01 أكتوبر 2022
حصاد السياسة المصرية.. البحث عن ثغرة
إذا كانت مصر عموماً تعاني، في السنوات الأخيرة، إغلاقاً تدريجياً للمجال العام، فإن الصورة الشاملة لحصاد عام 2017 تمنحنا مشهداً لم يحدث في تاريخ مصر منذ العهد الناصري، لكنه هذه المرة بلا مكتسباتٍ اجتماعيةٍ في المقابل. خنق كامل من دون أي سعي إلى "الديكور" الذي كان يحدث قديماً. هذا المخرج مختلف يدمر الديكور، ويهدم المسرح.
للمرة الأولى، يتم التوسع في القبض على أعضاء أحزاب شرعية من منازلهم، وليس من فعاليات كما كان العرف السابق. وللمرة الأولى، تشمل الحملات قياداتٍ بوزن إسلام مرعي، أمين تنظيم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والذي حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بتهمٍ منها تمويل عمليات إرهابية، على الرغم من مفارقة أن حزبه شريك أساسي في حكومة "30 يونيو" ودستورها.
أيضاً تم تجاوز الأسلوب القديم لتوجيه الإعلام الخاص، أو حتى امتلكه عبر وسطاء، ليصبح التوجه الحالي الملكية المباشرة للمخابرات العامة أو الحربية، والإعلان عن ذلك. وبهذا، شهدنا للمرة الأولى حديثاً بصراحة ما نشره رئيس تحرير "المصري اليوم" أن شركة إيغل كابيتال التي استحوذت على أضخم كيان إعلامي في مصر، إعلام المصريين، هي بمثابة "صندوق سيادي". كما شاهدنا نموذجاً للإدارة المباشرة بتولي المتحدث العسكري السابق، العميد أحمد سمير، إدارة قناة العاصمة بعد ثلاثة أسابيع فقط من مغادرته منصبه.
شهدت الجامعات بدورها العودة إلى عصور ما قبل الثورة بشكل كامل للمرة الأولى. تم شطب الطلاب المعارضين من المنبع من قوائم الترشّح، بعد أن استوعبت الدولة صدمة الخسارة الشاملة لطلابها في انتخابات العام الماضي.
وإذا كانت هذه التطورات مرتبطةً بوضوح باقتراب الانتخابات الرئاسية، فقد كان نصيبها حافلاً. خالد علي مهدد بمنع الترشح، بل والسجن بأية لحظة. العقيد أحمد قنصوة حكم عليه بالسجن ست سنوات. تراجع الفريق أحمد شفيق، وقال إنه يفكر من جديد بعد ما يبدو أنه "جلسة استتابة" خضع لها، فور وصوله مُرّحلاً ضد إرادته من الإمارات. أما النائب السابق محمد أنور السادات فقد كتب لرئيس لجنة الانتخابات شكوى من منعه من تأجير أي قاعة في أي فندق لعقد مؤتمر، يعلن فيه موقفه من الترشح في الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني المقبل. منع حجز القاعات بواسطة ضباط من أمن الدولة ظاهرة متكرّرة، حدثت مع حملة خالد علي فلجأت لمقر الدستور، كما حدث سابقاً مع النائب هيثم الحريري، وأيضاً مع حزب مصر القوية في أثناء محاولته عقد مؤتمره العام، بل حكى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عن منع حجز قاعةٍ لعقد إفطار في رمضان.
واقعياً، غرض كل هذه الإجراءات الرئيسي، بخلاف التضييق على الفاعلين أنفسهم، هو تخويف غير الفاعلين، العودة إلى ترسيخ قيم "ثورة يوليو" الكارهة للسياسة، حيث مجرد مصطلحات "حزب"، "تنظيم"، "تمويل" أفعال مخيفة وغير مفهومة شعبياً. قال السادات إنه قرّر القيام بتجربةٍ لما سيحدث عند فتح باب توكيلات الرئاسة، فأرسل بعض أفراد حزبه في محافظتين إلى الشهر العقاري، ليجدوا تهرّباً من المسؤولين، ثم قيل لهم إن الأمن الوطني سيجمع أسماء من يقدّم توكيلات للرئاسة أو للأحزاب.
من المستحيل أن أدّعي أن بإمكاني تقديم حل واضح لتجنب الأثر المدمّر لما يحدث. والحيرة حق لكل متابع لما يجري. لكن في المقابل يجب التأكيد أن ما يحدث هو، في حد ذاته شهادة، من السلطة بجدوى العمل المعارض، وبعدم حسم كل المعطيات بيد النظام. لو كانت الانتخابات مجرّد تمثيلية تملك الدولة كل خطوطها، لما كانت هناك حاجة لكل ما يحدث، لتركوا السادات وخالد علي وشفيق وقنصوة وغيرهم يترشحون كما شاءوا، ثم ليُصدروا النتيجة التي يريدونها.
يمكن أن نتناقش طويلاً بشأن الإبداع في طرق الاحتجاج والمشاركة السياسية الجديدة، وتقسيم العمل بين الأخطر والأكثر أمناً على المشاركين، حسب خبراتهم واستعدادهم، لكن المهم قبل ذلك ألا ننسى الاستراتيجية العامة: إذا كان خصمنا يفعل كل هذا لمنع المشاركة السياسية، وتخويف الناس منها، فلن نمنحه مجّاناً ما يشاء.
للمرة الأولى، يتم التوسع في القبض على أعضاء أحزاب شرعية من منازلهم، وليس من فعاليات كما كان العرف السابق. وللمرة الأولى، تشمل الحملات قياداتٍ بوزن إسلام مرعي، أمين تنظيم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والذي حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بتهمٍ منها تمويل عمليات إرهابية، على الرغم من مفارقة أن حزبه شريك أساسي في حكومة "30 يونيو" ودستورها.
أيضاً تم تجاوز الأسلوب القديم لتوجيه الإعلام الخاص، أو حتى امتلكه عبر وسطاء، ليصبح التوجه الحالي الملكية المباشرة للمخابرات العامة أو الحربية، والإعلان عن ذلك. وبهذا، شهدنا للمرة الأولى حديثاً بصراحة ما نشره رئيس تحرير "المصري اليوم" أن شركة إيغل كابيتال التي استحوذت على أضخم كيان إعلامي في مصر، إعلام المصريين، هي بمثابة "صندوق سيادي". كما شاهدنا نموذجاً للإدارة المباشرة بتولي المتحدث العسكري السابق، العميد أحمد سمير، إدارة قناة العاصمة بعد ثلاثة أسابيع فقط من مغادرته منصبه.
شهدت الجامعات بدورها العودة إلى عصور ما قبل الثورة بشكل كامل للمرة الأولى. تم شطب الطلاب المعارضين من المنبع من قوائم الترشّح، بعد أن استوعبت الدولة صدمة الخسارة الشاملة لطلابها في انتخابات العام الماضي.
وإذا كانت هذه التطورات مرتبطةً بوضوح باقتراب الانتخابات الرئاسية، فقد كان نصيبها حافلاً. خالد علي مهدد بمنع الترشح، بل والسجن بأية لحظة. العقيد أحمد قنصوة حكم عليه بالسجن ست سنوات. تراجع الفريق أحمد شفيق، وقال إنه يفكر من جديد بعد ما يبدو أنه "جلسة استتابة" خضع لها، فور وصوله مُرّحلاً ضد إرادته من الإمارات. أما النائب السابق محمد أنور السادات فقد كتب لرئيس لجنة الانتخابات شكوى من منعه من تأجير أي قاعة في أي فندق لعقد مؤتمر، يعلن فيه موقفه من الترشح في الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني المقبل. منع حجز القاعات بواسطة ضباط من أمن الدولة ظاهرة متكرّرة، حدثت مع حملة خالد علي فلجأت لمقر الدستور، كما حدث سابقاً مع النائب هيثم الحريري، وأيضاً مع حزب مصر القوية في أثناء محاولته عقد مؤتمره العام، بل حكى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عن منع حجز قاعةٍ لعقد إفطار في رمضان.
واقعياً، غرض كل هذه الإجراءات الرئيسي، بخلاف التضييق على الفاعلين أنفسهم، هو تخويف غير الفاعلين، العودة إلى ترسيخ قيم "ثورة يوليو" الكارهة للسياسة، حيث مجرد مصطلحات "حزب"، "تنظيم"، "تمويل" أفعال مخيفة وغير مفهومة شعبياً. قال السادات إنه قرّر القيام بتجربةٍ لما سيحدث عند فتح باب توكيلات الرئاسة، فأرسل بعض أفراد حزبه في محافظتين إلى الشهر العقاري، ليجدوا تهرّباً من المسؤولين، ثم قيل لهم إن الأمن الوطني سيجمع أسماء من يقدّم توكيلات للرئاسة أو للأحزاب.
من المستحيل أن أدّعي أن بإمكاني تقديم حل واضح لتجنب الأثر المدمّر لما يحدث. والحيرة حق لكل متابع لما يجري. لكن في المقابل يجب التأكيد أن ما يحدث هو، في حد ذاته شهادة، من السلطة بجدوى العمل المعارض، وبعدم حسم كل المعطيات بيد النظام. لو كانت الانتخابات مجرّد تمثيلية تملك الدولة كل خطوطها، لما كانت هناك حاجة لكل ما يحدث، لتركوا السادات وخالد علي وشفيق وقنصوة وغيرهم يترشحون كما شاءوا، ثم ليُصدروا النتيجة التي يريدونها.
يمكن أن نتناقش طويلاً بشأن الإبداع في طرق الاحتجاج والمشاركة السياسية الجديدة، وتقسيم العمل بين الأخطر والأكثر أمناً على المشاركين، حسب خبراتهم واستعدادهم، لكن المهم قبل ذلك ألا ننسى الاستراتيجية العامة: إذا كان خصمنا يفعل كل هذا لمنع المشاركة السياسية، وتخويف الناس منها، فلن نمنحه مجّاناً ما يشاء.