست معضلتك وحدك، يا حسنين، غير أنني أدرك، في المقابل، أن لك معضلة مضاعفة في سيناء، حصرًا، بوصفها أشد البقع إشكالًا عبر التاريخ، بمحمولاتها الجغرافية والتاريخية والدينية والسياسية، فهي المثلث الرابط بين قارتي آسيا وأفريقيا، وهي الصحراء التي شهدت محنة التيه اليهودي.
تعرف ذلك كله، يا حسنين، لكن ربما تفوتك معضلة أخرى حديثة، دارت أحداثها أخيرا في عقول "جيرانك" الصهاينة الذين اقترحوا أن تقام على شبه جزيرة سيناء "الدولة الفلسطينية"، مع قطاع غزة، بالطبع، على اعتبار أن سيناء صحراء مهجورة لا يقطنها أكثر من مليون ونصف المليون مصري من أمثالك، يا حسنين، فهل تفهم اللعبة الآن؟
هل تفهم أن سيناء، أو أرض الفيروز كما سماها أجدادك، غدت بقعة لتصفية حسابات "الكبار" الذين اشتريت أنت بعضهم، لتلوذ بهم من إحساسك المتأصل بالضآلة؟ وهل ستدرك أن المذابح، والمذابح المضادّة، مرسومة ومخطط لها على طاولات أولئك "الكبار"، أما وقود تلك المذابح فهو جسدك أنت، يا حسنين.
أما المعضلة الأهم والأكثر جذريةً في حياتك، يا حسنين، بل في الحياة العربية، بمجملها، يا صديقي، فيتمثل في هذا الاعتقاد الهوَسي بـ"الكبار"، وبمفهومنا الدامي عن أهميتهم في حياتنا.
ثق، يا صديقي، أننا بهذه المعتقدات البالية لن نخرج، أبدًا، من دائرة الاستبداد، ولن نتحرّر من فلك الطغاة، مهما اشترينا من "كبار"، سواء كانوا كبارًا من الداخل أو الخارج، فابن الداخل مستبد، وابن الخارج مستعمر، ولك أن تشاهد ما حلّ في ليبيا التي ارتأى أهلها أن يشتروا "كبارًا" من الخارج لتخليصهم من طاغيتهم، بدل أن يتخلصوا منه بأنفسهم.
وقبل هذا وذاك، يا أسطى حسنين، عليك أن تعلم، وأن نعلم معك، أن عدم تحرّرنا من هذا المعتقد يعني أننا نحمل أخلاق العبيد في عروقنا، وبأن لا حياة لنا بغير "سيد"، مهما فتلنا شواربنا، وضربنا على صدورنا، إذ سرعان ما نتضاءل ونتقافز كالفئران، إذا أحسسنا يومًا أننا فقدنا "الكبير".. فهل تتخيل، أيها المسكين، سوقًا للنخاسة، يكون المشترون فيها عبيدًا، والبضاعة "أسيادًا"؟
لا أزعم أن المعادلة سهلة، يا أسطى حسنين. لكن، أخبرني فقط أيّ ماكر ذلك الذي أقنعك بأن "الكبير" لا يكون بغير "البسطار" والنياشين العسكرية البرّاقة؟ لماذا لا تؤمن يومًا بأن الزمن تغير، وأصبح الكبير هو من تفرزه صناديق الاقتراع، لا "كراتين الكفتة" التي يمنّون عليك بها، ليضمنوا ولاءك للسوط والعصا؟
هي ليست معضلتك وحدكـ يا أسطى. أدري ذلك، بل تشمل سائر المصريين الذين باركوا مذبحة الحرية البازغة، وما أكثرهم، خصوصًا أن فيلق المقدمة ضم إعلاميين وفنانين ومفكرين كانوا في ما مضى من زمن الخديعة، يوهموننا، بأقلامهم وأعمالهم الفنية، أنهم مشاعل حرية تنتظر اللحظة الملائمة للانقضاض على رموز الاستبداد، ولم نكن ندري أنهم كانوا "ممثلين" حقيقيين، لا على شاشة السينما والتلفاز فقط، بل على شاشة الحياة ذاتها. وما حدث بعد ذلك كان صادمًا، يوم انبرى هؤلاء بأقلامهم وفحيح ألسنتهم؛ ليقودوا "النكسة" الثانية في الحياة المصرية بعد نكسة يونيو/ حزيران 1967، وأعني بها نكسة أغسطس/ آب 2013 المعمّدة بدماء آلاف القتلى والجرحى في ميداني رابعة والنهضة، والتي وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها "أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث".
قلت هي ليست معضلتك وحدك، يا حسنين، غير أنني أدرك، في المقابل، أن لك معضلة مضاعفة في سيناء، حصرًا، بوصفها أشد البقع إشكالًا عبر التاريخ، بمحمولاتها الجغرافية والتاريخية والدينية والسياسية، فهي المثلث الرابط بين قارتي آسيا وأفريقيا، وهي الصحراء التي شهدت محنة التيه اليهودي.
تعرف ذلك كله، يا حسنين، لكن ربما تفوتك معضلة أخرى حديثة، دارت أحداثها أخيرا في عقول "جيرانك" الصهاينة الذين اقترحوا أن تقام على شبه جزيرة سيناء "الدولة الفلسطينية"، مع قطاع غزة، بالطبع، على اعتبار أن سيناء صحراء مهجورة لا يقطنها أكثر من مليون ونصف المليون مصري من أمثالك، يا حسنين، فهل تفهم اللعبة الآن؟
هل تفهم أن سيناء، أو أرض الفيروز كما سماها أجدادك، غدت بقعة لتصفية حسابات "الكبار" الذين اشتريت أنت بعضهم، لتلوذ بهم من إحساسك المتأصل بالضآلة؟ وهل ستدرك أن المذابح، والمذابح المضادّة، مرسومة ومخطط لها على طاولات أولئك "الكبار"، أما وقود تلك المذابح فهو جسدك أنت، يا حسنين.
أما المعضلة الأهم والأكثر جذريةً في حياتك، يا حسنين، بل في الحياة العربية، بمجملها، يا صديقي، فيتمثل في هذا الاعتقاد الهوَسي بـ"الكبار"، وبمفهومنا الدامي عن أهميتهم في حياتنا.
ثق، يا صديقي، أننا بهذه المعتقدات البالية لن نخرج، أبدًا، من دائرة الاستبداد، ولن نتحرّر من فلك الطغاة، مهما اشترينا من "كبار"، سواء كانوا كبارًا من الداخل أو الخارج، فابن الداخل مستبد، وابن الخارج مستعمر، ولك أن تشاهد ما حلّ في ليبيا التي ارتأى أهلها أن يشتروا "كبارًا" من الخارج لتخليصهم من طاغيتهم، بدل أن يتخلصوا منه بأنفسهم.
وقبل هذا وذاك، يا أسطى حسنين، عليك أن تعلم، وأن نعلم معك، أن عدم تحرّرنا من هذا المعتقد يعني أننا نحمل أخلاق العبيد في عروقنا، وبأن لا حياة لنا بغير "سيد"، مهما فتلنا شواربنا، وضربنا على صدورنا، إذ سرعان ما نتضاءل ونتقافز كالفئران، إذا أحسسنا يومًا أننا فقدنا "الكبير".. فهل تتخيل، أيها المسكين، سوقًا للنخاسة، يكون المشترون فيها عبيدًا، والبضاعة "أسيادًا"؟