في تطور مفاجئ، أعلن المرشد علي خامنئي، القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية، في مرسوم نشره الموقع الإعلامي لمكتبه، أوّل من أمس الأحد، تعيين حسين سلامي قائداً عاماً للحرس الثوري، خلفاً للجنرال محمد علي جعفري، بعد رفع رتبة سلامي العسكرية من رتبة عميد إلى لواء. وأثار هذا التعيين الكثير من التساؤلات، خصوصاً في هذه المرحلة التي تتعرّض فيها طهران لضغوط دولية وأميركية هائلة، وأيضاً لجهة توقيته، إذ إنه أتى بعد أسبوعين من تصنيف الإدارة الأميركية للحرس الثوري الإيراني "منظمة إرهابية" يمنع التعامل معها، على الرغم من كشف مسؤولين أميركيين أخيراً، عن أن الولايات المتحدة انتهت إلى حدّ كبير من وضع استثناءات لحكومات وشركات ومنظمات غير حكومية أجنبية كي لا تتعرض تلقائياً لعقوبات أميركية بسبب تعاملها مع الحرس الثوري.
والحرس الثوري الإيراني ليس جسماً عسكرياً ولا جزءاً من القوات الإيرانية فحسب، إنما هو مؤسسة متكاملة الأركان، تضطلع بمهام عسكرية وسياسية واقتصادية وأمنية وثقافية، باعتبارها "حارس الثورة الإسلامية ومكتسباتها"، وفقا للمادة 150 من الدستور الإيراني، وهو ما يخولها الولوج في هذه المجالات للحفاظ على "الثورة"، بحسب تفسيرات قادة الحرس وقوى محافظة لهذه المادة، فيما ترفضها القوى الإصلاحية.
ويأتي قرار تعيين سلامي قائداً جديداً للحرس الثوري عشية الذكرى الأربعين لتأسيسه، استكمالاً لقرارات أخرى اتخذها خامنئي منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، عبر إجراء تغييرات شملت قيادة القوات البحرية وقيادة التنسيق في الحرس. حينها انتشرت أنباء حول تغيير جعفري أيضاً، لكن رئيس المكتب العسكري للقيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد شيرازي، نفى وقتها صحة تلك الأنباء، واصفاً إياها بـ"الشائعات". ولد سلامي، البالغ من العمر 58 عاماً، والمدرج على قائمة العقوبات الأميركية، في مدينة غلبايغان التابعة لمحافظة أصفهان، وسط إيران، التحق بالحرس الثوري عام 1981 مع اندلاع الحرب الإيرانية العراقية، التي كانت له مشاركة فاعلة فيها، خصوصاً على الجبهات الجنوبية والغربية في البلاد. وبعد انتهاء الحرب، حصل على شهادة الماجستير في الإدارة الدفاعية.
وإلى جانب مسؤولياته العسكرية الميدانية، زاول سلامي أيضاً مهنة التدريس في كلية القيادة والأركان التابعة للحرس الثوري، وهو اليوم عضو الهيئة التعليمية في جامعة الدفاع الوطني الإيرانية. تقلد سلامي مناصب عدة في الحرس، من أهمها قائد كلية دافوس العسكرية، وقائد العمليات في قيادة الأركان المشتركة، وقائد القوات الجو-فضائية، ونائب القائد العام للحرس.
ولا توجد فترة زمنية محددة للشخص الذي يتولى قيادة الحرس الثوري الإيراني، لكن جرت العادة، وفقاً لقرارات إعفاء وتعيين اتخذها خامنئي منذ توليه منصب قيادة الثورة الإسلامية عام 1989، أن يبقى معظم المعينين من قبله في مسؤولياتهم المدنية والعسكرية لمدة عشر سنوات، ثمّ يتم إعفاؤهم وتعيين أشخاص جدد مكانهم.
بناء على هذه القاعدة، تكون قد انتهت فترة مسؤولية الجنرال محمد علي جعفري في قيادة الحرس قبل عامين، لكنه ظلّ في منصبه إلى أن صرّح في يونيو/ حزيران من عام 2017، بأنّ خامنئي قد مدّد ولايته لثلاث سنوات، على أن تنتهي في يونيو 2020. إلا أنّ إعفاءه أخيراً من منصبه وتعيين سلامي مكانه، قد حدث قبل هذا التاريخ، ليبرر خامنئي ذلك في مرسوم تعيين القائد العام الجديد، بطلب جعفري لـ"ضرورة تغيير قيادة الحرس". مع ذلك، وبالعودة إلى التغييرات التي طاولت قيادات الحرس خلال العقود الأربعة الماضية، يتضح أنّ هذه التغييرات لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بطبيعة المرحلة التي تعيشها إيران، وتهديداتها والأولويات التي تفرضها، الأمر الذي يعطي دلالات سياسية وعسكرية محددة لقرارات التعيين والإعفاء لقادة المؤسسة.
اقــرأ أيضاً
وفي السياق، يمكن تقسيم فترات قيادة الحرس خلال 40 عاماً مضت على تأسيسه، إلى ثلاث مراحل، قبل أن تبدأ أخيراً المرحلة الرابعة بعد تعيين سلامي. المرحلة الأولى قادها الجنرال محسن رضائي، واستمرت من عام 1981 إلى عام 1997، وقد فرضت أولويات أربعة، هي: تثبيت الثورة، وحرب الثماني سنوات مع العراق، ومواجهة التيارات والتنظيمات المناهضة للثورة في الداخل، وبناء القدرات والإمكانيات للحرس. أما المرحلة الثانية فقادها الجنرال يحيي رحيم صفوي، من عام 1997 إلى عام 2007، وقد شهدت إعادة بناء قدرات الحرس الثوري وتطويره وتوسيع مهامه. في المقابل، استمرت المرحلة الثالثة من عام 2007 إلى أول من أمس، الأحد، وقادها الجنرال محمد علي جعفري، وشهدت تغييرات بنيوية في الحرس، بما يتناسب مع طبيعة هذه المرحلة، والتي مرت فيها الثورة الإسلامية الإيرانية بأحد أكبر التهديدات، والمتمثل في احتجاجات عام 2009 على نتائج الانتخابات الرئاسية، ونشوء الحركة الخضراء، وهو ما اعتبرته السلطات الإيرانية حرباً ناعمة أخطر من الحروب العسكرية. وخلال هذه المرحلة، أسّس جعفري منظمة استخبارات الحرس بعد تجميع وحدات أمنية واستخبارية عدة في كيان واحد.
أما اليوم، فتبدأ المرحلة الرابعة في قيادة الحرس الثوري الإيراني، بعد تعيين سلامي قائداً عاماً جديداً، في ظلّ ظروف داخلية وإقليمية ودولية استثنائية تمر بها إيران، وتفرض عليها تحديات وتهديدات في الساحات كافة، مع دخول ثورتها عقدها الخامس منذ فبراير/ شباط الماضي. ويأتي ذلك تحديداً على خلفية بدء مرحلة جديدة من الصراع بين طهران وواشنطن، إثر انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018، معلناً استراتيجية "الضغوط القصوى"، والتي تمارسها إدارته تجاه إيران في أبعاد مختلفة، سياسية ونفسية واقتصادية وعسكرية. وبناء على هذه الاستراتيجية، دشّنت واشنطن فصلاً جديداً من التصعيد "الخطير" ضد طهران، بوضع الحرس الثوري على لائحة "التنظيمات الإرهابية"، وهو إجراء وصفه البيت الأبيض نفسه في مرسوم القرار بـ"غير المسبوق" في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، إذ لم يسبق أن صُنّف جيش تابع لدولة أخرى "إرهابياً".
وعلى الأغلب، قد تكون هذه المعطيات والظروف "الاستثنائية" التي يرى البعض أنها مفتوحة على جميع الاحتمالات بما فيها مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن، لعبت دوراً بارزاً في اتخاذ القرار بتغيير قيادة المؤسسة العسكرية الإيرانية التي تتولى مسؤولية حماية الثورة الإسلامية في إيران ومكتسباتها، ليضخ خامنئي دماءً جديدة في الجسم الحامي للثورة لقيادة هذه المرحلة الصعبة في حياتها، بتحدياتها وتهديداتها. واللافت في هذا السياق، أنّ القائد الجديد للحرس الثوري يعرف بمواقفه الصلبة والمتشددة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا. وهو من المدافعين الشرسين عن البرنامج الصاروخي الإيراني الذي تطالب هذه الجهات بوقفه، وهدّدت أوروبا أخيراً بفرض عقوبات على إيران في حال استمرت في تطوير قدراتها الصاروخية، قبل أن يردّ عليها سلامي لاحقاً مهدداً بـ"قفزة استراتيجية" في هذا الصدد، "إذا ما تابع الأوروبيون نزع السلاح الصاروخي الإيراني تنفيذاً لمؤامرة"، بحسب وصفه. وتوعد سلامي في تصريحات أخرى، برفع مدى الصواريخ الإيرانية إلى أكثر من ألفي كيلومتر "في حال تخطى الأوروبيون حدودهم".
كذلك، ردّ سلامي في فبراير/ شباط الماضي، على التهديدات الإسرائيلية تجاه بلاده بالقول إنّ "استراتيجيتنا هي إزالة إسرائيل من على الجغرافيا السياسية في العالم". وفي ظل هذه المعطيات، فإنّ تعيين سلامي لا يعتبر قراراً اعتيادياً، وإنما يحمل في طياته رسائل واضحة، لعل أهمها أنّ إيران اختارت لغة التصعيد في مواجهة التصعيد الأميركي والأوروبي، وأنها ليست في وارد التراجع أمام هذه الضغوط.