حمل المخرج العراقي حسين العكيلي كاميرته واصطحب فريق عمله إلى الموصل ("شارع رأس الكورن" تحديداً)، الذي يُعتبر أحد أخطر الأماكن في تلك المدينة، حتّى بعد تحريرها من قِبَل القوات العراقية. هناك، صوّر العكيلي فيلمه الجديد "النافذة الحمراء" فوق ركام مدينة مهدّمة بالكامل. درس العكيلي الإخراج السينمائي والتصوير والمونتاج والسيناريو في كلية الفنون في جامعة بابل، حيث يعمل الآن محاضراً وأستاذاً لمادة الإخراج والتصوير السينمائيّين. مثّل العراق في مهرجانات دولية عدّة، في كانّ (2013) وزوريخ (2012) وجنيف (2012). أخرج 15 فيلماً قصيراً، منها "تجارب الوجود" و"كنوز بابل" و"الطريق الى بغداد" وغيرها. عن "النافذة الحمراء".
يقول العكيلي لـ"العربي الجديد" إنّه "يتماهى مع مدن الموت والخراب، ويُبيّن أنّ الحبّ فيها يمكنه أنْ يُغيّر القلوب التي أدماها الموت والكراهية"، متسائلاً: "كيف يُمكن لداعشيّ تكفيريّ أنْ يتخلّى عن القتل والموت ليولد مجدّداً مع الحبّ والحياة؟ هل يُمكن للحبّ أنْ يغسل الأيدي الملوّثة بدماء الأبرياء؟ هذا موضوع الفيلم". وعن سبب اختيار هذا المكان الخطر للتصوير، وعمّا واجهه، يقول: "اشترك في تنفيذ الفيلم 21 شخصاً، هم الفريق الفنيّ، المُتفاني في العمل، والمُصرّ على تحقيقه في هذه المنطقة غير الآمنة". يُضيف: "لم نكن نعرف ماذا سيحلّ بنا ونحن نمشي في جوار مصانع كانت عصابات (داعش) تصنع فيها الديناميت لتفخيخ السيارات وقتل الناس العزل. المكان كان مخيفاً جداً في لحظةٍ ما، عندما كنتُ أبقى في غرفة القنّاص، وهي في الحقيقة غرفة لداعشيّ عثرنا فيها على تجهيزاتٍ له، كانت جزءاً من الفيلم".
يقول العكيلي أيضاً: "كنتُ أتأمّل المكان للإعداد لمشهد أو لاستكمال مشهد. كنتُ أسمع أصواتاً كأنها أصوات أبرياء استَهْدفهم القنّاص. كان يُراودني شعورٌ غريبٌ ومخيفٌ للغاية". عن السيناريو، يقول إنّ السينارست ولاء المانع استلهم فكرة الـ"ثيمة" من قصّة حقيقية حدثت في سورية، مؤكّداً أنّ الحبّ قادرٌ على أن يغيّر حتّى الأشرار، وعلى منح الإنسان فرصة أنْ يكون أفضل: "مراحل التصوير شهدت صعوبات كثيرة، إذْ جرت في مناطق غير آمنة، حتّى إنّ فريق العمل استعان بالجيش العراقي لتأمينها، لأنّها لم تخلُ من عبوات وأحزمة ناسفة"، مشيراً إلى أنّ تصوير المَشاهد تمّ في النهار، وعولجت كي تقع الأحداث ليلاً. المانع أصرّ على الوجود أثناء التصوير، لأنّ السيناريو ربما يأخذ منحى آخر خلاله، فالمكان يفرض أحداثاً وتغييرات كثيرة".
ويضيف العكيلي أنّ المكان المختار للتصوير يقع إلى جوار معمل لصنع الأحزمة الناسفة والمفخّخات، وأنّ سكّان المنطقة كانوا متعاونين جداً مع فريق العمل، وأنّهم رووا له قصصاً وظّفها المخرج في العمل، مُضيفاً أنّ حالة من الهلع أصابت فريق التمثيل عند مشاهدته النسخة الأولى من الفيلم، فبعضهم ممن أدّى دور الدواعش اعتقد أنّه "داعشيّ حقيقيّ". يقول العكيلي: "أكثر الأماكن التي شعرتُ فيها بالأمان كان مكتبةً، تحتوي على كتب وكرّاسات تثقيفية لـ"داعش"، تبثّ أفكارهم على سكّان الموصل.
أفراد العائلة التي كانت تسكن البيت بعد تحرير المدينة وعودتها إليه أناسٌ ودودون جداً، وتتألّف من امرأة و4 أطفال، تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاماً، اشترك عمر (10 أعوام)، الابن الأوسط، معنا في التمثيل، فظهر في مشهدين اثنين. تحدّثت معه بخصوص دوره، ودرّبته على الأداء. أخبرني أنّه يحلم بأنْ يصبح ممثلاً مشهوراً كي تشاهده ابنة خالته على شاشة التلفاز، لأنّها هاجرت مع عائلتها بعد سقوط الموصل الى خارج العراق، ولا يعرف مصيرها. الأب احتفظ بالمكتبة بعد التحرير، لتكون شاهداً على كلّ ما بثّه "داعش" من أفكارٍ تكفيرية على سكّان المدينة، فالمكتبة تحتوي على مجموعة كبيرة جداً من الكتب". وختم حسين العكيلي حديثه قائلاً: "عبر هذه العائلة وذاك المكان، يحاكي "النافذة الحمراء" ما تعرّض له سكّان الموصل. الفكرة مُرحَّبٌ بها، والتصوير في البيت احتاج إلى يومين، والناس فتحو لنا أبوابهم برحابة صدر وحسن ضيافة".