بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لتقييد الهجرة غير النظامية للاجئين إلى أوروبا، تتزايد التساؤلات حول مصير هذا الاتفاق، بعد اتهامات عديدة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للأوروبيين بالتخاذل في تنفيذ تعهداتهم المالية، وتهديده بخرق الاتفاق وفتح الحدود أمام اللاجئين، إذا لم تتلقَ أنقرة الدعم المالي ولم يتم إنشاء "المنطقة الآمنة" في الشمال السوري. هذا الواقع المستجد، دفع الحكومة الألمانية لتعزيز حراكها لإنقاذ هذا الاتفاق، وكان محور اتصال بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وأردوغان قبل بضعة أيام، بالتوازي مع زيادة ألمانيا الضغط على اليونان بهدف إنقاذ الاتفاق المثير للجدل بعد توجّس ألماني من تراخٍ تركي في تنفيذ الاتفاقية، وبالتالي ازدياد أعداد الواصلين عبر بحر إيجه بصورة مضطردة. أما أنقرة التي تشكو من بطء دفع الأموال، فتركز أمام الأوروبيين على الأعباء الاقتصادية، معلنة مراراً أنها لا يمكن أن تتحمّل أعداد اللاجئين لوحدها.
ويحصل كل ذلك على وقع وصول أكثر من 8 آلاف مهاجر خلال أغسطس/ آب الماضي إلى اليونان، وهو أكبر عدد من اللاجئين يصل منذ مارس/ آذار 2016، لينضموا إلى المناطق الساخنة في اليونان، وبات العدد فيها يناهز الـ25 ألفاً، بينهم أكثر من 4200 من القاصرين غير المصحوبين بذويهم. مع العلم أن المخيمات في تلك الجزر اليونانية تم تجهيزها لتأوي فقط 6300 شخص، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفي هذا الإطار، قال الباحث في شؤون الهجرة جيرالد كناوس، الذي شارك في تطوير الاتفاقية عام 2016، إنه يجب التعامل مع وصول هذه الأعداد كمؤشر خطير، مع تأكيده في الوقت نفسه أن الوضع لم يخرج عن السيطرة بعد. ولفت كناوس إلى أنه لا تزال هناك فرصة للحفاظ على الاتفاقية مع الحاجة الماسة لخطة دعم للسلطات اليونانية، محذراً في حديث مع صحيفة "ميركور"، من الظروف الإنسانية في الجزر اليونانية، ومشدداً على أهمية أن تتم معالجة طلبات اللجوء خلال أسابيع قليلة وإعادة المهاجرين إلى تركيا في الوقت المناسب، وفقاً للاتفاق الذي قضى باستقبال لاجئ من تركيا مقابل آخر يتم ترحيله وهو ما لم يحصل.
ويرى متابعون للوضع أن إنقاذ الاتفاقية بحاجة لإجراءين: أولهما أن تحصل اليونان على الدعم الإداري والكادر البشري المعاون حتى تتمكن من إنجاز إجراءات اللجوء خلال فترة قصيرة بطريقة فعالة، مع إمكان طلب الدعم من دول مثل سويسرا وألمانيا والسويد، فضلاً عن تقديم المزيد من الدعم لأنقرة لمواجهة الأزمة، وهذا من مصلحة الاتحاد الأوروبي، وبالطبع من شأنه أن يبقي المواطن السوري قريباً من بلده، ما سيسهل عودته لاحقاً.
وبحسب إحصاءات المفوضية الأوروبية، تمت إعادة 1904 أشخاص فقط من اليونان إلى تركيا منذ بدء تنفيذ الاتفاق، في حين أن من تم توزيعهم من اللاجئين السوريين من الجزر اليونانية منذ ذلك الحين على دول الاتحاد الأوروبي أعلى بكثير وبلغ عددهم 24348 شخصاً منذ العام 2016، بينهم 8896 وصلوا إلى ألمانيا.
وفي السياق، قالت القناة الثانية في التلفزيون الألماني إن المفوضية الأوروبية تعرب عن اعتقادها بأنه يمكن مواصلة العمل مع الشركاء الأتراك بحسن نيّة على الرغم من التهديدات التي تطلقها أنقرة. كذلك ذكرت المتحدثة باسم المفوضية ناتاشا بيرتو، أنه تم منح 5.4 مليارات يورو من 6 مليارات هي أساس المبلغ المنصوص عليه في الاتفاق، على عكس ما يعلنه أردوغان من بطء التحويلات، والمبلغ المتبقي سيُدفع خلال الفترة القريبة المقبلة، مقابل تعهدات أنقرة بتأمين سواحلها ومنع عبور اللاجئين إلى اليونان، وهو ما اعتُبر في حينه نجاحاً لأوروبا، على الرغم مما يعتري الاتفاق من ثغرات.
تجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية الحرب في سورية عام 2011 استقبلت تركيا أكثر من 3.6 ملايين لاجئ من الدول المجاورة لها، وأكثر من أي دولة أخرى في العالم، وهم الذين وصفهم أردوغان بالضيوف، في وقت يبدو فيه الاتحاد الأوروبي بعيداً عن حل أزمة اللاجئين وبات عليه تقديم ضمانات لدول مثل إيطاليا أو مالطا لكي تقبل باستقبالهم.